"الجنبية" هيبة رجال اليمن
- الخليج الجديد الخميس, 27 يوليو, 2017 - 07:49 مساءً

[ "الجنبية" اليمنية.. تاريخ قديم ]

مع رفع عدد من الدول حالات التأهب الأمني، لا سيما في أوروبا؛ بعد حصول تفجيرات واعتداءات مسلحة مختلفة وتهديدات استهدفت أماكن يتجمع فيها الناس ومواقع مكتظة، في أوقات سابقة، صار حمل سكين أو خنجر يثير الرعب، وإن كان حامله لا يهدد الآخرين.

قبل أيام، أثار رجل يمني يرتدي الزي التقليدي مع "الجنبية (خنجر قصير مُنحنٍ حول الخصر)"، الذعر في صفوف البريطانيين عندما سار وسط مدينة ليفربول.

الرجل المسنُّ الذي كان، على ما يبدو، يتجول في شوارع ليفربول، التفَّ عليه الناس، ليجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، خاصة عندما حاصرته الشرطة لأخذ "الجنبية" ومصادرتها.

وأظهر فيديو للحادثة استجواب الشرطة للرجل المسنّ، في حين كانت هناك امرأتان أخريان برفقة طفل كان يترجم حديث الرجل للضباط.

وقالت المرأة: "إنه يرتديها كل يوم جمعة، يرتديها عندما يذهب للصلاة، كانت معه منذ 55 عاماً". ثم قال الرجل باللغة العربية: "خدها، خدها".

وامتثل الرجل للشرطة وسلَّم "الجنبية" من دون خلق أي متاعب، حيث أُعطي له رقم مرجعي؛ لمراجعة مركز الشرطة في وقتٍ لاحق.

 أهمية "الجنبية" عند اليمنيين

و"الجنبية" عند اليمنيين أهم الأزياء الرجالية المتوارثة كابراً عن كابر، وهم يرون فيها الهيبة والرجولة.

و"الجنبية" أنواع وأشكال، وقيمها تختلف بحسب ما يدخل في صناعتها، حتى إن بعضها يصل إلى نحو 50 مليون دولار.

 قيمة تاريخية

يرى خبراء الآثار أن لـ"الجنبية" تاريخاً عريقاً في اليمن؛ إذ وُجدت منذ 6000 آلاف سنة، وأن النقوش والصور تُظهر ملوك سبأ وحمير، ومنهم الملك شمر يهرعش وتُبَّع وغيرهم متمنطقين بالجنابي.

ووفقاً للباحثين، فإن المرحلة الأولى لصناعة الجنابي بدأت، حسب الشواهد، باستخدام قرن الخرتيت (وحيد القرن) كمقبض للسيوف والخناجر، قبل أن يتحول إلى "الجنبية" في عهد الملك أسعد الكامل، الذي حكم من 400م إلى 430م.

ويذهب آخرون لاعتقاد أن أخذ "الجنبية" شكلها الحالي، وهو يجسد شكل "الهلال"، يعود إلى طقوس دينية كان اليمانيون الأوائل يمارسونها خلال فترات زمنية غابرة؛ إذ كانوا يعبدون "إله القمر" وهو إله الحب عند اليونان.

وكما هو معروف، فإن شكل "الجنبية" اليمنية، يأخذ شكل الهلال في أكثر من جانب وزاوية، ويتضح ذلك في انحناء الرأس (القرن) من جانبيه وامتداده من الأعلى إلى أسفل ما يعرف بـ"المَبْسم" الذي يتوج الجسم (النصل) ويلتحم به بمادة "اللك"، ويتضح شكل الهلال في انحناء النصل.

ولـ"الجنبية" اليمنية مقياس لمستوى مرتديها الاقتصادي والاجتماعي؛ فبعضها لا يتعدى سعر 10 دولارات، في حين قد يصل أغلاها إلى أكثر من 50 مليون دولار، ومثل هذه الجنبيات تكون أثرية ومصنوعة من مواد ثمينة.

ويرجح مؤرخون السبب في تسميتها "الجنبية" إلى أن الرجل يضعها على جنبه، فأصبحت وكأنها جزء لا يتجزأ من كيانه، ترافقه طيلة يومه.

ويحق لـ"الجنبية" أن تكون تحفة فنية؛ إذ يجتمع في صياغتها زخم واسع من التجليات الشكلية واللونية، وتلتقي فيها أشكال هندسية يحيلها الفن إلى قطعة فنية في غاية من التناسق والجمال.

وتتوقف قيمة "الجنبية" على أمرين اثنين: عمرها التاريخي، وشكلها الفني، فكلّما كانت قديمة، وشكلها الفني متقناً، زاد ثمنها.

ويمتلك وجهاء وشيوخ قبائل جنابيَ (جمع جنبية) يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وهم بذلك يمتلكون كنوزاً تاريخية، أقل ما يمكن أن توصف به أنّها ثمينة.

ويُصنع رأس الجنبية (المقبض) من خامات كثيرة، يأتي في مقدّمتها قرن وحيد القرن الذي يُؤتى به من أفريقيا، ثم قرون الماعز والأبقار، وذلك بنحته بحِرْفية عالية على شكل مثلثين ملتصقَي الرأسين.


وتوضع دائرتان صغيرتان من الذهب أو الفضة أو النحاس في وسطي المثلثين، منقوش عليهما أشكال تختلف من جنبية إلى أخرى، ثم تُرسم في بقية المثلثين نقوش فضية، وذلك بعمل ثقوب صغيرة في المثلثين، تُملأ بأسلاك من الفضة أو الحديد الهندوان، أو النحاس، بشكل متناسق، يصل رأس المثلث العلوي برأس المثلث السفلي.

ويوضع في قاعدة المثلث الأسفل مستطيل رفيع من الذهب أو الفضة أو النحاس يسمى (المبْسم) وتُرسم عليه نقوش حِمْيَرية، أو حروف من الخط المسند أو زخرفات إسلامية، وهذا الجزء من "الجنبية" هو الخط الفاصل بين المقبض والنصل الذي يُرسم في وسطه خط أو خطان، يقل سمكهما كلما اتجها نحو أسفل النصل.

"الجنبية" فخر متوارث

اليمني عبد الله السباحي، يقول إن ارتداء "الجنبية" يزيده فخراً بكونه يمنياً، فارتداؤها تراث يتناقله اليمنيون عن أسلافهم ويحرصون على توريثه لأبنائهم.

وأضاف السباحي، الذي سبق له أن تجول بجنبيته في شوارع كوالالمبور، لـ"الخليج أونلاين"، أن "الجنبية تعطي لصاحبها شعوراً بالهيبة والثقة".

ولحمل "الجنبية" أهمية كبرى؛ إذ يقول السباحي: إن "الشخص القبيلي الأصيل لا يُخرج (الجنبية) في وجه أي شخص؛ لأن من العيب أن ترجع (الجنبية) بعد خروجها دون أن تكون مدماة، أي طعن بها شخصاً آخر".

وتابع: "لذلك، فإن حامل (الجنبية) لا يخرجها من غمدها إلا للضرورة والدفاع عن النفس، ويجب ألا تُرفع لتهديد الآخرين؛ لأن مكانتها كبيرة، ولا يجوز الاستهانة بها أو استخدامها للاستعراض أو التخويف، ويمكن إخراجها والاستعراض بها فقط في الرقصات الشعبية".


التعليقات