معنى مفهوم الأقلية
الأحد, 28 أغسطس, 2016 - 02:37 مساءً

كان واضحاً ان جون كيري وزير الخارجية الامريكي يستند إلى دلالة تعاطف حين اشار للحوثيين باعتبارهم اقلية. بمعنى انهم يخوضون معركة دفاع عن النفس، بصرف النظر عن اعتداءاتهم في الداخل ومحاصرتهم المدن وتنكيلهم بآلاف الأسر. في جدة حمل جون كيري ملف الأزمة السورية واليمنية، لكن في الخطاب الامريكي ازاء الأزمة السورية، لم يحضر ابداً ان تم الإشارة لنظام الأسد باعتباره اقلية طائفية. وهذا لا يعني ان ذلك الخطاب تجاهل الموضوع الطائفي، بل تعامل مع الصراع السوري باعتباره مضمون طائفي. وهو التكتيك الحاسم للشرق الأوسط بدءاً بالحالة العراقية، حيث كانت اختبار معملي ناجح.

والموضوع الطائفي في الواقع، ليس صناعة امريكية، يؤكد المشهد المريع في العراق وسوريا بأنه نتاج ثقافة عميقة واشكالية وعي، بمعنى ان العراق كانت جاهزة غير ان واشنطن تلاعبت بهذا الواقع كما هو، واعادت توجيهه كما يحلو لها. ومنذ بدأت مقولة شرق اوسط جديد، او مصطلح الفوضى الخلاقة، كان واضحاً وجود تصميم امريكي لدفع المنطقة نحو وضع مضمون نتائجه.

استدعاء الحوثيين باعتبارهم اقلية في خطاب كيري، يجسد نمط التلاعب المتحيز بالألفاظ. الإفصاح عن وجود اقلية في صراعات معينة، لا تستدعيه سوى غاية الوصول الى نتيجة معينة. تراهن مبادرة كيري على ابقاء اقطاب الصراع. ودلالة لفظه بأن الحوثي اقلية تعرف معناه السعودية ايضاً، بإنه لا يترتب عليها التنصل عن وجود حل. على الاقل يحتاج الحوثي وصالح ادراك ما يرمي اليه كيري بأنه اتى وقت الموافقة على حل سياسي. ولا يمكنني الجزم بادراك التفاصيل.

تحمل مفردة اقلية دلالة قوية الأثر في الخطاب الغربي وثقافته الحديثة عن مستوى من التعاطف او التضامن. والمقصود من هذا الخطاب هو المتلقي الغربي بدرجة اساسية، اي توجيه المجتمع الامريكي والغربي، على الأقل المهتم منه، في نسق يتوافق او يهيأ لمسار سياسة امريكية في القادم. وهذا التكريس ينبع من وعي ديمقراطي يعي حاجة السياسي لتضامن مجتمعي واسع مع ما يرمي اليه. بمعنى انه غير قادر على خوض حرب او دعم طرف دون وجود هذا التضامن. وهو بحاجة ايضاً لمستوى من الإدعاء الأخلاقي. اما اقلية فلا تعني شيء بالنسبة للمجتمعات الشرق اوسطية.

دعونا نضع بعض التكهنات حول النسق الملح على ابداء شكل متعاطف مع الحوثيين، التأكيد على انهم اقلية، لا اجزم انه مبدأ عاطفي لدى حسابات سياسية تضع الأفضلية للنتائج ضمن عملية حسابية بحتة. ترغب واشنطن بالابقاء على تحالف الحوثي وصالح ككيان سياسي، وهذا لا علاقة له بإكرامية لنهاية خدمة على مستوى من التعاون. لإن السعودية ايضاً لا يمكن تجاهل علاقتها الوثيقة بواشنطن خصوصاً في مسائل مفصلية ضمن الصراع في المنطقة او العالم.

الاصرار على ابقاءه كقطب متحفز يديم الصراع، ليس هو هاجس كيري للسلم او حتى للحرب. لإن ايضاً ما ستظهر لنا من قوى مختلفة وامراء حروب ستبدأ مصالحها تتعارض بوضوح في مرحلة ما بعد الحوثي وصالح، وما سيستدعي صراعاتها. لإن الحرب لم تظهر لنا قائد واحد، بل مجاميع مختلفة يجمعها اليوم مقاومة الحوثي، وفي الغد ستفرقها المصالح، وربما هذا ما ظهرت بوادره في مستويات عدة. في الشأن اليمني غرض كيري ان لا تبقى حوافز الصراع كلها بيد السعودية وحليفتها الإمارات. الابقاء على الحوثي وشيء من صالح يعني وجود حيز خارج ارادة السعودية. وهذا ما سنوصل معه الى مستوى اوسع اي اقليمياً، الابقاء على حالة التوتر واسع النطاق في ثنائية شيعية- سنية، توجه جزء كبير من طاقات هذا المجتمع، ثنائية الخليج الفارسي والآخر العربي.

اذن هناك معنيين مزدوجين لاستدعاء وصف اقلية، الأول بغرض تعاطف او تضامن داخلي، والآخر بقصد مراوغ لا يمكن الوقوف عند دلالته. وهذا ما تقصده مفاهيم ما بعد الحداثة حول الخطاب، او تعدد المعنى لانهائياً في اللغة. وكيري لم يتحدث بلغة شعرية، فقط وصف الحوثيين بأنهم اقلية. وهناك ايضاً استدلال سطحي لهذا المعنى، باعتبار ان الأقلية فضاء ديموغرافي، بحسب التوزيع السكاني. غير ان هناك نصيحة للصيني تزو في كتابه "فن الحرب" تشير الى اهمية ما معناه ان يحتفظ طرف بوجوده كأكثرية عبر تشتيت العدو. والحوثي وصالح يمثلون اكثرية بالمعنى العصبوي او المتضامن، بينما لا يوجد في اليمن فضاء سني واحد متضامن.

وفي الصراع، هناك تعز، الجنوب، تهامة، وهي فضاءات غير متضامنة ومشتتة وهو ما تظهره الفوائد. الا ان دلالة اقلية، يمكنها ان تكون صحيحة على المستوى الاوسع اي الاقليمي. باعتبار ان دخول السعودية وتحالفها في هذا الصراع رجح كفة التوازن فاصبحت العصبوية ذات الأكثرية المتضامنة مشتتة في فضاء وطني ممزق ومتصارع، وهي من انتجته باعتبار ان نتائجها مضمونة.

* من صفحة الكاتب على فيس بك

التعليقات