خيارات السلطة الشرعية للتعامل مع الدور الإماراتي السلبي في اليمن (تحليل)
- عبدالسلام قائد السبت, 28 أكتوبر, 2017 - 11:47 مساءً
خيارات السلطة الشرعية للتعامل مع الدور الإماراتي السلبي في اليمن (تحليل)

[ الرئيس هادي ونائبه الأحمر ورئيس الحكومة بن دغر ]

لم يعد خافيًا على السلطة الشرعية وحلفائها في اليمن مدى خطورة الدور الإماراتي السلبي في البلاد، والذي تكمن خطورته في أنه يستنزف الدولة اليمنية والمجتمع اليمني بدءًا من سلطته الشرعية مرورًا بالقوى السياسية الفاعلة وانتهاءً بالنسيج الاجتماعي الممزق والهش أصلًا. وفي المحصلة، تسعى دولة الإمارات إلى إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في اليمن بغرض سلخ اليمن عن هويته السياسية وعمقه الحضاري، وخلق يمن هش وممزق وبلا أحزاب أو ديمقراطية أو حكومة قوية أو حرية رأي وتعبير.
 
ورغم إدراك السلطة الشرعية أن خطورة الدور والنفوذ الإماراتي في اليمن يفرض عليها مسؤولية تاريخية لمواجهة هذا الدور، لكنها قابلت ذلك بوضع كل البيض في السلة السعودية، رغم الصمت السعودي إزاء ما تقوم به الإمارات في اليمن، وهو ما يعني أحد احتمالين، الأول: أن هذا الصمت يعكس رضىً سعوديًا بالدور الإماراتي السلبي في الأزمة اليمنية، والثاني: أن ما تقوم به الإمارات قد يكون تم الاتفاق بشأنه بينها وبين السعودية، وذلك لكون السعودية أصبحت تنظر لليمن كـ"حالة مستعصية"، وتشكل عبئًا على محيطها الإقليمي لعدة عوامل، ليس هنا مجال ذكرها.
 
- حالة "الدولة الطافية"
 
وقبل الحديث عن الخيارات المتاحة للسلطة الشرعية وحلفائها للتعامل مع الدور الإماراتي السلبي في اليمن، بهدف تحجيمه وتقليل تأثيره، سنتطرق إلى الأهداف الرئيسية لذلك الدور، لكي تتضح الرؤية، وضرورة أن يكون الرد على هذا الدور من قبل السلطة الشرعية مدروسًا بعناية، حتى لا يثير بعض الأطراف في الداخل، أو قد يثير السعودية والإمارات ضد السلطة الشرعية وحلفائها، ويكون الرد هو المغامرة بدعم انفصال جنوب اليمن، وترك الشمال في حالة حرب أهلية طويلة الأمد لاستنزاف كل الأطراف، خاصة وأن الجنوب أصبح شبه منفصل، وأصبحت ورقة الانفصال حاضرة بقوة للابتزاز وفرض الإملاءات.
 
في بدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، كانت السعودية تهدف من تدخلها العسكري في اليمن إلى القضاء على الانقلاب، وتدمير القدرات التسليحية للجيش الطائفي والعائلي الموالي للانقلابيين العملاء لإيران، وتأسيس جيش وطني بديلًا عنه، ودعم تشكيل سلطة قوية، بما من شأنه تحويل اليمن إلى دولة قوية وحليفة للسعودية ودول الخليج في الصراع الطائفي المشتعل في المنطقة، خاصة وأن الكثافة السكانية في اليمن ستشكل رافدًا كبيرًا لدول الخليج المعروفة بقلة عدد سكانها.
 
غير أن تشابك الملفات الساخنة في المنطقة والإقليم، وتزايد الفاعلين من غير الدول، والمخاوف الإماراتية المتزايدة والغير مبررة من الأحزاب والحركات الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي التي ما زالت تفاعلاتها مستمرة، بالإضافة إلى تأثير الوضع في اليمن على المصالح السياسية والاقتصادية للإمارات، وعلى رأسها الخوف من ازدهار الموانئ اليمنية، وفي مقدمتها ميناء عدن، خشية تأثير ذلك على ميناء دبي الذي أكسب الإمارات مكانة عالمية، وحوّل مدينة دبي إلى أبرز مركز تجاري وسياحي في العالم العربي والشرق الأوسط، كل ذلك يشكل الدافع الرئيسي لما تقوم به الإمارات من دور سلبي في اليمن، واستخدام ورقة الانفصال لتعزيز هذا الدور وتقوية مفعوله.
 
ولهذا، فما تسعى إليه دولة الإمارات في اليمن يتلخص في أنها تريد الحفاظ على اليمن كـ"دولة طافية"، أي استنزاف الدولة لتبقى هشة وضعيفة مع عدم السماح بانهيارها كليًا، وربما أن هذا الهدف لا يغيض السعودية، لاعتقادها أنه لن يشكل أي خطر على أمنها، ولن يفخخ مستقبل حديقتها الخلفية (اليمن)، غير مدركة مدى خطورة ذلك عليها مستقبلًا، لاسيما وأن المشروع الإيراني التوسعي يعمل بنفس طويل وتخطيط محكم، ويتعمد استخدام الطائفية كونها تسهل فرز الحلفاء وتستقطبهم بسرعة.
 
كان المخلوع علي صالح خير حارس للمصالح الإماراتية في اليمن، حيث أهمل الموانئ اليمنية، ولم يستغلها رغم مواقعها الإستراتيجية الهامة على طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، خاصة ميناء عدن، الذي أجّره للإمارات (شركة موانئ دبي) بثمن بخس، واستئجاره من قبل الشركة المذكورة لم يكن بهدف تطويره، ولكن بهدف تهميشه وإبقائه على حالة الركود التي كان عليها.
 
ويعني ذلك أن الإمارات تسعى لإنتاج "علي صالح" آخر يحرس مصالحها، حتى وإن كان بهيئة سلفي متطرف مثل هاني بن بريك أو أبو العباس (عادل عبده فارع) أو أحد بقايا الماركسية في الجنوب مثل عيدروس الزبيدي، أو أي شخص على شاكلتهم، بعد أن أدركت أنه من الصعب ترميم نظام المخلوع صالح وتنصيب نجله أحمد رئيسًا توافقيًا للبلاد، وأصبح المخلوع صالح بذاته تحت رحمة جماعة الحوثيين، والتي تعد من أخطر الأذرع الإيرانية المحيطة بالتخوم الرخوة للسعودية، علمًا أن الإمارات أحد هذه التخوم الرخوة، كون قوتها العسكرية لا تساوي شيئًا أمام القوة العسكرية الإيرانية.
 
- خيار تعزيز "الكتلة الصلبة"
 
هناك العديد من الخيارات أمام السلطة اليمنية الشرعية للتعامل مع الدور الإماراتي السلبي في اليمن، لكن نتيجة الضعف الذي تمُر به هذه السلطة، وهو ضعف سببه عدم حرصها على تقوية ذاتها بما يعزز ويحمي المشروع الوطني المعول عليها العمل من أجله، فإن ذلك جعلها تبدو عاجزة عن القيام بأي خطوة في هذا الاتجاه، ولا تملك حتى حق الشكوى والتذمر، فضلًا عن الاعتراض والإدانة.
 
ويستثنى من ذلك الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي كلما شعر أن الإمارات تمادت في غيها، لا يملك إلا أن يلقي خطابًا يندد فيه بالتدخل الإيراني في اليمن وخطره على اليمن ودول الخليج، ليُذكّر حكام السعودية والإمارات بأن معركة التحالف العربي في اليمن هي ضد الانقلاب والنفوذ الإيراني، وليست ضد السلطة الشرعية وحلفائها.
 
ولعل الخيار الوحيد الذي يمكن للسلطة الشرعية أن تقوم به للتعامل مع النفوذ الإماراتي في اليمن وتقليل تأثيره وخطره، هو تعزيز ما يمكن وصفه بـ"الكتلة الصلبة" التي تشكل الحامي الرئيسي للسلطة الشرعية، والحامي الرئيسي للدولة الاتحادية، والحامي الرئيسي للنظام الجمهوري أمام المشاريع السلالية والعائلية والطائفية، وتتمثل هذه الكتلة بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية في محافظتي تعز ومأرب.
 
تكتسب الكتلة المذكورة أهميتها من كونها الكتلة الوحيدة الموالية تمامًا للسلطة الشرعية، وتؤمن بمشروع الدولة الاتحادية، وكل أهدافها هي نفسها أهداف السلطة الشرعية، وجميعها تأتمر بأمر السلطة الشرعية ولا تخالف الأوامر أو تعترض عليها مطلقًا، وتشكيلاتها تمت وفقًا لمعايير وطنية، بعيدًا عن المناطقية والحزبية والطائفية، فمنتسبوها من عدة محافظات ومن عدة أحزاب ومن عدة قبائل، وهكذا.
 
وإذا كان الانقلابيون عجزوا عن استعادة السيطرة على المحافظات التي خسروها بسبب اصطدامهم بالكتلة الصلبة للسلطة الشرعية في تعز ومأرب، وإذا كان الدور السلبي الإماراتي في اليمن اصطدم بالكتلة الصلبة للسلطة الشرعية في تعز ومأرب وعجز عن اختراقها بواسطة "المال السياسي" ليشكل ما يسميها قوات نخبة أو قوات حزام أمني، فإن هذه الكتلة الصلبة هي الوحيدة التي تمنح السلطة الشرعية نوعًا من الهيبة والنفوذ والقوة، ولولاها لكانت السلطة الشرعية مجرد أفراد موظفين لدى حكام الإمارات.
 
وبناءً على ما سبق ذكره، فإنه ينبغي على السلطة الشرعية أن تعمل على تعزيز هذه الكتلة الصلبة، لتمنح نفسها قدرًا من الهيبة والنفوذ، ولتحافظ على المشروع الوطني وفقًا لمخرجات مؤتمر الحوار، وعلى رأسها الدولة الاتحادية.
 
- مقترحات لتعزيز "الكتلة الصلبة"
 
وفيما يلي بعض المقترحات لتعزيز الكتلة الصلبة للسلطة الشرعية:
 
- تشكيل ألوية عسكرية جديدة يكون أفرادها خليطًا من مختلف المحافظات اليمنية الشمالية والجنوبية، والتركيز على أن يكون أفرادها من محافظات الجنوب من الموالين للسلطة الشرعية والمعارضين للدور والنفوذ الإماراتي السلبي في اليمن.
 
- فتح باب الانتساب إلى الجيش الوطني في مأرب وتعز أمام الراغبين من أبناء المحافظات الجنوبية الموالين للسلطة الشرعية والمعارضين للدور الإماراتي في اليمن، وهم كثر.
 
- الحرص على أن يكون أفراد وقادة مختلف الكتائب والوحدات العسكرية التابعة للجيش الوطني خليطًا من عدة محافظات شمالية وجنوبية، فهذا يمنح الجيش صفة "الوطنية" فعلًا، ولا يمكن القول بأنه جيش شمالي أو جنوبي.
 
- في حال تشكل الجيش وفقًا لما سبق ذكره، فإن هذا سيرعب كل أعداء ومناهضي السلطة الشرعية، سواء الانفصاليين أو الانقلابيين أو الدول الأجنبية التي لها مشاريع خاصة في اليمن، ويمكن لهذا الجيش في مرحلة ما بعد الحرب الانتشار في مختلف المحافظات الشمالية والجنوبية دون أن يثير حساسيات مناطقية.
 
- الخطوات المذكورة يجب أن يرافقها تواجد السلطة الشرعية في مختلف المحافظات المحررة، وتوفير الخدمات العامة للمواطنين، وانتظام صرف الرواتب، وأن تراجع أداءها، خاصة الفساد المتمثل في توظيف الأبناء والأقارب والرواتب الباهظة التي يتقاضونها بدون أي عمل، بينما يعاني المواطنون والموظفون والجنود الفقر والجوع والحرمان، وذلك حتى تكسب ثقة المواطنين والتفافهم حولها.
 
وأخيرًا، على السلطة الشرعية وحلفائها الإدراك بأن علة اليمن تاريخيًا تكمن في طريقة تشكيل الجيش، وكلما كانت هذه الطريقة خاطئة فإن ذلك يكون سببًا في إثارة الأزمات والحروب الأهلية كلما استدعت الظروف ذلك، والعكس صحيح.
 
ولهذا، فتأسيس جيش وطني، وفقًا لمعايير وطنية بحتة، يعد بمثابة الخطوة الأولى والأساسية لبناء وطن آمن ومستقر ومزدهر، ولديه جيش يحمي المكتسبات الوطنية كالديمقراطية والنظام الجمهوري والتداول السلمي للسلطة، ويقف صدًا منيعًا أمام المشاريع العائلية والقبلية والسلالية والطائفية وغيرها من المشاريع الصغيرة، ويحمي البلاد من خطر وأطماع الأعداء الأجانب، ويحافظ على اليمن كدولة قوية موحدة ومساندة لأشقائها العرب أمام أطماع الفرس وخطرهم المتنامي في المنطقة.


التعليقات