الدور العماني في اليمن .. حضور تعززه المخاوف وتصنعه التحولات (تحليل)
- عامر الدميني الإثنين, 13 نوفمبر, 2017 - 09:41 مساءً
الدور العماني في اليمن .. حضور تعززه المخاوف وتصنعه التحولات (تحليل)

[ الرئيس هادي مع السلطان قابوس - أرشيف ]

دخلت سلطنة عمان في تفاصيل الملف اليمني مؤخرا، بعد أن ظلت في خانة الحياد، باستثناء استضافتها لوفود جماعة الحوثي في صنعاء وحزب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أثناء المفاوضات التي جرت في كل من الكويت وسويسرا.
 
وعند انطلاق عاصفة الحزم العسكرية للتحالف العربي في اليمن نهاية مارس/آذار من العام 2015م، كانت السلطنة هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة، وطالبت بالحوار والحلول السلمية لضمان الخروج من الأزمة اليمنية.
 
ترتبط سلطنة عمان بحدود بحرية وبرية مشتركة مع الجمهورية اليمنية، طولها قرابة 288 كيلومترا من جهة الشرق، وتم الانتهاء من إشكالية تلك الحدود في وقت مبكر، أما بالنسبة للخصائص التاريخية المشتركة التي تربط البلدين فهي كثيرة ومتعددة، وتنطلق من إرث حضاري مشترك.
 
غير أن التأثير الذي تسبب في حساسية بين البلدين يعود إلى فترة السبعينات أثناء حكم الاشتراكيين للشطر الجنوبي من اليمن سابقا، ورغبتهم في مد نفوذهم إلى أراضي السلطنة، ودعمهم لمتمردي ظفار في الانقلاب على السلطان سعيد والد قابوس الحاكم الحالي للسلطنة.
 
تلك الأحداث بما شهدته من تطورات فيما عرف لاحقا بثورة ظفار، جعلت السلطان قابوس بن سعيد يعيد حسابه في علاقته بالدول المجاورة بشكل كبير، خاصة مع ثبوت تورط السعودية حينها بمد المتمردين على والده بالسلاح، ما جعلها تنتهج سياسة خاصة بها، فبقدر حضورها ومشاركتها في مجلس التعاون الخليجي لكنها ظلت محافظة على نمط خاص بها قياسا ببقية دول الخليج، فعندما قطعت السعودية علاقتها بإيران، وصفت السلطنة ذلك القرار بالمستعجل والخاطئ.
 
وانعكس الحذر العماني في السياسة على علاقتها الخارجية وتعاملها مع الدول العربية، فعندما قاطعت الدول العربية مصر أثناء حكم الرئيس المصري محمد أنور السادات (1981-1981) بسبب علاقته مع إسرائيل، وسعيه للتطبيع بين البلدين، ظلت السلطنة الدولة الوحيدة التي ساندت السادات ووقفت إلى جانبه، وحين اغتيل السادات في مصر كان من ضمن الحاضرين إلى جواره بالعرض العسكري الذي قتل فيه ممثل السلطنة السياسي في مصر.
 
هذا النمط من التعامل كان جزءًا من تأريخ السلطنة وفلسفتها في التعامل مع محيطها، ومن ذلك اليمن، وهي فلسفة فرضتها الأحداث والمؤامرات التي تعرضت لها، من الدول المحيطة بها، فإضافة إلى السعودية ودورها في ثورة ظفار، وحكومة الشطر الجنوبي، كان هناك مؤامرة سعت للإطاحة بحكام السلطنة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقد الأول من القرن الحالي، وانتهت بالفشل.
 
كما سعت الإمارات في العام 2011 إلى دعم  تحركات شبابية مناوئة للسلطان قابوس، أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي في عدة دول عربية، لكنها أيضا انتهت بالفشل والاحتواء.

تأريخ من العلاقات
 
بالنسبة لليمن لاحقا فقد تعاملت السلطنة بسياسة التعقل والتوازن الهادفة للحفاظ على الهدوء بين البلدين، ففي حرب الانفصال التي اندلعت في صيف 1994م سعت السلطنة إلى احتواء الخلاف المتصاعد بين طرفي الأزمة، خلافا لبقية الدول الخليجية، لكن تلك الجهود انتهت بالفشل،  بسبب تعنت علي سالم البيض أولا، وبسبب انتهاء الحرب بسرعة، ولاحقا استضافت السلطنة البيض كلاجئ سياسي لعدة سنوات.
 
وتظهر الأحداث التاريخية أن الخطر الذي تشعر به السلطنة تجاه اليمن، يأتي من المحافظات الجنوبية، ولذلك تؤدي الاضطرابات فيها إلى شعورها بالقلق، وتخوفها من أي واقع جديد قد يتشكل ويؤثر عليها.
 
ولذلك ظلت محافظة المهرة محور اهتمام السلطنة طوال العقود الماضية، إذ يحضر فيها الدور العماني بشكل كبير في مختلف المجالات، كالجانب الإغاثي والإنساني، والتجاري، ناهيك عن اهتمام المسؤولين العمانيين بمشايخ المهرة المؤثرين.
 
وهذا الوضع يمكن تفسيره بالحضور الكبير للسلطنة مؤخرا في المهرة (شرقي اليمن)، ومنحها الجنسية العمانية للشيخ عبدالله بن عيسى عفرار، الذي يعد أكبر مشايخ المهرة، وأكثرهم تأثيرا، إضافة لتجنيس المهندس حيدر أبو بكر العطاس مستشار رئيس الجمهورية حاليا، ورئيس الوزراء السابق.
 
وأدى التوجه الإماراتي للسيطرة على المهرة وإخضاعها للإمارات هناك، إلى تحرك سلطنة عمان بشكل كبير، ودخولها في الملف اليمني، فالحساسية التاريخية بين البلدين لاتزال تلقي بظلالها على علاقاتهما.
 
سعت الإمارات إلى توطين نفسها في المهرة، التي ترتبط بعلاقات مشتركة مع سلطنة عمان، لكنها فشلت هناك، ولقيت خطواتها انتكاسة كبيرة، خاصة عند محاولتها إنشاء قوات للنخبة موالية لها في الغيظة، على غرار قوات الحزام الأمني في عدن، وقوات النخبة في كلٍّ من شبوة وحضرموت.
 
وفي محاولة للجم حالة المناهضة للتواجد الإماراتي في المهرة، سعت أبوظبي إلى إدراج الشيخ عبدالله عفرار في المجلس الانتقالي الذي شكلته في عدن من عدة شخصيات جنوبية تحت قيادة محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، لكن عفرار رفض المشاركة، ولم ينخرط في أيٍّ من أنشطة المجلس.
 
محافظة سقطرة التي تخضع للهيمنة الإماراتية في الوقت الراهن تمثل أيضا مصدر إزعاج للسلطنة بعد السيطرة الكاملة للإمارات عليها، ومن المعروف أن سقطرة ظلت مرتبطة بكثير من المشتركات مع المهرة، وارتفعت مؤخرا الأصوات المطالبة بجعلهما إقليما واحدا، ولأن المهرة سقطت في القبضة الإماراتية المناوئة للسلطنة، فقد سعت الأخيرة إلى التمسك بالمهرة، ومنع استحواذ أبوظبي عليها.
 
وتشير التطورات الراهنة إلى معركة مستترة بين الإمارات وسلطنة عمان في اليمن، تمتد لتشمل العديد من الملفات المهمة، ففي حين تسعى أبوظبي لهزيمة مسقط سياسيا وعسكريا عبر أذرعها في اليمن، بما يمكنها من خنق السلطنة، تعمل السلطنة جاهدة لتفكيك وإحباط تلك المخططات، والحفاظ على المكتسبات التي تمكنها من إفشال التهديدات التي تتربص بها من جهة اليمن.
 
تستقوي الإمارات بأذرعها كالمجلس الانتقالي في عدن، والقوات الموالية لها والتي أنشأتها بدعم عسكري ومادي سخي، بينما تواجه السلطنة تلك المحاولات بمزيد من الحضور في المهرة، وفي تقديم صورة إيجابية عنها في الشارع اليمني، فعندما أغلقت السعودية التي تقود التحالف العربي منافذها في وجه اليمنيين، فتحت السلطنة بوابتها لليمنيين الراغبين في العبور على أراضيها من وإلى اليمن، وهي المرة الأولى التي تعلنها بهذا الشكل.
 
تحريك قوة سياسية مناوئة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في عدن، مثل أبرز الردود العمانية وفق متابعين للشأن اليمني، فقد عاد إلى الواجهة مجددا تيار حسن باعوم الذي نظم العديد من الفعاليات في عدن، وأدان تواجد القوات الإماراتية والسعودية باعتبارها قوات احتلال، ودعا لإخراجها من اليمن.
 
ويرتبط تيار باعوم بعلاقات جيدة مع سلطنة عمان، وهو ما جعل البعض يفسر الحضور اللافت له مؤخرا بتلقيه دعما سياسيا من سلطنة عمان، ليقف في وجه المجلس الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات.
 
تعامل السلطنة مع الملف اليمني
 
تعاملت سلطنة عمان مع الملف اليمني بحذر، وظلت تمسك العصا من منتصفها، واستضافت مسقط وفود الجانب الانقلابي في صنعاء، وزارها المبعوث الأممي من وقت لآخر، في إطار تحركاته لاحتواء الأزمة في اليمن، وأعلنت من وقت لآخر تأييدها للشرعية اليمنية، وجهود الحل السلمي.
 
وأدت حالة التوازن التي انتهجتها مسقط إلى تحقيق العديد من المكاسب بالنسبة لها ولدول أخرى، وتمثل ذلك بدخولها كوسيط للإفراج عن رهائن أمريكيين وعرب احتجزتهم جماعة الحوثي في اليمن، وعلى مدى السنوات الأخيرة أثمرت الوساطة العمانية في الإفراج عن رهائن من كلٍّ من امريكا وسنغافورة والنمسا وفنلندا و فرنسا وتونس.
 
ورغم ذلك ظلت أصابع الاتهام توجه لمسقط وتتهمها بتسهيل تهريب السلاح للمتمردين الحوثيين، خصوصا مع احتفاظ السلطنة لعلاقات مميزة مع إيران التي تتهم بدعم الحوثيين، والتي يقول التحالف العربي إنه يسعى لقطع ومنع تدخلاتها في اليمن.
 
ونشرت رويترز في الـ20 من أكتوبر/تشرين الأول تصريحات لمسؤولين أمريكيين وغربيين اتهموا فيها مسقط بإمداد الحوثيين بالسلاح، كما  نشرت صحيفة مخابراتية فرنسية تدعى "أنتلجنس أون لاين" في سبتمبر/ أيلول تقريراً عن وجود "لوبي إيراني" في مسقط، يعمل على تحويل محافظة ظفار على الحدود اليمنية إلى مكانٍ لتهريب الأسلحة إلى اليمن.
 
تلك الاتهامات ردت عليها مسقط بالنفي، معتبرة بأنه لا صحة لما ذكر في تلك التقارير، وذكرت وزارة الخارجية العمانية أنها قد ناقشت تلك التقارير مع المسؤولين الأمريكيين والسعوديين وتبين عدم صحتها.
 
آفاق الأيام القريبة
 
وترتفع وتيرة المخاوف العمانية في اليمن كلما اتجهت الأحداث في اتجاه الحل، وكلما زاد حجم المخططات التي تستهدف أمنها خاصة من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترى في تواجدها داخل اليمن، فرصة لن تتكرر لتوجيه ضربة للسلطنة التي تعتبرها العدو التاريخي لها.
 
وتشير التطورات إلى أن مسقط بدأت التحرك الفعلي لمواجهة تلك التهديدات، وانتقل موقفها من خانة الحياد المعروف عنها، إلى خانة الفاعلية التي يحركها الشعور بالخطر والمؤامرة، وسعيها للاضطلاع بدور مؤثر في اليمن.
 
وهذا ما يفسره تحركاتها ومساعيها، وطموحها لخلق وإيجاد مساحة تتحرك فيها، وأذرع محلية من شانها أن توقف الصلف الإماراتي، الذي انحرف عن الأهداف التي جاء من أجلها إلى اليمن.
 
ستستفيد مسقط من الإرث السيئ والسمعة السيئة التي خلفها التواجد الإماراتي في جنوب اليمن، وستعزز حضورها كبديل ينطلق من مصلحة مشتركة مع اليمن، وليس مصلحة خاصة بها فقط، وربما يدفعها الأمر لتعزيز علاقتها بشكل أكبر مع الشرعية اليمنية، والجهود الهادفة للحل النهائي في اليمن.
 


التعليقات