صراع الحوثي – صالح .. ما هي نقاط القوة والضعف لدى كل طرف؟ (تحليل)
- عامر الدميني السبت, 02 ديسمبر, 2017 - 06:58 صباحاً
صراع الحوثي – صالح .. ما هي نقاط القوة والضعف لدى كل طرف؟ (تحليل)

[ المخلوع صالح مع صالح الصماد القيادي في جماعة الحوثي ]

تدخل حالة التحالف بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي مرحلة جديدة يسودها الصراع والصدام المسلح، بعد أن ظل الطرفان في خندق واحد منذ أربعة أعوام.
 
حارب صالح الحوثيين ست مرات متتالية، ورغم الشبهات التي دارت حول تلك الحروب، فقد كان المنجز الأكبر لها هو القضاء على مؤسس جماعة الحوثي حسين الحوثي، والذي تسمت الجماعة باسمه لاحقا.
 
 عقب الثورة الشعبية التي أطاحت به تحالف صالح مع الحوثيين نكاية بالأطراف السياسية التي يعتقد انها كانت وراء الإطاحة به من كرسي الحكم الذي جثم عليه لثلاثة وثلاثين سنة، وقدم صالح العديد من التسهيلات للجماعة، والتي واصلت استهدافها للمدن اليمنية، وتوجت ذلك بإسقاط العاصمة صنعاء بيدها في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014م.
 
كان التقدم الذي تحرزه الجماعة الحوثية وهي تسيطر على المدن اليمنية، وتتوسع فيها، يشير إلى أنها ليست وحدها ميدانيا، بل قاتل إلى جوارها ألوية الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي تدين بالولاء لصالح، بل إن الشخصيات الاجتماعية من مشائخ القبائل وأعضاء في مجلس النواب والسلطة المحلية الذين يدينون لصالح بالولاء كانوا جسر العبور الذي سهل للجماعة الحوثية التهام المدن، والسيطرة عليها.
 
كان الرئيس عبدربه منصور هادي هو الهدف المشترك للطرفين، فمن وجهة نظر صالح حينها، فإن المدة الرئاسية لهادي وفقا للمبادرة الخليجية انتهت في العام 2013، وهو العام الذي شهد فعاليات مؤتمر الحوار الوطني، وزادت النقمة على هادي من صالح بعد قرارات هيكلة الجيش التي اعتمدها هادي، وفكك بموجبها الألوية العسكرية، وأعاد دمجها في تشكيلة جديدة.
 
بالنسبة لجماعة الحوثي فقد كان وجود هادي على رأس الدولة بعد استقالة حكومة الوفاق الوطني التي رأسها محمد سالم باسندوة يمثل عائقا أنام جموحها للسيطرة على الدولة، والاستيلاء على جميع مفاصلها.
 
ودفعت عملية التضييق على الرئيس هادي من قبل الطرفين إلى إعلانه تقديم الاستقالة، ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية، ونتج عن ذلك إعلان الحوثيين لما سمي آنذاك بالإعلان الدستوري، والذي نتج عنه تولي ما يعرف باللجنة الثورية العليا بقيادة القيادي في جماعة الحوثي محمد علي الحوثي إدارة الوضع في اليمن.
 
لم يصدر عن صالح وحزبه ما يوحي بعدم الرضا عن تلك الإجراءات التي اتخذتها الجماعة الحوثية، بل واصل صالح تشفيه بالرئيس هادي حينما هدد بأن مصيره سيكون الهروب عبر البحر كحال القيادات السابقة، وهي إشارة لهروب نائب صالح الأسبق علي سالم البيض وفريقه عبر البحر عقب هزيمتهم في حرب صيف 1994م.
 
وأسفر هذا التحالف عن تسليم صالح الدولة اليمنية بكامل مؤسساتها لجماعة الحوثي المرتبطة بإيران، ونتذكر هنا كيف أن الرحلات الجوية بين صنعاء وطهران انطلقت بكثافة عقب وضع هادي تحت الإقامة الجبرية، بل إن السفير الإيراني لدى اليمن سافر إلى عدن، والتقى هناك بالمسؤولين عن ميناء عدن، معربا عن دعم بلاده لليمن في جوانب عديدة.
 
في خضم نشوة الطرفين وهم يتولون زمام الحكم في صنعاء، بعد تنكيلهم بالأطراف التي جاءت بها الثورة الشعبية، انطلقت عاصفة الحزم العسكرية في الـ26 من مارس/آذار 2015م التي قادتها المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى لتدخل جميع الأطراف اليمنية في واقع جديد.
 
ولأن العمل العسكري العربي قد استهدف صالح والحوثيين بشكل مباشر، سواء عبر الضربات التي تلقوها في أكثر من مكان، أو عبر فرض العقوبات الأممية عليهما كلا على حدة، فقد دفعهما ذلك لإعلان تحالفهما بشكل واضح عبر العديد من الأشكال، من ضمنها القتال كجبهة واحدة ضد الجيش الوطني والمملكة العربية السعودية، وتشكيل تحالف سياسي مشترك عُرف بالمجلس السياسي الأعلى، ثم تشكيل حكومة وحدة أطلق عليها حكومة الإنقاذ.
 
وخلال عامين من التحالف بينهما تحول حزب المؤتمر الشعبي العام إلى جناح سياسي لهذا التحالف، بينما مثلت الحوثية بمقاتليها إضافة إلى القوات الموالية لصالح الجناح العسكري، وتطابق الخطاب الإعلامي لهما، رغم أن كل طرف ظل يحتفظ بممثليه في جولات المشاورات مع الحكومة اليمنية الشرعية في سويسرا والكويت.
 
استطاع التحالف بين الطرفين أن يصمد عمليا على الارض بالنسبة للعمل العسكري الذي يشنه التحالف العربي، لكن العلاقة ظلت تدريجيا تسير باتجاه التصعيد الحذر بينهما، مستفيدة من عدة متغيرات تطرأ في المنطقة.
 
من تلك العوامل عدم تحقيق انتصار عسكري على جماعة الحوثي من قبل التحالف العربي منذ حربه في اليمن، ما دفع بأطراف فيه كدولة الإمارات إلى محاولة استمالة صالح ودعمه لتحقيق هدفين، الأول القضاء على الحوثيين، والثاني ضمان تحقيق أهدافها في الانتقام من ثورات الربيع العربي عن طريق صالح، وهو ما كشفت عنه مجلة إنتلجنس الاستخباراتية الفرنسية قبل أشهر.
 
الأمر الثاني يتمثل بطموح الحوثيين في السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرتهم وبالذات العاصمة صنعاء، لتصبح الدولة بكاملها تحت سيطرتهم، كما أن رغبة الحوثيين بالانتقام من صالح الذي قتل مؤسس حركتهم لا تزال كامنة في وجدانهم، وهي رغبة مؤجلة، وإن تظاهروا بخلاف ذلك.
 
والعامل الثالث هو تزايد حالة الغليان الشعبي والتذمر من سلوك الحوثيين في المحافظات التي يسيطرون عليها، نتيجة الانتهاكات التي ارتكبوها، والجرائم التي مارسوها، في مختلف مناحي الحياة، بدءًا من قطع رواتب موظفي الدولة، وسجن العشرات من المواطنين، وقتل الكثير من المعارضين والأبرياء، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي تسجلها منظمات حقوقية، وتحتفظ الذاكرة الشعبية بها.
 
ورغم المحافظة على التحالف بينهما، فقد تواترت عوامل الخلاف بشكل كبير حتى انفجر بين الطرفين مثلما هو عليه اليوم.
 
غير أن الشاهد في الأمر أن صالح لم يتحرك عسكريا إلا بعد شعوره بالخطر المحدق عليه، ووصول الحوثيين إلى نطاقه الجغرافي، ومقر إقامته، ولم تحركه من قبل كل أشكال وأساليب الحوثيين وعبثهم بالبلد، ونهبهم للمال العام، وتدميرهم لمقدرات الدولة، والمضي بمشروعهم الطائفي، وتسببهم بمئات وآلاف الانتهاكات التي ارتكبوها بحق الأبرياء من اليمنيين.
 
لقد كان من الواضح منذ البداية أن المعركة بين الطرفين حتما ستأتي، وأن الأمر يتعلق بعامل الوقت فقط، وأن تدخل التحالف العربي ساهم في التقريب بينهما، وعمل على تأجيل المعركة الفاصلة بينهما حتى حين.
 
اليوم بدأ المشهر بالتغير، وبات الطرفان في معركة كسر عظم، وأي انتصار لهذا الطرف سيمثل ضربة قاصمة للطرف الثاني، لذلك يحاول الطرفان إما تهدئة الصراع بينهما، أو إلحاق هزيمة نفسية وعسكرية سريعة بالطرف الآخر.
 
فما الذي يملكه كل طرف في الوقت الراهن؟
 
وفقا لموازين القوى يبدو الحوثيون أكثر قدرة في حسم الأمور لصالحهم، استنادا على قبضتهم لمؤسسات الدولة، واحتفاظهم بالسلاح والعتاد العسكري المنهوب من معسكرات الجيش، ووجود أنصار تابعين ومؤدلجين يؤمنون بالولاية وأحقية الحكم السلالي، ولديهم استعداد للقتال والموت في سبيل أهداف جماعتهم، إضافة لعامل الترهيب والوحشية التي تتعامل بها الجماعة الحوثية ضد مناوئيها لكسر روح المقاومة لدى البقية.
 
بالنسبة لصالح فانتقال المواجهات إلى دائرته الضيقة تعكس حالة من الضعف التي يعيشها، وسيبقى هذا واضحا إلى أن يستطيع إثبات عكسه، ويتجاوز مربع المعركة القائمة، وينقلها إلى معقل الحوثية في أطراف صنعاء، كالجراف وشارع المطار، وغيرها.
 
لازال صالح يحتفظ بالسلاح، ولاتزال لديه قوات ومجاميع مسلحة تدين بالولاء له، لكن المكسب الذي يحاول استغلاله هو استثمار الغضب الشعبي الرافض للتواجد الحوثي، والذي ذاق كثيرا من ويلات الحوثية، ونما هذا الشعور لدى الكثير من الناس نتيجة تراخي الحكومة الشرعية في تقديم نفسها كبديل لطرفي الحوثي والمخلوع صالح.
 
يملك صالح أيضا علاقات واسعة مع قيادات من حزبه في مختلف المحافظات كمشائخ القبائل أو أعضاء البرلمان أو النافذين، وأغلبهم ممن كان عاملا مساعدا في تسهيل تمدد الحوثيين في السابق، لكن إعلان ولائهم لصالح في الفترة الراهنة يبدو قليل الاحتمال، بسبب تمركز الحوثيين وسيطرتهم على معظم المحافظات وقيادتهم لها، بما فيها المؤسسات الحيوية كالشرطة والجيش والسلاح.
 
وإن حدث شيء من الانتفاض في وجه الحوثيين في المحافظات التي يتشاطر الطرفان السيطرة عليها، فإنها ستؤدي حتما إلى مزيد من الدماء والاقتتال، ففي مقابل وجود أنصار لصالح فهناك أيضا أنصار للحوثيين، ولن تحدث مثل هذه المواجهات إلا في حال نجاحها في العاصمة صنعاء، فالطرف المنتصر في صنعاء يستطيع أن يخضع بقية المدن لصالحه.
 
موقف القبائل خاصة في طوق صنعاء له دور أيضا في ترجيح الكفة لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر، وبالنسبة للوضع الراهن فمعظم القبائل لاتزال تدين للحوثيين، وتقاتل معهم، وتقدم لهم الدعم المالي واللوجستي، ومن المعروف هنا أن تلك القبائل تميل نحو الطرف المنتصر، بحثا عن مصالحها وتأمين حياتها، وتسلسل الأحداث التي عاشتها اليمن منذ العام 2011م حتى اليوم يثبت هذا الأمر.
 
الشيء الأهم هنا هو معرفة إن كان صالح وهو يحاول التصادم مع الحوثية يتصرف بقرار شخصي داخلي، أم بدعم خارجي، وضوء أخضر بناء على تفاهمات معينة، فالعامل الخارجي يبدو مهما بالنسبة لصالح إذا أراد الاتجاه نحو الحسم، فهو وحده من سينجيه من فتك الحوثيين به بعد كل هذه المواجهات.
 
إذا تحركت دول التحالف العربي بقيادة السعودية نحو دعم صالح فبالطبع سيكون هذا إيذانا ببدء معركة جديدة ووضع جديد، خاصة إذا تزامن قتال صالح للحوثيين في صنعاء مع تقدم للمقاومة الشعبية في مختلف الجبهات وبالذات جبهة نهم.
 
ومن شأن هذا الأمر أن يخلق هزات في جسد الحوثية، ويسهل عملية حصارها وتطويقها، وإذا ما تقدم الجيش الوطني تحت غطاء التحالف العربي نحو صنعاء، واستطاع السيطرة والاقتراب من العاصمة فسيؤدي ذلك إلى تأثر معنويات المقاتلين الحوثيين، ويعجل من هزيمتهم.
 
وحتى كتابة هذه المادة لا تظهر أي مؤشرات لوجود تنسيق بين صالح في صنعاء من جهة والجيش الوطني والتحالف العربي من جهة أخرى، ولا يُعلم إن كان تواجد نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن الأحمر في محافظة مأرب التي عاد إليها قبل يومين يتصل بتطورات صنعاء أم لا.
 
سيمضي السيناريو في هذا الجانب إلى أحد اتجاهين، الأول احتواء الموقف من الطرفين، وإزالة عوامل التوتر بشكل كلي وشامل، بما يضمن عدم عودة المواجهات المسلحة بينهما مرة أخرى، لكن هذا الأمر لا يعدو عن كونه نوع من التأجيل للمعركة، فالخسائر التي تكبدها كلا الطرفين كافية لدفعه للانتقام من الطرف الآخر مرة ثانية.
 
الاتجاه الثاني يتمثل في استمرار الاشتباكات والاقتتال بين الجانبين حتى يحسمها أحد الأطراف لصالحه، وهذا أيضا سيؤدي إلى مزيد من المواجهات الساخنة والطاحنة بينهما، لكنه سيقود في النهاية إلى تفرد طرف واحد بالسيطرة السياسية والعسكرية.
 


التعليقات