لماذا فشل المجتمع الدولي في فرض تسوية سياسية في اليمن؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد - خاص الخميس, 28 يوليو, 2016 - 08:54 مساءً
لماذا فشل المجتمع الدولي في فرض تسوية سياسية في اليمن؟ (تحليل خاص)

[ مشاورات السلام اليمنية ]

كثف المجتمع الدولي مؤخراً من جهوده لفرض تسوية سياسية في اليمن، تزامناً مع مؤشرات فشل الجولة الثانية من محادثات الكويت بين الحكومة الشرعية والانقلابيين، لكن المؤشرات تؤكد أيضاً أن جهود المجتمع الدولي مصيرها الفشل.
 
ويبدو أن الأزمة اليمنية ستشهد مزيداً من التعقيد خلال المرحلة المقبلة، فلا أطراف الصراع في الداخل قادرون على حل الأزمة سلمياً وإنهاء الحرب واستئناف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية عن طريق الحوار سواء كان تحت إشراف المجتمع الدولي أم لا، ولا المجتمع الدولي قادر على فرض تسوية سياسية تفضي إلى حل سلمي للأزمة.
 
 مضمون الجهود الدولية
 
لقد كان لافتاً لدى المجتمع الدولي فشل الجولة الأولى من مفاوضات الكويت، والتي استمرت نحو 70 يوماً دون تقدم يذكر، رغم أن هذه المفاوضات وما ترتب عليها من توقف تدخل قوات التحالف العربي جاءت نتيجة ضغوط من قبل المجتمع الدولي.
 
ومع استئناف الجولة الثانية من المفاوضات، كثف المجتمع الدولي من جهوده لإنقاذ المفاوضات من الفشل، خاصة وأن مؤشرات فشلها لاحت في الأفق قبل أن تبدأ رسمياً، وذلك لتصلب كل طرف من أطراف الصراع في اليمن حول مواقفه، وعدم إبداء أي مرونة من قبل أي طرف.
 
ومن أجل إنعاش الجولة الثانية من المفاوضات، ومحاولة الدفع بها قدماً، التقى المبعوث الأممي إلى اليمن، ولد الشيخ أحمد، بالرئيس المخلوع علي صالح في العاصمة صنعاء، يوم 12 من شهر يوليو الجاري، ومن المحتمل أن يكون قد حمل له رسالة من المجتمع الدولي، تتضمن مقترحات لحل الأزمة سلمياً، والدفع بمفاوضات الكويت إلى الأمام.
 
زيارة ولد الشيخ أحمد للمخلوع علي صالح تحمل عدة دلالات، منها، أن المجتمع الدولي أدرك أن المخلوع صالح هو الطرف الأقوى في الانقلاب، وأن ميليشيات الحوثيين مجرد واجهة، كون الرجل يحظى بولاء قطاع واسع من الجيش، الذي أنشأه على أسس قبلية ومناطقية ومذهبية، كما أن له، أي المخلوع علي صالح، ممثلوه في مفاوضات الكويت، وبالتالي، فإن لقاء المبعوث الأممي بالمخلوع صالح يؤكد رغبة المجتمع الدولي في حل الأزمة اليمنية سلمياً، وإرسال رسالة لمختلف الأطراف أن المخلوع صالح لم يعد خارج حسابات المجتمع الدولي، وذلك منذ أن شملته عقوبات مجلس الأمن في العام 2013 والتي تحظر عليه السفر وتجمد أرصدته، إلى جانب آخرين، بتهمة تقويض العملية السياسية.
 
ويتجلى مضمون الجهود الدولية لحل الأزمة سلمياً في اليمن في البيان الرباعي لوزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، عقب اجتماعهم في مدينة لندن، يوم 19 يوليو الجاري، وفيه أكدوا أن "الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة المتعددة الأبعاد التي يعيشها اليمن".
 
وأضاف المجتمعون في بيانهم المشترك أن "أفضل مخرج للأزمة يجب أن يتضمن انسحاب المجموعات المسلحة من العاصمة صنعاء وبقية المناطق الأخرى، إضافة إلى التوصل لاتفاق سياسي يسمح بإعادة إطلاق مرحلة انتقالية شاملة".
 
واتفق وزراء الخارجية الأربعة على أن تشكيل حكومة وطنية في اليمن سيكون الحل الأكثر نجاعة لمواجهة تهديدات تنظيمي القاعدة و"داعش" ومعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
 
وتزامن بيان الوزراء الأربعة مع تصريح منفصل لوزير الخارجية الألمانية، فرانك شتانماير الذي أعلن ترحيب حكومة بلاده باستئناف المحادثات في الكويت.
 
وقال شتانماير في تصريحه الذي نشرته وزارة الخارجية الألمانية: "نظراً للحالة الإنسانية الحرجة التي يشهدها السكان اليمنيون، والوضع الاقتصادي والمالي الصعب جداً، فمن الأهمية بمكان أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل توضع صيغته النهائية بسرعة".
 
وأضاف: "يجب أن تلعب جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة دوراً مسؤولاً في العملية السياسية وفي حكومة مستقبلية، كما ينبغي أن يتسنى للجميع قبول سلطة الدولة، التي لا يجب أن تمثل مجرد مصالح مجموعة معينة بل يجب أن تعكس إجماعاً واسعاً وتلبي حاجات اليمنيين".
 
من جانبه، شدد السفير البريطاني لدى اليمن، أدموند فيتون براون، على أن أي نجاح لمساعي السلام يظل مرتبطاً باستعداد الحوثيين للانسحاب من المدن، حيث قال في تغريدة على صفحته الرسمية في موقع تويتر: "يجب أن يلتزم وفد أنصار الله (الحوثيين) والمؤتمر الشعبي العام بالانسحاب لو أردنا التقدم نحو تحقيق السلام في اليمن".
 
 أسباب الفشل
 
قد يقول قائل إنه لمن المبكر الحكم على الجهود الدولية لفرض تسوية سياسية في اليمن بالفشل، لكن الفشل هو الأمر المؤكد حتى الوقت الحالي، وذلك وفقاً للمعطيات التالية:
 
أولاً، لم يستوعب المجتمع الدولي طبيعة الأزمة في اليمن، فهو ينظر لها بسطحية، ويبتكر الحلول بطريقة ديبلوماسية وخاضعة لمصالح القوى الكبرى، وتتماشى مع أجندته في المنطقة العربية، المتمثلة في الحفاظ على دور الأقليات العرقية والدينية، لتشكل بؤر توتر مزمنة، من شأنها عرقلة أي محاولة للنهوض السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى الحفاظ على أمن إسرائيل.
 
ثانياً، تأتي مسألة الحرب على الإرهاب في سلم أولويات المجتمع الدولي، ولذا فهو يخشى إطالة أمد الحرب حتى لا تتحول اليمن إلى مرتع للجماعات الإرهابية، خشية أن يؤثر ذلك على أهم طرق التجارة الدولية، وخاصة تجارة النفط، التي تمر عبر مضيق باب المندب، وبالتالي، يسعى المجتمع الدولي إلى فرض تسوية لا تعالج جوهر الأزمة، ولكن تزيد من تعقيدها، فحكومة الوحدة الوطنية التي يتحدث عنها المجتمع الدولي يعني أن تقبل الحكومة الشرعية بنصف انقلاب، ويقبل الانقلابيون بنصف حكومة شرعية، وهذا الأمر من شأنه أن يفتح المجال لجماعة الحوثيين أن تحول اليمن إلى نسخة أخرى من لبنان، وربما بشكل أكثر سوءاً، بما يفتح المجال لنمو الإرهاب، الذي سيأتي كرد فعل على الاستبداد والإرهاب الذي تمارسه ميليشيات الحوثيين ضد مختلف فئات الشعب السياسية والاجتماعية بدوافع عنصرية وسلالية ومذهبية بغيضة.
 
ثالثاً، يحاول المجتمع الدولي، من خلال جهوده لحل الأزمة سياسياً في اليمن، التوفيق بين متطلبات الأمن القومي الخليجي، لأهمية دول الخليج من الناحية الاقتصادية، ومتطلبات تكريس النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، بعد تحسن العلاقة مع إيران والاتفاق معها حول برنامجها النووي، وذلك لمنح الأقليات الشيعية في المنطقة العربية دور سياسي بغرض خلق بؤر توتر مزمنة تخدم الأجندة الغربية، كما ذكرنا، ومثل هذا الأمر صعب للغاية، وقد تؤدي هذه السياسة إلى إشعال المزيد من الحرائق في المنطقة.
 
رابعاً، وهو الأهم، لم يراعِ المجتمع الدولي مطالب وطموحات الشعب اليمني، ويتعامل مع الأزمة الحالية وكأنها مجرد انقلاب مثل أي انقلاب آخر يحصل في أي مكان في العالم الثالث، ولم يدرك أن المسألة بالنسبة لليمنيين هي مسألة تاريخ وعقيدة وهوية ونظام حكم، فجماعة الحوثيين، وحليفها المخلوع علي صالح، تريد العودة باليمنيين إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وتريد أن تفرض رؤاها وعقيدتها الدينية والسياسية على اليمنيين قاطبة، وأن تحكمهم إلى الأبد بذريعة الحق الإلهي والنسب النبوي والتفوق السلالي وغير ذلك من الخرافات التي لم تظهر حتى في الجاهلية، ومثل هكذا مشروع لم ولن يقبل به اليمنيون مهما كانت التضحيات.
 
وأخيراً، ستظل محاولات حل الأزمة سلمياً تدور في حلقة مفرغة، فالحكومة الشرعية تتمثل أولويتها في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 القاضي بإنهاء مظاهر الانقلاب وانسحاب الميليشيات من المدن وتسليم السلاح، ولن تغير من موقفها.
 
وبخصوص الانقلابيين، تتمثل أولويتهم في تشكيل حكومة توافقية تتولى تنفيذ قرار مجلس الأمن، أي إنهم يريدون تشكيل حكومة يكونون هم الطرف الأقوى فيها وينفذون هم قرار مجلس الأمن بحسب مزاجهم، وهذا أمر مستحيل، كونه ضحك على الذقون، ولن يغيروا من موقفهم.
 
أما المجتمع الدولي، فسيظل يدعو إلى تسليم السلاح وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وليس لديه أي خيارات بديلة.
 
وفي المجمل، ستستمر المعارك في مختلف الجبهات حتى الحسم العسكري ووضع حد لهذه المهزلة.
 


التعليقات