ما هي تداعيات انقسام حزب المؤتمر في اليمن بين الرياض وصنعاء؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد السبت, 10 يونيو, 2017 - 08:45 مساءً
ما هي تداعيات انقسام حزب المؤتمر في اليمن بين الرياض وصنعاء؟ (تحليل خاص)

[ انقسام الحزب يعد تدميرًا للبلاد والتفافًا على المبادرة الخليجية وعاصفة الحزم ]

بعد أن تسبب انقسام حزب المؤتمر أثناء المرحلة الانتقالية إلى جناحين، أحدهما موالٍ للرئيس عبدربه هادي، والآخر موالٍ للمخلوع علي صالح، بالحرب الكارثية التي تشهدها اليوم البلاد، ها هو الحزب، بجناحيه في صنعاء والرياض، يتآمر على المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، كما يتآمر على أهداف عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وبشكلٍ يخدم المخلوع علي صالح، ويمهد لعودته إلى السلطة، وصار الحزب هو "الشرعية" و"الانقلاب" في نفس الوقت.
 
وإذا كان سبب انقسام الحزب خلال المرحلة الانتقالية إلى جناحين يمكن إرجاعه إلى طبيعة الصراعات السياسية التي شهدتها تلك المرحلة، فما هي مبررات الانقسام الجديد في صفوف الحزب بعد عملية "عاصفة الحزم"، وبشكل يختلف نوعًا ما عن الانقسام الأول؟ وهل الانقسام الأخير كان مدروسًا بهدف الالتفاف على المبادرة الخليجية وأهداف التدخل العسكري للتحالف العربي، بدليل الأداء السياسي والإعلامي لجناح الحزب في الرياض، والعمل على عرقلة الحسم العسكري؟
 
الانقسام الكارثي
 
يبدو حزب المؤتمر كارثيًا على البلاد، سواء كان موحدًا أو منقسمًا على نفسه، وتظهر مساوئ الحزب في مختلف الصراعات السياسية الداخلية، والتي نقلها بسبب انقسامه من إطارها المحلي إلى الإطار الإقليمي والدولي أحيانًا، وكانت نتيجة هذا الانقسام تحالف المخلوع علي صالح مع إيران والحوثيين، ثم استدعائه للحوثيين للدخول إلى صنعاء ليستخدمهم كشماعة للانقلاب، بينما الرئيس عبدربه هادي استدعى السعودية للتدخل لحماية السلطة الشرعية ضد الانقلاب.
 
والمتأمل في أسباب انقسام حزب المؤتمر، سيجد أنها لم تكن بدوافع وطنية، وإنما بدوافع البحث عن المصالح الشخصية، والدوران مع المصلحة حيث دارت، ويتضح ذلك من خلال طبيعة الانقسامات في صفوف الحزب أثناء ثورة 11 فبراير، فبعض الذين أعلنوا انضمامهم للثورة، عادوا أثناء المرحلة الانتقالية إلى حزبهم، بينما البعض منهم انضموا إلى جماعة الحوثي بعد أن اتضح تحالفها مع المخلوع علي صالح ضد أهداف ثورة 11 فبراير والمبادرة الخليجية ثم مخرجات الحوار الوطني.
 
وبعد عملية "عاصفة الحزم"، انشق عدد من أعضاء جناح المخلوع صالح، وانضموا إلى جناح الرئيس هادي، رغم أنهم كانوا من كبار مساندي المخلوع خلال ثورة 11 فبراير، وخلال المرحلة الانتقالية.
 
دوافع الانقسام وخفاياه
 
وهناك العديد من الحقائق التي تكشف عن بعض خفايا الانقسام ودوافعه وتحولاته، بحسب اختلاف الأحداث، فخلال ثورة فبراير 2011 انشق عن حزب المؤتمر أعضاء محدودون، معظمهم محسوبون على ما يمكن وصفه بـ"الجناح المدني" في الحزب، والبعض الآخر ممن كانوا على خلافات مع المخلوع صالح أو مع بعض قيادات الحزب أو فقدوا مصالحهم الشخصية من الحزب، ولم ينشق عنه حينها معظم من هم اليوم على رأس السلطة الشرعية، بل فالبعض كانوا مساندين له، ويظهرون بجانبه في منصة ميدان السبعين أمام حشود المناصرين له، واليوم أصبحوا هم السلطة الشرعية ونصّبوا أنفسهم متحدثين باسم ثورة 11 فبراير.
 
وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية، وبدء المرحلة الانتقالية، كان ملاحظًا أن بعض من أعلنوا انشقاقهم عن الحزب وانضمامهم للثورة، عادوا مجددًا إلى صفوف الحزب، بينما البعض منهم انضموا إلى جماعة الحوثي، في حين أعلن آخرون تشكيل حزب سياسي خاص بهم، وقليل هم من بقوا على حالهم منشقين عن الحزب.
 
وعندما ظهرت الخلافات بين الرئيس هادي والمخلوع صالح أثناء المرحلة الانتقالية، انقسم الحزب إلى جناحين، أحدهما موالٍ لهادي، والآخر موالٍ لصالح، وغلب على طبيعة الجناحين الدافع المناطقي، فالموالون لهادي أكثرهم جنوبيون، والموالون لصالح أكثرهم من محافظات شمال الشمال.
 
التحالف مع الحوثيين
 
عندما بدأت مليشيات الحوثي تحركاتها الانقلابية، بدعم وتسهيل من المخلوع صالح، لم تطرأ أي تنقلات ملفتة بين جناحي الحزب، وكان اللافت هو أن جناحي الحزب تسابقا على التحالف مع جماعة الحوثيين، واختفت الفجوة بينهما التي برزت أثناء الفترة الانتقالية وجلسات مؤتمر الحوار الوطني، وهو ذات الأمر الذي فعلته أحزاب اللقاء المشترك، التي حاولت التقرب من الحوثيين، باستثناء حزب الإصلاح الذي صمد شبابه ثلاثة أيام أمام محاولة مليشيات الحوثيين السيطرة على العاصمة صنعاء، ثم انسحب من المعركة بسبب توالي الإمدادات العسكرية للحوثيين، وتخلي كافة الألوية العسكرية في صنعاء عن مهمة الدفاع عنها.
 
وكانت هرولة جناحي حزب المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك للتحالف مع الحوثيين، باستثناء حزب الإصلاح، بغرض ضمان مكاسب سياسية، لاعتقاد الجميع أن هناك توافقًا إقليميًا ودوليًا على عودة المخلوع صالح للسلطة بالتحالف مع الحوثيين، وأن ذلك يأتي ضمن سياق الثورات المضادة لثورات الربيع العربي لإخراج الأحزاب الإسلامية تمامًا من المشهد السياسي والقضاء عليها، لاسيما وأن مليشيات الحوثيين بررت تحركاتها الانقلابية بأنها ضد حزب الإصلاح وحلفائه القبليين والعسكريين فقط.
 
وخلال الإجراءات الانقلابية التي سلكها الحوثيون، بدا تمامًا أن حزب المؤتمر عاد إلى أحضان المخلوع صالح والحوثيين، وبقي الرئيس هادي بلا سند حزبي، باستثناء حزب الإصلاح الذي دعا جماهيره إلى التظاهر دعمًا للرئيس هادي، ولم تؤثر المظاهرات الصاخبة التي شهدتها شوارع العاصمة صنعاء لشباب الإصلاح تحت شعار "الاصطفاف الوطني" على الإجراءت الانقلابية، فآلة القمع وتسارع الأحداث همشت ورقة الشارع والضغط الشعبي.
 
المؤتمر يتخلى عن هادي
 
تخلى حزب المؤتمر تمامًا عن الرئيس هادي عندما حاصرت المليشيات الانقلابية منزله في العاصمة صنعاء، ولم يصدر حتى بيان إدانة، واستمر الأمر كذلك حتى بعد أن تمكن الرئيس هادي من مغادرة صنعاء إلى عدن، واستقبل المؤتمريون ميليشيات الحوثيين في كل المحافظات التي سيطروا عليها تباعًا حتى وصلوا عدن، ولم يظهر حتى قيادي مؤتمري بارز يدين تصرفات الحوثيين، ولم يعلن أي قيادي انشقاقه عن الحزب بسبب تحالفه مع الحوثيين واحتضانه لهم في المحافظات التي سيطروا عليها، بما في ذلك القادة الذين كانوا محسوبون على جناح هادي في الحزب.
 
وبعد بدء السعودية ودول التحالف العربي بعملية "عاصفة الحزم" أصيب الجميع بالصدمة، ولم يظهر أي انشقاق في حزب المؤتمر في الأيام الأولى من العملية العسكرية، بل فقد أدان الحزب وحلفاؤه الحوثيون التدخل العسكري ووصفوه بـ"العدوان".
 
وهناك عدة أسباب توضح عدم انقسام حزب المؤتمر سريعًا في بداية عملية "عاصفة الحزم" ويظهر جناح فيه موالٍ للرئيس هادي ومؤيد للتدخل العربي، لعل أهمها الاعتقاد بأن العملية العسكرية محدودة وليس هدفها القضاء على الانقلاب، والاعتقاد بأن إيران وحلفاءها الشيعة في المنطقة سيتدخلون عسكريًا ويربكون السعودية بشن هجمات في عمق أراضيها، وانتظار الموقف الرسمي لحزب الإصلاح من التدخل العربي، وموقف السعودية ودول التحالف العربي منه.
 
وبعد أن أعلن حزب الإصلاح تأييده لعملية "عاصفة الحزم"، وترحيب السعودية بذلك، بدا وكأن هناك غيرة من بقية الأحزاب، بما فيها حزب المؤتمر، من تحالف حزب الإصلاح مع السعودية، كون ذلك سيقلب موازين الصراع في اليمن وربما في المنطقة، فتحالف السعودية مع حزب إسلامي كبير وفي دولة تعد حديقتها الخلفية، يعد انقلابًا في السياسة السعودية، كون تحالفها مع حزب الإصلاح ضد النفوذ الفارسي جاء مغايرًا لطبيعة الصراع الإقليمي والثورات المضادة لثورات الربيع العربي حينها، والتي كان المستهدف الرئيسي فيها الأحزاب الإسلامية بسبب دورها البارز في إشعال الثورات.
 
كان لافتًا الارتباك الذي حصل في مواقف مختلف الأحزاب السياسية بعد تحالف حزب الإصلاح مع السعودية، فبعض الأحزاب وضعت رجلًا في الانقلاب وأخرى في السلطة الشرعية، مثل المؤتمر والاشتراكي والناصري، بينما البعض الآخر اندمجت في جماعة الحوثي تمامًا، وهي الأحزاب الطائفية والسلالية الصغيرة التي كانت ضمن تكتل أحزاب اللقاء المشترك، وهي: حزب الحق، واتحاد القوى الشعبية، وحزب الأمة.
 
ورغم عدم وضوح طبيعة انقسام بعض الأحزاب التي وضعت رجلًا في الشرعية وأخرى في الانقلاب، مثل الناصري والاشتراكي، ورغم أنهما أعلنا رسميًا فيما بعد تأييدهما للتدخل العربي، إلا أن مقراتهما في صنعاء ما زالت تعمل، ولم يمسسها الانقلابيون بسوء، لأن من تبقى فيها من قيادات في الحزبين أدانت ما وصفته بـ"العدوان".
 
حقيقة انقسام المؤتمر
 
 كان حزب المؤتمر هو الأكثر وضوحًا في طبيعة انقسامه، والتي تبدو وكأنها مدروسة بغرض تحقيق هدفٍ ما، وسنوضح ذلك فيما يلي:
 
- أن الفريق الذي أعلن تأييده لعملية "عاصفة الحزم" وغادر إلى الرياض يوجد في صفوفه قادة جنوبيون وآخرون شماليون، بعضهم معروفون بولائهم المطلق للمخلوع علي صالح، وكانوا مساندين له أثناء الثورة الشعبية وبعدها، وكانوا من ضمن المهرولين للتحالف مع جماعة الحوثيين.
 
- أن الفريق الذي بقي في العاصمة صنعاء يوجد فيه قادة شماليون وآخرون جنوبيون، وبعضهم لم يعرف عنهم الولاء المطلق للمخلوع علي صالح، ولم يكن لهم أي نشاط سياسي بارز من قبل في صفوف الحزب.
 
- أن فريق أو جناح الحزب في الرياض يوجد في صفوفه قادة محسوبون على الجناح القبلي في الحزب وآخرون محسوبون على الجناح المدني، وكذلك الأمر بالنسبة لفريق أو جناح صنعاء، يوجد في صفوفه قادة محسوبون على الجناح القبلي للحزب وآخرون محسوبون على جناح المدني فيه.
 
- يتجنب جناحا الحزب في الرياض وصنعاء الهجوم الإعلامي ضد بعضهما، ويكتفي جناح الحزب في الرياض بإدانة الحوثيين، بينما جناح الحزب في صنعاء يحاول التنصل من المسؤولية عن الانقلاب، ويغازل السعودية من حين لآخر.
 
- يعمل جناح الحزب في الرياض على إطالة أمد الحرب، بينما جناح الحزب في صنعاء يعمل على الاحتفاظ بما يسمى "قوات الحرس الجمهوري" لمهام مؤجلة، ويكتفي -بالتعاون مع الحوثيين- بالزج بأبناء القبائل في المعارك كوقود للحرب باعتبارهم مقاتلين عديمي القيمة، مع مشاركة محدودة لبعض ألوية قوات "الحرس الجمهوري"، وتولي بعض الضباط مهام القيادة والتخطيط للمعارك.
 
- لم يقم جناح حزب المؤتمر في الرياض بأي عمل بارز من شأنه القضاء على الانقلاب، وتنفيذ المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، بل فهو يعمل عكس ذلك، أي أنه يعرقل الحسم العسكري، وهمّش المبادرة الخليجية تمامًا، والتي نصت على أن تكون رئاسة البلاد لحزب المؤتمر، ورئاسة الحكومة لأحزاب اللقاء المشترك، وأن تكون الوزارات مناصفة بينهما، لكن الواضح هو أن الحزب استولى على رئاسة الحكومة والوزارات التي كانت من نصيب أحزاب اللقاء المشترك، كما استولى على الكثير من الوظائف الأخرى، وأقصى بقية الأحزاب، وفوق ذلك، يمارس الفساد المالي والإداري، ووصل به الأمر حتى نهب مخصصات الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج.
 
التمهيد لعودة المخلوع
 
لم يقم جناح حزب المؤتمر في الرياض بإجراءات جادة لعزل المخلوع علي صالح من رئاسة الحزب، وفقًا للوائح الحزب ونظامه الداخلي، بل فهو يعمل على عودته إلى السلطة سواء عبر شخصه أو عبر نجله الأكبر، أحمد، المقيم في الإمارات، بحسب تسريبات سياسية وتقارير إعلامية، والتي تفيد بأن دولة الإمارات هي من تنسق لحل سياسي وراء الكواليس، الهدف منه تعيين أحمد علي صالح رئيسًا توافقيًا لليمن، بسبب غياب البديل المقبول إماراتيًا، خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين أنصارها في عدن والرئيس هادي، بالإضافة إلى عدم اطمئنانها للحوثيين، ومخاوفها من الإسلاميين.
 
وإذا لم تتحرك السعودية، وتوقف المشروع الإماراتي في اليمن، التي تعد حديقة خلفية وعمقًا إستراتيجيًا للسعودية، ستكون نتيجة التحركات الإماراتية، التي تسعى لقيادة الإقليم، القضاء التام على ثورة 11 فبراير 2011، والتي اندلعت استباقًا لمشروع "التوريث"، والذي تريد دولة الإمارات تحويله إلى مشروع "مصالحة سياسية"، والبديل سيكون دعم الإمارات لانفصال الجنوب، وترك الشمال يغرق في مشاكله، وتحويله إلى بؤرة توتر مزمنة ومنهكة للسعودية.
 
وفي حال كتب للمشروع الإماراتي النجاح، أي تعيين أحمد علي صالح رئيسًا توافقيًا لليمن، ستكون السعودية الخاسر الأكبر، لأن عودة المخلوع علي صالح وأبنائه إلى السلطة، واستمرار تحالفهم مع الحوثيين، يعني منحهم الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم واستعادة قواهم، والإبقاء على ثغرة خطيرة يتسلل منها النفوذ الفارسي إلى اليمن، ثم العمل على الانتقام من السعودية عندما يحين الوقت المناسب.
 


التعليقات