رحلة الموت.. يمنيون يكشفون لـ"الموقع بوست" تفاصيل عملية تهربهم من عدن إلى ليبيا وبيعهم كرهائن
- أدهم فهد الثلاثاء, 10 أكتوبر, 2017 - 05:07 مساءً
رحلة الموت.. يمنيون يكشفون لـ

[ الصورة تعبيرية ]

اختار ما لا يقل عن 100 شاب يمني، جُلّهم من العاصمة المؤقتة عدن، مسلك التهريب للوصول إلى اوروبا، أملا في توديع المعاناة والأزمات التي أحاطت بهم في بلادهم، والتي تدخل الحرب فيها عامها الثالث، وسط تدهور لافت للأوضاع المعيشية والمتوازية مع انهيارٍ اقتصادي، انعدمت معه الرواتب، وشهد الريال خلاله تهاوياً لم يعهده من قبل، لينتج بذلك وضعاً مأساويا.
 
دخول أوروبا عبر طُرق التهريب، لم تكن فكرة رائجةً لدى اليمنيين عموماً، وشباب عدن خصوصاً، إلا أنها ومنذ مطلع العام الجاري، باتت طريقا مفَضّلة لعشرات الشباب، واختاروا الخوض فيه، دون أي تفكير مسبق بعواقب هذه الخطوة، وهو ما كشفه "الموقع بوست" خلال تواصله مع مجموعة من الشبان الذين اختاروا طريق التهريب، حيث تم لاحقا بيعهم كرهائن، ودخلوا بذلك متاهات لم يخرجوا منها إلا بشق الأنفس.
 
الحسن نموذج حي
 
الحسن وليد (20 عاما) بدأ رحلة التهريب الى أوروبا، مطلع مايو/أيار الماضي، فقد غادر العاصمة المؤقتة عدن آنذاك، ليصل دولة مصر ومنها إلى ليبيا، التي عاش فيها لحظات عصيبة، ليصل بعد خمسة أشهر على بدء رحلته إلى قناعة مفادها أن التهريب هو الوجه الآخر للموت.
 
يقول الحسن "خرجت من عدن إلى مصر وبطريقة رسمية، عبر المطار، رفقة أحد أصدقائي، بغية دخول أوروبا عبر التهريب من مصر، وذلك لتغيير وضعنا المعيشي، وإيجاد حياة أخرى مختلفة وبعيدة عن الأزمات".
 
ويضيف الحسن، والذي يحمل شهادة ثانوية عامة من إحدى ثانويات العاصمة المؤقتة عدن "ومن مصر كنا نفكر بالهروب إلى أوروبا عبر طريق الإسكندرية، فقد أخبرنا عنه أصدقاؤنا الذين سبقونا ووصلوا إلى أوروبا".
 
وتابع "تعرفنا على مهرب سوداني في القاهرة، سبق لمعارفنا وأن تمكنوا من الهروب عبره، وطلب 2000 دولار من كل شخص، وأعطيناه المبلغ المطلوب، فقال لنا: تحركوا إلى منطقة اسمها مرسى مطروح، حيث ستبقون هناك ليومين عند مهرب آخر، ويدعى سعيد، وهو من سيوصلكم إلى أوروبا عبر بحر الإسكندرية".
 
بالنسبة لمرسى مطروح فهي مدينة مصرية سياحية تتميز برمالها البيضاء التي تستقطب ملايين السياح، إلى جانب آلاف البشر الذين ينوون التحرك منها بحرا نحو أوروبا، وتقع إلى الشمال الشرقي من مصر، وإلى الغرب من الإسكندرية بحوالي 298 كم، وإلى الشرق من الحدود الليبية بحوالي 217 كم على الطريق الساحلي الدولي.
 
ويتابع "فوجئنا بعد مرور يومين وهي المدة المتفق عليها، بالمهرب سعيد ورجاله يقولون لنا: امشوا امشوا. قلنا لهم إلى وين، ليجيب المهرب سعيد: إلى ليبيا".
 
يقول الشاب الحسن "حاولنا الإفلات منه لكن دون جدوى فقد قام رجاله برفع السلاح علينا، ولم يتوانوا عن ضربنا بأعقاب البنادق، فلم نكن نريد دخول ليبيا، فالتهريب من هناك يعد خطراً، وقد أخبرنا أصدقاؤنا الذين مروا من ليبيا عن حجم المعاناة والعراقيل التي عاشوها هناك".
 
يواصل الشاب العدني رواية تفاصيل رحلته "لم نجد خياراً آخر سوى المشي في الصحراء، وفوهات البنادق موجهة إلى رؤوسنا. كانت لحظات مرعبة ولم أكن أعرف بأنها مجرد بداية لمسلسل من المواقف المرعبة ومشاهد الموت، التي بقيت ملازمة لنا طيلة رحلتنا".
 
الصحراء الليبية المصرية
 
يقول الحسن "مشينا في الصحراء القاحلة والتي رأينها فيها الموت بألوانه المختلفة، فقد كانت كميات الغذاء والمياه المتواجدة معنا غير كافية، وجبة واحدة خفيفة يوميا إلى جانب أقل من لتر واحد من الماء لكل شخص، كانت كل ما استطعنا توفيره للبقاء على قيد الحياة.. كاد الموت أن يفتك بنا".
 
وعن جنسيات الأشخاص الذين شاركوه رحلة المشي من مصر إلى ليبيا، فقال "كنا خليطا من يمنيين ومصريين وأفارقة، الجميع كان يحلم بالوصول إلى أوروبا، وهو العامل المشترك بيننا جميعا".
 
وأفاد "بقينا في الصحراء لخمسة أيام، واستغرق الوصول إلى مدينة طبرق الليبية يومين، وتعدينا معها الحدود المصرية الليبية، لنواصل المشي في المناطق الصحراوية، حتى وصلنا إلى منطقة أجدابيا، وهناك كانت محطة أخرى من محطات الموت".
 
وتابع "الحمدلله لم يمت أحدٌ ضمن فوجنا الذي اجتاز الصحراء لعبور الحدود، فقد مات العشرات في تلك الصحراء جوعاً وعطشاً، وأغلبهم من الأفارقة، حيث وصلتنا أخبار من أصدقائنا الذين لحقوا بنا في رحلة لاحقة، وتمكنا من التواصل معهم لاحقا، بأن حالات الموت في رحلتهم بلغت 20 حالة".
 
بالنسبة لأجدابيا فهي مدينة ليبية تقع في محافظة الواحات، شرق ليبيا، وتتوزع على مفترق 3 طرق رئيسية، من بينها الطريق الساحلي الليبي.
 
ويتحدث الحسن عن أجدابيا، وهي ثاني محطات رحلة التهريب قائلا "أثناء وصولنا إلى أجدابيا تم وضعنا في مكان أشبه بالمعتقل، فقد كان عبارة عن غرف ضيقة بداخل أحد الأحواش التابعة للمهربين، كانت غرف صغيرة تكدس فيها العشرات من البشر، لم تكن هناك أي مراوح هواء أو حتى نوافذ كبيرة تسمح بدخوله، أما دورات المياه فلم يكن هناك سوى حمام واحد فقط للجميع".
 
ويستذكر "لم أرَ قذارة في حياتي كتلك الموجودة في ذلك الحمام".
 
ويشير إلى أن المهربين قاموا بتفتيشهم وسرقة هواتفهم، عدا هاتف تمكنوا من إخفائه، لافتا إلى أن المهربين ركزوا خلال تفتيشهم للمحتجزين على اليمنيين بالذات، حيث كانت هناك عائلة يمنية أيضا ضمن فوج المحتجزين، ولم تسلم هي الأخرى. 
 
ويتابع "حتى مياه الشرب هي الأخرى لم نجدها عند الوصول إلى أجدابيا، فقد استغرقنا خمسة أيام في المشي بالصحراء، وكنا عطشى وبحاجة ماسة للمياه، وفوجئنا بالمهربين يقولون لنا بأن المياه أيضا بمقابل".
 
ويضيف "لم نكن حينها نملك أي دولار واحد، لا أنا ولا حتى صديقي عبدالله، واكتفينا بكميات بسيطة من المياه كانت توزع علينا بالتساوي إلى جانب وجبة واحدة مكونة من قطعة خبز صغيرة عليها القليل من الجبن".
 
ويبين أن المهربين قاموا بحجزهم، واشترطوا دفع أربعة آلاف دينار ليبي من كل واحد (الدينار الليبي يساوي 1.36 للدولار الواحد) وذلك كشرط للإفراج وإكمال الرحلة.
 
ويمضي في حديثه، والعبرة تكاد تقتله، وهو يستذكر تلك المواقف التي وصفها بالصعبة "اتصلنا بالمهرب السوداني في مصر والذي أعطيناه 2000 دولار، لكنه كان قد أغلق هاتفه، وفهمنا بأنه قام بالنصب علينا وسرق أموالنا، حينها انهرت عصبياً وبدأت بالبكاء، وسط تهديدات المهربين الذين  قالوا وبالحرف الواحد: لن نفككم حتى تدفعوا".
 
ويوضح "21 يوماً هي مدة بقائنا محتجزين لدى السجن التابع للمهربين في أجدابيا، ذقنا خلالها شتى أنواع المعاناة والعذاب، فلا ماء كافٍ أو حتى غذاء، فقط وجبة واحدة خفيفة والقليل من الماء، وذلك لإبقائنا على قيد الحياة".
 
ويفيد "أنهك جسدي وتعبت إلى جانب التعب النفسي الذي مررت به، فقد أصبت بإسهال مائي حاد وتطور إلى سوء تغذية، خسرت معها الكثير  من الوزن، وأيقنت حينها أنني ميتٌ لا محالة وأن الموت بات أقرب إليِّ من أي وقت مضى، ناهيك عن الإهانة والضرب الذي كنا نتعرض له، دون أن نعرف الأسباب، فكلما كان مزاجهم سيئاً أفرغوا شحنات غضبهم علينا".
 
ويقول الحسن، والذي تحدث بإسهاب عن محطات رحلته، بلغة غلبت عليها مشاعر الأسى "تمكنا من التواصل مع أحد اصدقائنا في مصر ويدعى( س.ط.ن) -ونختصر اسمه هنا بناء على طلبه- والذي جاء هو الآخر لغرض الهروب إلى أوروبا، إلا أنه لم يخرج من مصر بعد، وأخبرناه بخصوص موضوع حجزنا وأننا بحاجة إلى ثمانية آلاف دينار ليبي لي ولصديقي عبدالله، وتم دفع المبلغ للمهربين، والذين اتذكر اسم قائدهم المعروف بـونيس العريبي".
 
محطة مشابهة
 
وأشار إلى أنه وبعد دفعهم النقود للمهربين، قاموا بسؤالهم: إلى أين تريدون الوصول؟، ليرد عليهم الحسن وصديقه عبدالله: إلى طرابلس. ليتم بعدها نقلهم لمنطقة أخرى، وهي منطقة بني وليد، وكانت محطة أخرى تشبه محطة أجدابيا التي سبقتها.
 
وقال الحسن "فهمنا بعد وصولنا إلى بني وليد بأنه تم بيعنا من قبل المهربين في أجدابيا، حيث كانت المعاملة مشابهة، فلا غذاء ولا ماء كافٍ، وطلبوا منا 10 آلاف دينار ليبي، وهي تساوي 7303 دولار, وذلك كشرط للإفراج وإكمال الرحلة".
 
ويتابع "500 دولار تمكنت والدتي من توفيرها وإرسالها، بعد أن باعت مجوهراتها الذهبية، وباقي المبلغ استطعت توفيره من خلال أصدقائنا وجيراننا في عدن".
 
ويذكر "لم يسبق لي بأن عشت مثل هذه المهانة، كنت أتمنى الموت والخلاص من هذا العذاب الذي حل بي، فقد تم إذلالنا وإهانة كرامتنا، فليس من السهل أن تصل لمرحلة طلب مبالغ كبيرة من أصدقائك، دون أن تستطيع ردها لاحقاً".
 
ويفيد "مكثنا في بني وليد وهي مدينة تقع في الشمال الغربي من ليبيا، وتبعد عن طرابلس حوالي 180 كلم 20 يوماً تقريباً، في أجواء مليئة بالجوع والعذاب والمعاناة، والحجز في مكان لا يصلح لأن يسكنه البشر".

اقرأ أيضا: تهريب القات إلى السعودية.. القصة المستمرة رغم الحرب
 
ويواصل الحسن حديثه بالقول "بعد الإفراج عنا تحركنا إلى مدينة صبراتة، والتي تعرف بمخزن البحر، حيث كان من المقرر أن نتحرك من البحر بعد ثلاثة أيام من وصولنا، لكن التهريب عبر البحر توقف حينها لأسباب امنية فرضتها قوات خفر السواحل، وبقينا هناك لقرابة الشهر والنصف، عند مهرب ليبي يعرف بأبو عبدالله، والذي هو الآخر لم يختلف عن سابقيه، إلا أنه كان أفضل نسبياً من ناحية التعامل والمعيشة"، مستذكراً أحد المواقف التي جرت له مع المهرب أبو عبدالله، والذي قام بلطمه على وجهه، لمجرد خلاف بسيط.
 
ويتابع "كنت في تلك الأيام افتح جوالي وأتابع الرسائل التي تصلني، ومن بين تلك الرسائل، كانت رسائل ( ن.ا.ف) وهو أحد أصدقائي على موقع فيسبوك، سألني عن موقعي، وأخبرني بأنه يسكن في طرابلس، ودعاني أنا وصديقي عبدالله للنزول عنده في منزله، وهذا ما حدث، فقد أخبرنا المهرب أبو عبدالله بأننا لم نعد نريد الهجرة إلى أوروبا، والذي ساعدنا على الوصول إلى هناك".
 
ويلفت الى أنه ومنذ أكثر من شهرين، وهو عالق في طرابلس، ويريد العودة إلى اليمن مع اثنين من رفاقه.
 
وأكد بأنه بدأ مؤخرا في متابعة إجراءات إعادته إلى اليمن، وذلك من خلال التواصل مع السفارة اليمنية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتابعة للأمم المتحدة.
 
واختتم الحسن حديثه لـ"الموقع بوست" بدعوة كل الشباب اليمنيين لعدم الانجرار وراء سراب الهجرة غير الشرعية، فهي الوجه الآخر لعملة الموت، ونسبة نجاحها ضئيلة في الأساس، مقابل نسبة الموت المرتفعة.
 
مصير مجهول
 
محمد عبدالرحمن (26 عاما) خريج جامعي ويعمل سائقا لباص أجرة يمتلكه، أيضا هو الآخر قرر خوض غمار الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر دولة مصر.
 
وبحسب أسرته التي تحدثت لـ"الموقع بوست"، فقد غادر محمد عدن إلى القاهرة في 24 من فبراير/شباط من العام الجاري، ليبقى في مصر لشهر، قبل أن تتحرك رحلته البحرية من مدينة مطروح المصرية، قاصدا سواحل إيطاليا.
 
وتضيف أسرته بأن قوات من خفر السواحل كانت قد انتشرت في البحر، ليقوم المهربون بحرف مسار الزورق والاتجاه نحو السواحل الليبية.
 
وتذكر بأنه حُجز عدة مرات لدى مهربين في ليبيا، ولم يفرجوا عنه إلا بعد دفع مبالغ مالية، مشيرةً إلى أنه قرر العودة إلى اليمن، وقام بالتنسيق مع الجهات الحكومية، لكن تم اعتقاله مجددا في مدينة بنغازي، ليقضي فيها شهرا ونصف من الاحتجاز.
 
وتلفت إلى أن كل تلك التفاصيل المذكورة سابقا لم يتحدث بها محمد مع أسرته، فقد أوصلها أحد أصدقائه الذين يتواصل معهم، موضحةً بأن طريقة سفره هي الأخرى لم تتم بعلم أسرته، فقد خرج من منزله، وكان أول اتصال هاتفي معهم عند وصوله الأراضي المصرية.
 
مستدركةً بأن ولدهم خرج من سجن الهجرة غير الشرعية في بنغازي، وتواصل معهم خلال اليومين الماضيين، دون أن يكشف عن أي تفاصيل أخرى، داعية الحكومة الشرعية ممثلة بوزارة الخارجية بمتابعة ملف اليمنيين المحتجزين في السجون الليبية والتنسيق مع المنظمات الدولية لضمان عودتهم سالمين.
 
إحصائية معدومة
 
ولا تتواجد أي إحصائيات دقيقة لأعداد اليمنيين المحتجزين في السجون الليبية، أو حتى المختطفين لدى العصابات المسلحة، في حين تتزايد أعدادهم باستمرار، إلى جانب أعداد الذين تم الإفراج عنهم، وما زالوا يحاولون مواصلة رحلة التهريب غير الشرعية، رغما عن كل العراقيل التي مروا بها، كما تؤكد مصادر "الموقع بوست".
 
وبحسب أحد الشبان القادمين من عدن، والذي تمكن من الوصول إلى ألمانيا عبر طرق التهريب، فإن أسباب توجه الشباب نحو طرق التهريب مختلفة فمنها الاقتصادية والاجتماعية أو تلك التي تحمل البعد النفسي.
 
ويضيف الشاب، الذي رفض الكشف عن هويته، أنه مرَّ بظروف نفسية متدهورة، جعلته يقتنع بضرورة التحرك في مسلك التهريب، فقد تم اغتيال والده والذي يعمل في السلك الأمني في العام 2016.
 
وتحدث عن وجود أصدقاء له تم احتجازهم في ليبيا لعدة أسابيع ومن ثم تم الإفراج عنهم، وعرضت عليهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المساعدة لإعادتهم إلى بلادهم، فقد قامت السلطات الليبية بتحويلهم للمنظمة عقب الإفراج عنهم، إلا أنهم رفضوا أي مساعدة من شأنها إعادتهم لليمن.


التعليقات