كيف ساعد المخلوع علي صالح جماعة الحوثي على التمدد والانتشار؟ (تحليل)
- عبد السلام قائد الإثنين, 27 فبراير, 2017 - 09:22 مساءً
كيف ساعد المخلوع علي صالح جماعة الحوثي على التمدد والانتشار؟ (تحليل)

[ وضع المخلوع صالح نفوذه السياسي والعسكري والقبلي تحت تصرف جماعة الحوثي ]

في لحظةٍ يصعب وصفها، تنازل المخلوع علي صالح عن نفوذه السياسي والعسكري والقبلي الذي بناه خلال 33 عامًا لجماعة صغيرة قادمة من كهوف ومغارات محافظة صعدة، من أجل الانتقام من خصومه السياسيين، وساعدها على التمدد والانتشار وارتكاب مختلف الجرائم ضد أبناء الشعب، لكنه تفاجأ بعد ذلك أن خسارته بسبب تحالفه مع الحوثيين أكثر بكثير من خسارته بسبب خلافاته مع خصومه السياسيين، بل فخسارته بسبب تحالفه مع الحوثيين أكثر من خسارة خصومه الذين يخوضون حرب استعادة الدولة ضده وضد الحوثيين معًا.
 
وبعد أن وضع المخلوع صالح نفوذه السياسي والعسكري والقبلي تحت تصرف جماعة الحوثي، تمكنت الجماعة خلال فترة قصيرة من التمدد والاستحواذ على هذا النفوذ، ولم تستطع التوسع خارجه،  ساعدها على ذلك التجانس الاجتماعي والمذهبي والعنصري بين أتباعها وأتباع المخلوع صالح، بالإضافة إلى الطابع النفعي والمصلحي الذي تتسم به أكثر قبائل شمال الشمال بخصوص تحالفاتها السياسية والعسكرية، وهو أمر مقدس بالنسبة لها، ويسبق مصلحة الوطن بشكل عام.
 
وعند تتبع تاريخ جماعة الحوثي منذ بداية نشأتها وحتى انقلابها على السلطة الشرعية، سنجد أن المخلوع صالح هو من ساندها منذ التأسيس وحتى الآن، وهذه المساندة تعكس فشله السياسي في إدارة البلاد، كونه أدارها بالأزمات والصراعات وإحياء الثأرات القبلية والتوظيف السياسي للدين وغير ذلك.
 
- التوظيف السياسي للدين
 
كان المخلوع علي صالح أحد القادة العسكريين المنتمين للمذهب الزيدي والطامحين للوصول إلى السلطة، لكنهم تركوا المذهب الزيدي، واعتنقوا المذهب الشافعي السُّني، وذلك لأسباب سياسية، فالمذهب الزيدي يشترط أن يكون الحاكم أو "الإمام" من "البطنين"، أي من نسل الحسن والحسين، ويُجيز لأتباعه الخروج على الحاكم، ويُجيز لمن يرى في نفسه توفّٰر شروط "الإمامة" أن يخرج بين الناس شاهرًا سلاحه لإجبارهم على مبايعته في حال رفضوا ذلك بالسلم، وهذا الأمر يمثّل إشكالية كبيرة لمن يطمح للسلطة وهو ليس من نسل الحسن والحسين، بصرف النظر عن مدى صحة ادعاء البعض الانتساب إلى هذا النسل.
 
أما المذهب الشافعي السُّني فهو لا يدعو إلى حصر الإمامة في "البطنين"، ولا يُجيز الخروج على ولي الأمر، بحسب فتاوى بعض أتباعه من العلماء والدعاة، بل ويدعو إلى وجوب طاعة ولي الأمر، ومن هنا، رأى المخلوع صالح وآخرون من أتباع المذهب الزيدي أنه للتخلص من إشكالية "الإمامة" في المذهب الزيدي، فإن الأفضل هو اتباع المذهب الشافعي، الذي لا يشترط أن يكون الحاكم من نسل معيّن، وهو المذهب الذي سيخدم بعض علمائه الحاكم في ما يتعلق بوجوب طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليه.
 
وفي بداية سنوات حكمه، عمل المخلوع علي صالح على تهميش دور المذهب الزيدي، ودعم كثيرًا الجماعات السلفية التي يفتي علماؤها بوجوب طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليه، وتحرّم أيضًا الانتخابات والحزبية، إلا أن تمدد حزب الإصلاح في مختلف المدن والقرى اليمنية، كحزب سياسي إسلامي سُنّي، وعدم تضمُّن أدبياته لمبدأ الطاعة المطلقة لولي الأمر أو عدم جواز الخروج عليه، كل ذلك دفع المخلوع صالح إلى دعم جماعة الحوثي، التي عرفت في بداية تأسيسها باسم "تنظيم الشباب المؤمن"، وذلك بهدف منافسة حزب الإصلاح في محافظة صعدة والمحافظات المجاورة لها، وخاصة محافظة عمران، حيث كان يعتقد المخلوع صالح أن آل الأحمر استفادوا من تهميشه للمذهب الزيدي في مناطقهم، ليحل مكانه حزب الإصلاح السُّنّي.
 
 كما أقدم المخلوع صالح على إغلاق المعاهد العلمية التي كان يشرف عليها حزب الإصلاح، رغم أنها تأسست في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، ونالت دعم المخلوع صالح في السنوات الأولى من حكمه وبعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، وساعد على انتشارها في مناطق شمال الشمال بغرض تقليص دور المذهب الزيدي، كما ساعد على انتشارها في جنوب الوطن بهدف تقليص دور الفكر الماركسي.
 
يتضح مما سبق أن جماعة الحوثي حظيت في بداية تأسيسها بدعم المخلوع صالح بغرض تحقيق أهداف سياسية، وكان ذلك أحد أساليبه في التوظيف السياسي للدين، حيث همش دور المذهب الزيدي من أجل السلطة، ودعم المعاهد العلمية لحزب الإصلاح من أجل تقليص دور المذهب الزيدي، ودعم الجماعات السلفية لتدعم بقائه في السلطة، ثم دعم الحوثيين لينافسوا حزب الإصلاح في المناطق الزيدية ليقلل من خطورة حزب الإصلاح على السلطة.
 
وعندما أعلنت بعض الجماعات السلفية انضمامها إلى ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، أي خروجها على ولي الأمر، كانت هذه الجماعات أول ضحايا المخلوع صالح وجماعة الحوثيين، بدءًا من منطقة دماج، رغم أن سلفيي دماج كانوا ما زالوا على فتاواهم التي لا تُجيز الخروج على ولي الأمر، وتدعو إلى وجوب طاعته، وكانت أولى الخطوات الانتقامية تتمثل في تفجير المساجد المصنفة على أنها تابعة للسلفيين والإصلاحيين، وإطلاق مصطلح ديني على انقلابهم على السلطة، وهو "المسيرة القرآنية"، رغم تفجيرهم للمساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم وهم في طريقهم إلى العاصمة صنعاء للانقضاض على السلطة.
 
- مشروع التوريث
 
عندما بدأ المخلوع علي صالح التمهيد لمشروع التوريث عام 1999، بتأسيسه لما أُطلق عليها "قوات الحرس الجمهوري"، وأسند قيادتها لنجله الأكبر أحمد، لاحظ أن ذلك أثار استياء الكثيرين، وعلى رأسهم بعض المقربين منه، أبرزهم اللواء علي محسن الأحمر، ولهذا، كانت خطته لضمان نجاح مشروع التوريث تتضمن أن يبدأ بتقليص نفوذ اللواء علي محسن، وبدأ ذلك بتجريد القوات المسلحة التي كان يقودها اللواء علي محسن من أسلحتها النوعية، عندما طلب إحضار تلك الأسلحة للعرض العسكري في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء بمناسبة الذكرى العاشرة لتحقيق الوحدة الوطنية عام 2000، وبعد انتهاء الحفل وجه بسحب تلك الأسلحة إلى معسكرات "الحرس الجمهوري".
 
بعد ذلك، زج المخلوع صالح بالقوات العسكرية التي يقودها اللواء علي محسن في حرب مدبرة مع الحوثيين بصعدة، وكان الدعم الموجه للحوثيين من قِبَلِهِ أكثر من الدعم الموجه للألوية العسكرية التي يقودها اللواء علي محسن، كما كان يوجه بإيقاف الحرب كلما أوشك الحوثيون على الانهيار، ليمدهم بمزيد من الدعم بالسلاح حتى يستعدوا للحرب لتندلع مرة بعد أخرى، وكل ذلك بغرض القضاء على الألوية العسكرية التي يقودها اللواء محسن من خلال الزج بها في حرب عبثية، لأن منتسبيها من مختلف المحافظات اليمنية، وليسوا من محافظات بعينها، كما هو حال قوات "الحرس الجمهوري" الموالية للمخلوع صالح وعائلته، ثم تحول ولاء الكثير منها لجماعة الحوثي، ذلك أن أفراد هذه القوات ينتمون للقبائل والمحافظات ذات الغالبية الزيدية.
 
- التحالف والانقلاب
 
ساعدت حرب صعدة بجولاتها الست جماعة الحوثي على اكتساب خبرة عسكرية، وبعد ثورة 11 فبراير 2011، سلّم المخلوع صالح محافظة صعدة للحوثيين، وسلّم محافظة أبين لتنظيم القاعدة، ضمن خطته لإرباك المشهد السياسي وشباب الثورة، وتخويف المجتمع الدولي من مآلات الثورة الشعبية السلمية على نظامه.
 
وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية، وما تبعها من حراك سياسي توج بمخرجات الحوار الوطني، انزعج المخلوع صالح من إقرار فكرة نظام الأقاليم الفيدرالية، كون ذلك سيحرم عائلته وأبناء المناطق الزيدية من السيطرة المطلقة على كل ثروات البلاد، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التحالف الوثيق بين المخلوع صالح والحوثيين للانقلاب ضد السلطة الشرعية والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
 
وبما أن المخلوع صالح أراد التملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الانقلاب وتبعاته، فقد استغل جماعة الحوثي لتتصدر واجهة الأحداث، لاسيما وأن الجماعة تمثل امتدادًا للمشروع الإمامي الذي يعمل في السر بهدف استعادة نظام حكم الإمامة في الوقت المناسب، كما أنها حظيت بدعم عسكري غير محدود من قبل المخلوع صالح، ورأت بأن الفرصة قد حانت لاستعادة نظام الإمامة.
 
سلّم المخلوع صالح نفوذه السياسي والعسكري الذي بناه خلال 33 عامًا لجماعة الحوثي، معتقدًا أن الجماعة ستؤدي دورًا محدودًا، وبعد ذلك سيتمكن من استعادة نفوذه بسهولة، خاصة وأنه سمح لها بنهب أسلحة محدودة، وكان يعتقد أنه سيستعيد السيطرة على زمام الأمور بعد أن يؤسس لواقع جديد يجعله بمثابة المخلص للشعب اليمني ودول الجوار من إجرام جماعة الحوثي ومخاطر التمدد الفارسي.
 
غير أن التطورات المتسارعة قلبت الأوضاع رأسًا على عقب، فالقوة العسكرية للمخلوع صالح تعرضت للتدمير من قبل سلاح الجو للتحالف العربي، واليمن الاتحادي أصبح خيار الشعب اليمني، وجماعة الحوثي همشت المخلوع صالح وأتباعه، وكلا طرفي الانقلاب في مأزق كبير، فلا الانقلاب سينجح، ولا يمكن أن يكون لطرفيه دورًا كبيرًا ومؤثرًا في مستقبل اليمن بعد الحرب.
 


التعليقات