تعز.. حرب المليشيا المستمرة ولدّت عدداً من القصص المأساوية والنفسية لدى فئات واسعة
- تعز - وئام الصوفي الإثنين, 20 مارس, 2017 - 08:27 مساءً
تعز.. حرب المليشيا المستمرة ولدّت عدداً من القصص المأساوية والنفسية لدى فئات واسعة

[ أرشيفية ]

أدّت الحرب المتواصلة في تعز وتوتر الأوضاع الأمنية إلى مضاعفة المعاناة النفسية للسكان وخصوصاً فئة الأطفال خلال الفترة الأخيرة.

مازن، طفل في الرابعة عشرة من عمره، بعدما قضى أصدقاؤه في مجزرة أثناء تجمعهم على صهريج للمياه بمنطقة حوض الأشراف، أصبح لا يمكنه أن يسمع  صوت القذائف والصواريخ التي تطلقها الميليشيات الانقلابية، من دون أن يركض ويختبئ محتمياً بأحد أفراد أسرته، وهو ما يطلق عليه -بحسب ما أفاد الطبيب النفسي محمد عبد الرحمن المجيدي لـ"الموقع بوست"- بـ"اضطراب الشدّة ما بعد الصدمة" PTSD، أحد أعراض القلق، الذي يدفع الشخص إلى تذكّر الحادثة، عندما يصادف أياً من بوادرها، كأن يشمّ رائحة شمّها حينها مثلاً.
 
ويُعرّف القلق بأنّه أحد الاضطرابات النفسية التي تختلف عن "الخوف"، لكونها تنشأ على إثر تهديد غير مباشر، يخلق شعوراً بعدم الارتياح والتوتر الدائم. على سبيل المثال، يخاف بعض المواطنين الذين يعيشون في المناطق الساخنة من صوت الاشتباكات ، إلّا أن تكرار مشاهد القصف والقتل في كوابيسهم وهم ينامون خارج نطاق الخطر، هو ما يطلق عليه اضطراب القلق.
 
محمد، شاب عشريني يعرف تماماً أنّه يعاني من الاكتئاب، يحاول الخروج من المنزل للالتقاء بأصدقائه، يتجنّب خلال لقائه معهم التحدّث عن أي شيء له علاقة بالقصف، ويمضي وقتاً مسلياً، ولكن ما إن يعود إلى المنزل، حتى يعتصر قلبه حزناً، ويشعر بالذنب، فكيف له أن يأكل ويضحك، وأحد إخوانه استشهد أمامه جراء القصف. يقضي محمد أيامه بالبكاء، ويحاول مجدداً الحصول على قسط من النوم.
 
على عكس محمد، ينام عصام 15 ساعة في اليوم، فالنوم هو الوسيلة الوحيدة -على حد وصفه- للهروب من الواقع، وإن عانى من الكوابيس، فالأخير يظلّ أفضل من التفكير في ظل حصار وقصف وجوع. 
 
ويضيف الدكتور المجيدي لـ"الموقع بوست" أن "ازدياد حالات الاكتئاب المرضي كان أمراً متوقعاً لنا كأطباء، النسب الأكبر من حالات الاكتئاب كانت من نصيب الفئة الشابة، السبب في هذا يعود لكون هذه الأعمار تمتلك دائما توقعاً عن المستقبل القريب والبعيد للحياة، والأمل هو ما يعطي الحيوية للإنسان في هذا السن، وعند حدوث أي ظرف قد يبدد هذا الأمل يكون الشاب معرضاً للإصابة بالاكتئاب".

وأردف المجيدي "نصادف اليوم الكثير من  الحالات الشديدة من الاكتئاب والتي يصل فيها المريض إلى قطع تواصله الاجتماعي بشكل تام عن المحيط، أو تظهر عليه  أعراض كالتوقف عن تناول الطعام أو الشراهة أو الإدمان على حبوب منومة".

مشيرا إلى أن العلاج يبدأ بالأدوية وجلسات الدعم النفسي، لكن معظم الحالات هي من الحالات الشديدة والمتوسطة التي تتراجع فيها مستوى حياة المريض الاجتماعية والمهنية وتضعف إنتاجيته، ويعاني من المزاجية وردود الفعل غير المتوازنة مع محيطه من أفراد العائلة والأصدقاء، والعلاج هنا هو جلسات الدعم، إضافة إلى تغيير بعض العادات التي تخص كل مريض، والتي من شأنها أن ترفع من مستوى مزاجه العام.
 
في سياق متصل، انتشرت إلى حد كبير، خلال الحرب الهمجية التي تشنها مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية على مدينة تعز، نسبة المشاكل التي وقعت بين الأفراد أو الأزواج أو العائلات، فسّرها البعض بأنها جاءت نتيجة اضطرار عدة عائلات في بعض الأحيان إلى النزوح والسكن في بيت واحد، بالإضافة إلى "زيادة الحساسية عند الأفراد، أي العصبية، والانزعاج لأمور لا تحظى بأهمية"، وهذا ما أضافه الطبيب محمد إلى أعراض الاكتئاب السابقة.
 
وفي السياق ذاته، قال مدير عام مكتب الإعلام بمحافظة تعز نجيب قحطان لـ"الموقع بوست" في تعز "يعيش المواطن  الحالة النفسية بجميع أشكالها السابقة والمعاصرة واللاحقة، فالحرب العبثية التي يشنها الانقلابيون على تعز وأبنائها منذ عامين ولدت الكثير من القصص المأساوية والنفسية لدى جميع شرائح وفئات المجتمع التعزي ولم تستثنِ أحدا".
 
وأضاف قحطان "هناك من دمرت القذائف منزله على من فيه من الأسرة، وقتل جميع من فيه من أفراد العائلة أمام أعين رب الأسرة، كما حدث مع القدسي الذي أصابت إحدى قذائف الانقلابيين منزله في شارع جمال أمام الكريمي ديلوكس، فسقط البيت على من فيه ونجا وحده الأب بأعجوبة، وهذه المأساة وحدها كفيلة أن تجعل رب هذه الأسرة يعيش حالة نفسية مدى ما تبقي من عمره".

وأشار قحطان إلى أن أخطر ما في الأمر المستقبل المأساوي الذي سيعيشه أطفال تعز جراء ما أصابهم من الدمار النفسي، فمن نجى من الموت منهم لحقته الإصابة، ومن نجى من الإصابة لحقته الآثار النفسية التي ظل ولا زال يشاهدها منذ عامين من المآسي المهولة والقصص الدامية التي طالت ما حواليهم.

مضيفاً "وبالتالي فإن أطفالنا حاضرا سيحتاجون مع ما تبقى من أولياء أمورهم إلى إعادة تأهيل نفسي طويل المدى لعل وعسى يساعدهم على إخراجهم من الحالات النفسية المتراكمة التي تسكنهم".
 
ويقول عددٌ من الإخصائيين النفسانيين -في حديثهم لـ"الموقع بوست"- إنّ "الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس، التي تراكمها البيئة التي عاش فيها، والظروف التي مرّ بها، ومن المؤكد أن انتهاء الحرب يخفف من أعراض الاضطرابات النفسية، إلّا أنه لا يخفيها تماماً، ومن الممكن أن تستمر سنوات، تاركة أثرها الخاص في بناء الشخصية".
 


التعليقات