الإعدام العُرفي ظاهرة تتنامى في الضالع.. الأسباب والتداعيات (تقرير)
- علي الأسمر الخميس, 27 يوليو, 2017 - 07:24 مساءً
الإعدام العُرفي ظاهرة تتنامى في الضالع.. الأسباب والتداعيات (تقرير)

[ غياب القضاء والأمن رفع وتيرة ظاهرة القتل العرفي في الضالع ]

مطلع الأسبوع الجاري صحا الأهالي في محافظة الضالع (جنوبي اليمن) على واقعة لم تكن مألوفة من قبل، وأثارت ردود أفعال وتساؤلات عديدة وجدلا واسعا.
 
أسرة قتيل تُلقي القبص على متهم بقتل ابنها بعد بحث مضن استمر لثلاثة أيام، وفي الصباح الباكر تقود أسرة القتيل الجاني إلى وسط مدينة الضالع لتنفذ فيه حق القصاص الشرعي عرفيا أمام جماهير غفيرة من المواطنين، كانوا قد احتشدوا لتشييع جثمان القتيل صادق الجحافي، الذي شكلت حادثة مقتله صدمة كبيرة، وأثارت تعاطفا كبيرا، فالقتيل لقي حتفه برصاص مسلح على خلفية نقاش اعتيادي.
 
وأمام مرأى من الناس في ساحة عامة بمدينة الضالع قام أهالي القتيل بتنفيذ عملية إعدامه رميا بالرصاص.
 
الإعدام العرفي
 
تعد حادثة الچحافي هذا الأسبوع الحادثة الثالثة التي تشهدها محافظة الضالع، منذ تحريرها قبيل عامين، وأثارت جدلا واسعا في أوساط الشارع بين مؤيد ورافض.
 
ومجددا أثيرت الأسئلة حول استمرار تعطل أعمال النيابات والمحاكم، وبطء سير إجراءاتها، إضافة إلى دور السلطة الأمنية في تنامي الظاهرة، وما هي السبل للتغلب على كل الصعوبات، وحل الإشكاليات التي أدت لتنامي ظاهرتي العنف وأحكام الإعدام عرفيا.
 
 تزايد العنف لماذا؟
 
 يرى المحامي عبدالعزيز المأني أن غياب الدولة، وعدم نزاهة القضاء، واستمرار التقاضي لسنوات تصل 15 سنة، وظاهرة الرشوة وأتعاب التقاضي الأخرى، كل ذلك أسباب دعت المواطنين للجوء إلى القصاص بأنفسهم.
 
من ناحيته يرى الناشط والإعلامي عبدالرحمن الفهد أن تصاعد أعمال العنف والإعدامات خارج إطار القانون، في الضالع، نتيجة طبيعية لغياب المؤسسات القضائية، وتكدس الملفات الجنائية في مكتب نيابة الضالع، إضافة إلى فشل المؤسسات الأمنية في القيام بدورها في فرض الأمن وحماية الناس في أسواقهم وطرقاتهم.
 
ويؤكد الفهد في حديثه لـ"الموقع بوست" تمكن عدد من نزلاء السجن والمتهمين بقضايا قتل من الفرار سابقا من محبسهم، وربما كان هناك تواطؤ مع بعضهم، وهو ما أفقد المواطن ثقته بالأمن وألجأه ذلك إلى طرق أخرى غير قانونية.
 
ويتابع الفهد حديثه بالقول "حين تزور نيابة الضالع الاستئنافية، ستشاهد حجم الكارثة، وتعلم يقينا أن المجتمع لم يلجأ إلى هذه الوسائل إلا حين فقد ثقته بالمؤسسات القانونية التي أصبحت عاجزة عن تنفيذ أحكامها وفرض قراراتها".
 
غياب الدولة وفوضى التجنيد
 
ويعتقد الباحث  الدكتور عبدالملك باعباد أن تنامي ظاهرة العنف المتزايدة لها أسباب كثيرة، ويسرد عددا منها والتي يأتي في أولويتها غياب الدولة والفوضى في التجنيد، والتي يرى أنها كانت من نصيب بعض الأفراد الذين كانوا ملاحقين أمنيا بجرائم ينكرها أبناء الضالع وكل عاقل، كما يقول.
 
ويتابع باعباد حديثه لـ"الموقع بوست" بالقول إن إعطاء هؤلاء الأشخاص الثقة المطلقة في إصدار القرارات أثار شعورهم بأن ما يفعلونه من العنف والبلطجة هي الحل لأي مشكلة تقف في طريقهم، فارتأوا أن يستخدموا هذه الطريقة لأخذ ما يريدون من المواطنين بالقوة والعنف، في إشارة إلى عدد من الانتهاكات وحوادث القتل التي قام بها جنود من الأمن والجيش بحق مواطنين في الضالع.
 
ويؤكد باعباد أن المواطن نتيجة لذلك فقد ثقته بالأمن والقضاء، وفضل اللجوء إلى الأحكام العرفية لاستعادة مظلمته.
 
ومن الأسباب التي يرى باعباد أنها تقف وراء زيادة ظاهرة العنف المتزايد في الضالع ولجوء المواطنين إلى الأحكام العرفية، ضعف الأجهزة الأمنية وانعدام الخبرة الكافية.
 
وعلاوة على ذلك -كما يقول- فالتعصب والانتماءات السياسية الموجودة في الساحة، باتت تشجع أن يتحول ضحية الأمس إلى جلاد اليوم، وسعيه لإقصاء بعض الأطراف المتواجدة في الساحة، على حساب أخرى، وهذا سيوسع البؤرة ويزيد من مساحة العنف مستقبلا، فبحسب باعباد إذا استمر التحريض الإعلامي للجماهير ضد أطراف معينة ربما سيجرها في نهاية المطاف إلى المزيد من العنف، ويفقد الطرف الآخر ثقته برجال الأمن وأحكامهم، لأن الحكم هنا سيكون بحسب الانتماء.
 
ويشير باعباد إلى أن انتماء أو تعصب بعض الأفراد لأشخاص معينين بدلا من الانتماء للوطن، وإدارة البلاد بجماعات مسلحة تابعة لفلان أو علان وعصابات متعارضة، كل ذلك ساهم في زيادة تعصب الأفراد لقياداتهم، فتنعدم الثقة وتنتشر العداوة فيما بينهم فيلجؤون إلى العنف.
 
ويتفق باعباد مع الفهد بأن غياب السلطة القضائية وتخوف القضاة من البت في الأحكام القضائية التي تجعلهم عرضة للقتل من قبل المحكوم عليهم جعل المواطنين يلجؤون إلى الأحكام العرفية، إضافة إلى المماطلة وتأخير البت في الأحكام القضائية، جعل أهالي المجني عليهم يشعرون أن اللجوء إلى الأحكام العرفية يحقق العدالة أفضل من اللجوء للقضاء.
 
تفتح الباب لأعمال ثأرية
 
من جانبه يرى الكاتب والإعلامي إبراهيم علي ناجي أن القصاص الميداني خارج القضاء غير قانوني وغير عقلاني ولا منطقي.
 
ويضيف ناجي في حديثه لـ"الموقع بوست" أنه "لا يليق بمجتمع ناضل لأجل استعادة دولة يسودها القانون والنظام".
 
ويشير إلى أن ثمة مآخذ ومخاوف من تنامي هذه الظاهرة التي تفتح للمواطنين أبواباً تسوّغ لهم الأعمال الثأرية الانتقامية، وتبرر لفوضى الثارات بعضهم تجاه بعض، خصوصا في قضايا القتل أو الجرح، التي يكون المتهمون فيها في حالة دفاع شرعي، بينما يسارع المجنى عليهم أو أولياء دم المجنى عليهم إلى إعدام المتهمين أو جرحهم.
 
حلول
 
يرى المحامي عبدالعزيز المأني أن الحل لهذه الظواهر يكون بتشكيل هيئة قضائية مستقلة بالمحافظة للقضايا الجنائية خاصة القتل، إضافة إلى تحديد فترة التقاضي، من سته أشهر إلى سنة إلا إذا استدعت القضية ولا يتجاوز إلى عام ونصف.
 
وبالتزامن مع ذلك اعتبار من يخالف ذلك، ويقوم بالقصاص بنفسه مجرما، في جريمة منفصلة عن الجريمة التي ارتكبت بحق قريبه، وفي حال لم يتم إنشاء هذه الهيئة فيجب تفعيل القضاء المعمول به.
 
ويضيف المأني -في حديثه مع "الموقع بوست"- "بخصوص ارتكاب أفراد الجيش أو الأمن للجرائم فأي فرد ينتمي للمؤسسة العسكرية والأمنية يرتكب جريمة ضد أي مواطن يحاكم بصورة مستعجلة لا تزيد عن شهر، وأي مسؤول يتستر على الجاني، يعد شريكا أساسيا ويحاكم كجاني ويفصل من وظيفته".


التعليقات