الحركة السلفية في اليمن: بين التطلع السياسي وفخ الإرهاب
- البيت الخليجي للدراسات والنشر السبت, 18 نوفمبر, 2017 - 09:49 صباحاً
الحركة السلفية في اليمن: بين التطلع السياسي وفخ الإرهاب

[ أرشيفية ]

كمعظم الأحزاب السياسية والحركات الدينية في اليمن، شهدت الجماعة السلفية تحولات اجتماعية وسياسية عديدة أثرت على أدائها وحددت مساراتها اللاحقة، وتجاوزت بعض تكوينات الجماعة السلفية حالتها البدئية كحركة دعوية اجتماعية تحرم الانخراط بالعمل السياسي، لتتحول في ظل الحرب الحالية إلى قوة سياسية وعسكرية مقاتلة وظفتها الأطراف الإقليمية المتدخلة في اليمن ضد خصومها اليمنيين المحليين. وبمقتضى العلاقة مع السعودية، قائدة التدخل العسكري في اليمن، وكذلك الإمارات، حصلت بعض مكونات الجماعة السلفية على مخزون عسكري يمكنها من التلويح بالقوة لفرض خياراتها السياسية، فضلاً عن المشروعية السياسية لقتالها في صف “الشرعية”.
 
على الرغم من أن هذه المتغيرات العاصفة قد أثرت على بعض فروع الحركة السلفية، وجعلت منها قوة في الساحة اليمنية، وكذلك على مستقبل الحركة السلفية في اليمن ككل والجماعات المقاتلة منها بشكل خاص، إلا أنه لا يمكن اعتبار المسارات التي قطعتها الجماعات السلفية، منذ كمونها الدعوي في التسعينات وحتى انشغالها بالعمل العسكري والسياسي في ظل الحرب الراهنة، مسارات تطورية من صلب وجودها؛ إذ لم يرافق هذه المسارات مراجعات فكرية في المنطلقات الفقهية لهذه الجماعات تفضي إلى تغيير طابعها الديني المنغلق، فذلك لم يتأتى من تطور ذاتي للحركة السلفية، بل كان ذلك تكيفاً مع الهزات السياسية التي تعرضت لها، بدءاً بانقسامها حيال الثورة الشعبية والخروج على ولي الأمر، ثم انخراط رموزها بالمجال السياسي وظهور أحزاب سلفية في شمال اليمن وجنوبه، فيما حافظت بعض الجيوب السلفية على طابعها التقليدي الدعوي، وآثرت البقاء بعيدة عن تأثيرات الحرب والسياسة.
 
فرضت الحرب والتدخل العسكري للسعودية تأثيراتها على الحركات السلفية الناشطة في اليمن، إذ شكل ذلك لحظة مفصلية في تاريخ الجماعات السلفية اليمنية، وحتى في سياق تطورها ومستقبلها، حيث فقدت معظم الجماعات السلفية عفويتها الاجتماعية السابقة، واكتسبت أطراً تنظيمية معقدة، أقرب لتنظيمات جهادية مغلقة، فقد رأت هذه الجماعات أن انخراط السعودية، الممثل الإقليمي للسنة ضد إيران الممثل الإقليمي للشيعة، وحليفة جماعة الحوثي الشيعية، يمنح حربها ضد جماعة الحوثي مشروعية دينية للدفاع عن الأكثرية السنية، يعضد بذلك حربها على جماعة الحوثي التي هجرتها بالقوة من دماج في 2014، ومن ثم اكتسى قتالها الطابع الجهادي الطائفي، تماماً كجماعة الحوثي، وهو ما جعل قتالها أكثر مبدئية، ولا يتأثر بالتقاربات السياسية بين الفرقاء اليمنيين ووكلائهم الإقليمين.
 
بالمقابل، أداء الجماعات السلفية المقاتلة دفع الدول المتدخلة لمحاولة استقطابها سياسياً، إذ رأت السعودية في هذه الجماعات مرشحاً بديلاً عن حليفها التقليدي، حزب الإصلاح، وأكثر انضباطاً من الأحزاب السياسية اليمنية المنضوية تحت تحالف الدفاع عن السلطة الشرعية، وذلك لتواضع مطالبها وتطلعاتها السياسية في مقابل شدة تفانيها وولائها المنطلق من اعتبارات دينية؛ كما أن الإمارات، التي دخلت الحرب في اليمن دون حليف محلي، حرصت بدورها وعملت بكل الطرق الممكنة على أن تضوي الجماعات السلفية المقاتلة في مدن المواجهات تحت مظلتها السياسية.
 
لا يمكن اعتبار دوافع الإمارات في استقطاب الجماعة السلفية خارج المعادلة السياسية لعدائها لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الإخوان المسلمين في اليمن، إذ لا تستثنى الجماعات السلفية في المنظور الإماراتي عن أي جماعة محلية يمنية، ومن ثم لم يكن الثقل السياسي ولا القتالي للجماعات السلفية ما يرجح كفتها بالنسبة للإمارات، وإنما بكونها جماعات دينية قتالية فتية يمكن السيطرة على طموحاتها السياسية خلافاً لحزب الإصلاح الذي تعاديه الإمارات، ومن ثم اختلف تعاطيها مع الجماعات السلفية لتحقيق أجندتها السياسية، وإن استخدمتها جميعاً كسلاح موجه ضد حزب الإصلاح؛ بدورها، أثبتت الجماعات السلفية المقاتلة قدرتها على اللعب على صراع المتناقضات واستثماره لصالحها.
 
أنتجت سياسة الأطراف الإقليمية المتدخلة في اليمن حيال القوى المحلية اليمنية والجماعات السلفية خارطة قوى سياسية يمنية جديدة تتصدرها بعض الجماعات السلفية، ولا تختلف كل جماعة سلفية عن الأخرى إلا باختلاف الجغرافية اليمنية وبقربها أو بعدها من مركز الثقل الإماراتي في اليمن، وانعكس ذلك على مواقفها السياسية المتباينة ومنطلقاتها الفقهية التي تبرر تموضعاتها السياسية، فضلاً عن التنافس السياسي الشديد فيما بينها.
 
ونظراً لأهمية عدن بشكل خاص، والجنوب بشكل عام للسياسة الإماراتية، لجأت الأخيرة إلى دعم وتمكين بعض الجماعات السلفية، كالمقاومة السلفية في مدينة عدن التي يتزعمها هاني بن بريك، لتصبحت الحليف المحلي الأقوى، وذلك بفضل ولاءاتها للإمارات، وتزعمها مبادرات استقلال جنوب اليمن على الضد من المرجعيات الفقهية للسلفية التقليدية التي تؤكد على طابع الوحدة اليمنية والإسلامية.
 
وعملت الإمارات على تكريس عناصر المقاومة السلفية الجنوبية في التشكيلات الأمنية والعسكرية في مدينة عدن، وتحويلها إلى واجهة سياسية للقضية الجنوبية، إلا أن ذلك لم يغير حقيقة أن السلفية الجنوبية أوسع إطاراً من المقاومة الجنوبية ورموزها، حيث ظلت جيوب الحركات السلفية التقليدية في عدن والجنوب، محتفظة بطابعها الدعوي، يحكمها التسامح الديني ورفضها لقتال اليمنيين، وهو ما جعلها عرضة للاغتيالات السياسية طيلة أعوام الحرب.
 
خلافاً لبعض مكونات السلفية الجنوبية التي جذرتها في الساحة الجنوبية علاقاتها المثالية بالإمارات، ارتبط نمو السلفية في مدينة تعز بمنجزاتها العسكرية كقوة مقاتلة ضد جماعة الحوثي، إذ برزت التكوينات السلفية المقاتلة، كجماعة أبو العباس التي يتزعمها “عادل عبده فارع”، وجبهة حسم التي يتزعمها “عدنان زريق”، كقوى تتصدر المشهد السياسي والعسكري في المدينة، وكرس بذلك مشروعيتها السياسية على القوى المحلية في المدنية.
 
كما ونشير إلى أن حصول الجماعات السلفية في تعز على الدعم المالي والعسكري من السعودية والإمارات، عزز من حضورها كقوة عسكرية صاعدة تنازع السلطات المحلية على إدارة بعض مرافق الدولة في المدينة، وعلى الرغم من محاولة الإمارات تبني الجماعات السلفية في مدينة تعز، إلا أن المؤشرات في المدينة تؤكد فشل الإمارات بفرض هيمنتها على هذه الجماعات وتنفيذ أجندتها في المدينة.
 
المآخذ على الجماعات السلفية اليمنية المقاتلة تبدأ من تناقضات اطروحاتها الفقهية مع أدائها السياسي في الواقع، فضلاً عن قصور وعيها السياسي، وهو ما جعل منها مطية للقوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، فمع تزايد العداء الإماراتي لحزب الإصلاح، منذ العام الأول من الحرب وحتى انفجار الأزمة الخليجية الحالية، تواطئت معظم الجماعات السلفية المقاتلة مع الدور الذي فرض عليها من قبل هذه القوى باعتبارها رأس حربة ضد حزب الإصلاح، وأصبحت الجماعات السلفية في الميدان السياسي والقتالي محكومة بتجاذبات هذه القوى وشروطها؛ فعلى الرغم من أن الاختلاف الديني النظري بين الجماعات السلفية وحزب الإصلاح على مدار عقود سابقة، إذ ظلت الجماعات السلفية ترى أن انخراط حزب الإصلاح في العملية السياسية اليمنية خروج عن الحالة التطهرية الدينية، إلا أن الحرب في اليمن وتجاذبات الأجندات الاقليمية للقوة المتدخلة دفع بهما للالتقاء سياسياً، وأحياناً إلى صدام مسلح بينهما، لكن اللافت أن خلاف الجماعات السلفية مع حزب الإصلاح قد يسقط في ضوء انخراط قيادات الجماعات السلفية في العمل السياسي وحرصها على تحصيل استحقاقها بشتى الطرق، ويضل المحك في هذا الخلاف هو تنافس القوتين الدينيتين على القاعدة الاجتماعية المتدينة، وعلى ضمان وكيل إقليمي سخي.
 
لا تدرك الجماعات السلفية أن القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن تسعى إلى تنفيذ أجنداتها من خلالها، وأنها في أفضل الأحوال تستغلها سياسياً وعسكرياً في صراعاتها التي لا تخدم اليمن بشيء، ولا يخدم مستقبل هذه الجماعات، فحتى مع تبني الإمارات للجماعات السلفية في اليمن، المقاتلة منها أو المتصدرة حالياً للمشهد السياسي في الجنوب، فإن ذلك لا يشكل تحالفاً حقيقيا مستمراً إلى مرحلة ما بعد الحرب، إذ تختلف معها في المنحى الأيديولوجي، وتستخدمها كطعم مؤقت ستتعامل معها في مرحلة لاحقة باعتبارها جماعات “إرهابية”، تماماً كما استخدمت هذه القوى نفسها حزب الإصلاح في اليمن وجماعة الإخوان المسلمين في مراحل سابقة ضد القوى السياسية الأخرى.
 
لا يبدو أن الجماعات السلفية التي أنتجتها الحرب تستطيع مقاربة مستقبلها العسكري وحتى السياسي بعيداً عن الفخ الإماراتي والسعودي، وتنخرط، إما حماقة أو انتهازية، مع الدور الذي فرضته عليها هذه القوى، متجاهلة أن إخراجها من المشهد اليمني قد حان مبكراً بتغير قواعد اللعبة أو ملل المتفرجين الإقليميين، وهو ما أكده تضمين السعودية والإمارات لقيادات سلفية من حلفائها اليمنيين في قوائم الإرهاب الصادرة عنهما.


التعليقات