الأحزاب اليمنية.. تفكك وتفريخ وصراع الأجنحة (1-2)
- عبدالسلام قائد الجمعة, 12 يناير, 2018 - 08:19 مساءً
الأحزاب اليمنية.. تفكك وتفريخ وصراع الأجنحة (1-2)

[ الأحزاب اليمنية.. تفكك وتفريخ وصراع الأجنحة ]

اتسمت الحياة السياسية والحزبية في اليمن بتشوهات كبيرة، بدأت منذ إقرار الحزبية والتعددية السياسية بالتزامن مع إعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، وكان من أبرز هذه التشوهات ظاهرة تفريخ وتفكك معظم الأحزاب السياسية، حتى صار ذلك وكأنه من ثوابت الحياة السياسية في اليمن، وأصابت التصدعات أبرز الأحزاب اليمنية، وعلى رأسها الحزبين اللذين حكما البلاد قبل وبعد الوحدة، وهما حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي.
 
تكمن المعضلة الرئيسية لدى مختلف الأحزاب اليمنية، والتي جعلتها قابلة للتفريخ والتفكك، في أنها أحزاب بلا برامج سياسية واقتصادية واضحة، وتشارك في انتخابات بلا ديمقراطية حقيقية، ويعود كل ذلك إلى أن النظام السياسي الحاكم (نظام الراحل علي صالح) استطاع العبث بالحياة السياسية برمتها، حيث أفرغ الحزبية والديمقراطية من مضمونهما، مستغلًا لعبة المال السياسي بغرض تفكيك الأحزاب وتفريخها واستقطاب بعض قياداتها، وجعل "الديمقراطية" مجرد ديكور يُجَمل به وجه نظامه القبيح أمام العالم.
 
- أولًا: أحزاب السلطة
 
كانت أحزاب السلطة، المؤتمر والاشتراكي، أكثر الأحزاب التي تعرضت لهزات وتصدعات كبيرة، خاصة الحزب الاشتراكي، الذي انقسم إلى جناحين خاضا حربًا عنيفة فيما بينهما، في وقت ما زال فيه مسيطرًا على السلطة وحاكمًا وحيدًا لجنوب اليمن، وما زال الحزب يتفكك ويتضاءل دوره حتى يومنا هذا. أما حزب المؤتمر، فقد تفكك بشكل تدريجي منذ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، ووصل إلى مرحلة التمزق التام بعد مقتل رئيسه علي صالح على أيدي الحوثيين.
 
وفيما يلي أهم مراحل تفكك كل حزب منهما على حدة:
 
1- حزب المؤتمر الشعبي العام
 
ﺑﺪﺃﺕ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻭﺗﻔﻜﻚ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﺠﺰﺭﺓ "ﺟﻤﻌﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ" ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﺼﻨﻌﺎﺀ، ﻳﻮﻡ 18 ﻣﺎﺭﺱ 2011، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﻬﺎ ﺑﻼﻃﺠﺔ ﻋﻠﻲ ﺻﺎﻟﺢ، ﻓﻌﻠﻰ ﺇﺛﺮ تلك ﺍﻟﻤﺠﺰﺭﺓ، ﺃﻋﻠﻦ ﺑﻌﺾ ﻗﺎﺩﺓ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ، ﻭﺑﻌﺾ ﻣﻤﺜﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ، ﺍﺳﺘﻘﺎﻟﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺰﺏ، ﻭﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻋﻠﻨﻮﺍ ﺍﻧﻀﻤﺎﻣﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﺿﺪ علي ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻋﺎﺋﻠﺘﻪ.
 
ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻴﻊ علي ﺻﺎﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺍﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ، ﻭﺗﻌﻴﻴﻦ ﻋﺒﺪﺭﺑﻪ ﻫﺎﺩﻱ ﺭئيسًا توافقيًا ﻟﻠﺒﻼﺩ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ، ﺍﻧﻘﺴﻢ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺎﺣﻴﻦ، ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺘﺒﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﺎﺩﻱ، ﻭالآﺧﺮ ﻳﺘﺒﻊ ﻋﻠﻲ ﺻﺎﻟﺢ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺎﺣﻲ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺗﻈﻬﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﺎﺩﻱ ﻟﺨﺎﻟﺪ ﺑﺤﺎﺡ ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ خلفًا ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﺳﻨﺪﻭﺓ، ﻓﻲ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2014، ﺣﻴﺚ ﺭﻓﺾ ﺟﻨﺎﺡ علي ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، ﻭﺷﺎﺭﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺆﺗﻤﺮﻳﻮﻥ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﻫﺎﺩﻱ، ﻭﺭﺩّ ﺟﻨﺎﺡ علي ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺈﻗﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺒﻪ ﻛﻨﺎﺋﺐ ﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﻭﺃمينًا ﻋﺎمًا ﻟﻪ.
 
ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻼﺋﺤﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻫﻮ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺤﺰﺏ، ﻟﻜﻦ علي ﺻﺎﻟﺢ ﺗﺸﺒﺚ ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺤﺰﺏ، ﻟﻴﺘﺨﺬ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﺟﻬﺔ ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﺎﺩﻱ ﺭئيسًا ﻟﻠﺤﺰﺏ، ﺑﺤﺴﺐ ﻻﺋﺤﺘﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ، ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻏﺮﺍﺑﺘﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺎﺩﻱ ﻳﺸﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ ﺍﻟﻨﺎﺋﺐ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺤﺰﺏ، ﻭﺃﻣﻴﻨﻪ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﺻﻼﺣﻴﺎﺕ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﻣﺎليًا ﻭتنظيميًا ﻣﻨﺬ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2008.
 
ﻭﺑﻌﺪ ﻋﻤﻠﻴﺔ "ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺍﻟﺤﺰﻡ"، ﺃﺣﺎﻝ ﺟﻨﺎﺡ علي ﺻﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺎﺩﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ. ﻭﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ، ﻋﻴﻨﺖ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﺰﺏ -ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ- ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﺎﺩﻱ ﺭئيسًا ﻟﻠﺤﺰﺏ، ﻓﻲ 22 ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ 2015، ﻭﺃﺻﺪﺭﺕ ﻗﺮﺍﺭًا ﺑﻌﺰﻝ علي ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﻪ، ﻭﺇﺣﺎﻟﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺰﺏ "ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻜﺒﻮﻩ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ، ﻭﻣﺎ ﺃﻟﺤﻘﻮﻩ ﻣﻦ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﻭﻭﺣﺪﺗﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺑﺤﻖ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﺤﻬﻢ ﺛﻘﺘﻪ"، ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﺰﺏ.
 
ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝِ علي ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﺰﺏ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﻌﺰﻟﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺭئيسًا ﻟﻠﺤﺰﺏ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺣﻪ ﺳﻮﻯ ﺣﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ، ﻭتحول ﺟﻨﺎﺡ علي ﺻﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻧﺪﻣﺠﺖ ﻓﻲ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ، ﻭﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ ﺗﻘﺎﺗﻞ ﺗﺤﺖ ﻻﻓﺘﺔ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﻗﺒﻠﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻃﻘﻴﺔ، ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ.
 
ورغم انقسام حزب المؤتمر إلى جناحين متباينين، إلا أن كل جناح منهما انقسم أيضًا على نفسه، فجناح الرئيس هادي ظهر فيه تيار موالٍ لدولة الإمارات، وتيار موالٍ للسعودية. وجناح علي صالح ظهر فيه تيار يهاجم مليشيات الحوثيين، ويدعو أحيانًا إلى فض التحالف معها، وتيار متماهٍ تمامًا مع مليشيات الحوثيين، ويدعو إلى تقديم المزيد من التنازلات للحوثيين حفاظًا على التحالف معهم. كما ظهر طرف في كل جناح ملتزمًا الحياد، والبعض استقالوا من الحزب، والبعض فضلوا اعتزال العمل الحزبي والسياسي، وغادر عدد منهم إلى خارج الوطن.
 
وبعد مقتل علي صالح على أيدي الحوثيين، يوم 4 ديسمبر 2017، انقسم جناحه في الحزب إلى ثلاثة أقسام، الأول موالٍ لأحمد علي (نجل صالح) ودولة الإمارات، والثاني موالٍ لمليشيات الحوثيين، والثالث يضم الجناح شبه المدني في الحزب، وتحركاته تتم خارج الوطن، خاصة في العاصمة المصرية القاهرة، بالإضافة إلى بروز الانشقاق في جناح الرئيس هادي في الحزب، وهو الانشقاق الذي يتزعمه الطرف الموالي لدولة الإمارات.
 
2- الحزب الاشتراكي اليمني
 
بدأت الخلافات في صفوف الحزب الاشتراكي منذ أن كان حاكمًا للشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة، وتوجت هذه الخلافات بأحداث 13 يناير 1986 الشهيرة، وهي الأحداث التي هزت ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﺷﻤﺎﻟﻪ ﻭﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ، ﺑﺴﺒﺐ ﻏﺮﺍﺑﺘﻬﺎ ﻭﺑﺸﺎﻋﺘﻬﺎ ﻭﻋﺪﻡ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ، وما أسفر عنها من عدد كبير من الضحايا، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﺭﺑﺘﻴﻦ ﻛﻼﻫﻤﺎ تنتميان ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺃﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ، ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﺗﺸﺎﺭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻨﻮﻁ ﺑﺎﻟﻤﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺤﺰﺏ ﻭﻟﺠﻨﺘﻪ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ، ﻭﺃيضًا ﺍﻟﺴﻜﺮﺗﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ.
 
ﻭﻫﻨﺎ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﻄﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ: ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﺎﺭﻋﺖ ﺑﺴﺒﺒﻪ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ؟ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻹﻗﺮﺍﺭ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﻭﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻬﺎ؟ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺈﻥ ﺃﺣﺪﺍﺙ 13 ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﺮﺍﻉ ﻗﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﺛﻮﺏ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ، ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﺗﺨﺬ ﺃﺑﻌﺎﺩًا ﻗﺒﻠﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻃﻘﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻘﻲ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﺭﻋﺘﻴﻦ، ﻓﺄﻧﺼﺎﺭ ﻋﻠﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻴﻦ ﻭﺷﺒﻮﺓ ﻭﺷﺨﺼﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺃﺧﺮﻯ. ﺃﻣﺎ ﺧﺼﻮﻡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺻﺮ، ﻭﺍﻟﻤﺘﻤﺤﻮﺭﻳﻦ ﺣﻮﻝ عبدالفتاح إسماعيل وﻋﻠﻲ ﻋﻨﺘﺮ، ﻓﻤﻌﻈﻤﻬﻢ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻟﺤﺞ.
 
ورغم أن أحداث 13 يناير 1986 انتهت بانتصار جناح علي ناصر محمد، لكن الغريب أن الطرف المهزوم هو الذي بقي مسيطرًا على السلطة في الجنوب، بينما قيادات الطرف المنتصر غادرت الجنوب إلى الشطر الشمالي وإلى بلدان أخرى، ثم بقي الطرف المهزوم محافظًا على تماسكه حتى بعد الوحدة، ثم تسبب هذا الطرف بأكبر نكسة للحزب، عندما أعلن انفصال جنوب اليمن والتراجع عن الوحدة، وتسبب ذلك بانقسام كبير داخل الجيش الجنوبي التابع للحزب الاشتراكي، حيث انضمت عدة ألوية عسكرية جنوبية إلى قوات الدفاع عن الوحدة، وكانت نتيجة الحرب ليس هزيمة الحزب الاشتراكي فقط، وتشتت قياداته التاريخية خارج الوطن، ولكن القضاء على جيشه وتجريده من قوته العسكرية.
 
وبعد أن بدأ الحزب يستعيد عافيته، انقسم إلى تيارين، أحدهما يدعو إلى الانفصال، والآخر يدعو إلى إصلاح مسار الوحدة، ثم تشتت التيار المطالب بالانفصال بين فصائل الحراك الجنوبي المتنازعة فيما بينها، وفك ارتباطه بالحزب بشكل غير معلن، بينما التيار الداعي إلى إصلاح مسار الوحدة بقي محافظًا على ما تبقى من الحزب، واستفاد كثيرًا من تحالفه مع أحزاب أخرى ضمن تكتل اللقاء المشترك، قبل أن تعصف به الأحداث الأخيرة منذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء وحتى يومنا هذا.
 
وبالرغم من أنه كان يفترض بالحزب الاشتراكي البقاء في صف السلطة الشرعية، إلا أنه بدأ بالتقارب مع الحوثيين أثناء مؤتمر الحوار الوطني. وقبيل انقلاب الحوثيين وعلي صالح على السلطة الشرعية، ﺃﻃﻠﻖ الحزب ﻣﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ ﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍلسابق علي صالح، كما ﺭﻓﺾ في البداية ﺗﺄﻳﻴﺪ عملية "ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺍﻟﺤﺰﻡ" العسكرية.
 
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺤﺰﺏ، أثناء مؤتمر الحوار الوطني، ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺿﺎﻩ ﻋﻤّﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﻟﻠﻌﺎﺻﻤﺔ ﻭﺍﻗﺘﺤﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ، غير أن الحزب سرعان ﻣﺎ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻴﻦ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺜﻠﻬﺎ ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺴﻘﺎﻑ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺪًا ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻳﺎﺳﻴﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻧﻌﻤﺎﻥ ﻭﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ.
 
ظهرت بعد ذلك الانقسامات في صفوف الحزب بوضوح، ﻓﻘﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻐﺎﺩﺭ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻷﻱ ﻣﻼﺣﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ مليشيات الحوثيين، ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻪ ﺃﺣﺰﺍﺏ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺍﻧﻀﻤﺖ ﻟﻮﻓﺪ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭعلي صالح ﻓﻲ محادثات ﺟﻨﻴﻒ، بينما ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﻔﻴﻦ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ ﺷﺒﺎﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﺳﺠﻠﺖ ﻣﻮقفًا ﻣﻐﺎﻳﺮًا، حيث ﺃﻛﺪﺕ ﺭﻓﻀﻬﺎ للانقلاب، وهناك ناشطون وشباب من قواعد الحزب ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻥ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ضد مليشيات الحوثيين.
 
وفي المحصلة، فقد انقسم الحزب قبل الوحدة بين تيار علي ناصر من جهة، وتيار عبدالفتاح إسماعيل وعلي عنتر من جهة أخرى، وأثناء حرب الانفصال انقسم بين تيار يؤيد الوحدة وتيار يؤيد الانفصال، ثم انقسم ما تبقى منه إلى تيار يدعو إلى الانفصال وتيار يدعو إلى إصلاح مسار الوحدة، كما استقال بعض قادة الحزب وانضموا إلى حزب المؤتمر، وحصل بعضهم على مناصب رسمية كبيرة.
 
بعد ذلك، تشتت التيار الانفصالي بين فصائل الحراك الجنوبي المختلفة، بينما التيار المطالب بإصلاح مسار الوحدة تشتت بين فريقين، أحدهما موالٍ للسلطة الشرعية، وتتزعمه القيادة السابقة للحزب، والآخر موالٍ للحوثيين، وتتزعمه القيادة الجديدة للحزب، خاصة التيار الذي يدعي النسب الهاشمي في الحزب، وعلى رأسهم أمين عام الحزب عبدالرحمن عمر السقاف، هذا فضلًا عن الاستقالات العديدة من الحزب، واتساع الفجوة بين قيادات الحزب وقواعده.
 
- في الجزء الثاني، سنتناول أحزاب المعارضة، وتفكك بعضها، ونجاح الرئيس السابق علي صالح في تفريخ البعض الآخر، وفشله في تفريخ أو تفكيك حزب الإصلاح، وأيضًا تفكك الأحزاب الجديدة التي ظهرت بعد ثورة 11 فبراير 2011، واندماج الأحزاب السلالية ضمن جماعة الحوثي.


التعليقات