عبدالباري طاهر في حوار مع "الموقع بوست": التحالف العربي تدخل في اليمن بلا رؤية
- حوار: مبارك الباشا الثلاثاء, 13 فبراير, 2018 - 08:11 مساءً
عبدالباري طاهر في حوار مع

[ عبدالباري طاهر مع الزميل مبارك الباشا أثناء الحوار ]

تتوالى الأحداث على الساحة اليمنية بوتيرة متسارعة، وتعيش اليمن في دوامة من الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، ابتداء من نتدخل التحالف العربي في اليمن أواخر مارس من العام 2015م وصولا إلى الصراع بين ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية في عدن.

هذا الصراع المستمر كان له تأثيراته على الإنسان اليمني والأرض اليمنية، وولد العديد من مظاهر المعاناة التي مثل الجانب الإنساني الصورة الأنصع لها.

يتحدث المؤرخ اليمني والمفكر عبدالباري طاهر لـ"الموقع بوست" في هذا الحوار القصير حول تعثر فرص السلام في اليمن، وتداعيات الصراع في المستقبل، وتشابكات الوضع في اليمن، والتأثيرات الخارجية، ودور دول الإقليم في إطالة أمد الصراع.


نص الحوار

*مرت الحرب في اليمن بعدة محطات ثم جاءت المفاوضات السياسية في جنيف والكويت وقد تعثرت جميعها، إلى ماذا ترجعون أسباب الفشل؟

**السبب هو أن كل الأطراف الداخلية والخارجية تراهن على الحسم العسكري، فأنصار الله (الحوثيون) مسكونون بالتمكين الإلهي، وبدعم إيران وحزب الله، بينما الشرعية وحلفاؤها مراهنين على قوة التحالف العشري الذي تقوده السعودية والإمارات، والدعم اللوجستي الأمريكي، والتفوق في العدة والعتاد،  لذلك أوهام الحسم العسكري قوية لدى كل أطراف الحرب؛ وبالأخص السعودية والإمارات المغرورة بالتفوق والقوة العسكرية كلية القدرة، والمساعي الدولية لم تكن جادة بما فيه الكفاية لفرص الحلول السلمية؛ فلهذه الأطراف النافذة مصلحة في استمرار وفي تزايد صفقات التسليح، والارتهان أكثر فأكثر للسياسات الاستعمارية في المنطقة، وتزايد قدراتها على فرض إرادتها على الجميع.

*ما هي أسباب التجاهل الدولي لليمن؟ هل منشأ ذلك كون اليمن بلد فقير وبالتالي غير جدير بالاهتمام، أم أن هناك أسباب أخرى؟

**اليمن بلد فقير معزول ومتخلف، وصراعاته تبدأ ولا تنتهي، ومع ذلك فهو يمتلك شعباً فتياً وقوياً ومكافحاً، ويحتل مركز يربط بين الشرق والغرب بواسطة باب المندب وتلاقي البحر الأحمر والعربي والهندي، وثمة جاليات لهذا البلد في العديد من مناطق العالم، وله حضور حضاري وتاريخي متواشج مع حضارات العالم وتاريخها وتراثها.

لكن مكانة هذا البلد التاريخية لا تشفع له أمام عالم لا يكترث إلا لمصالحه، فالقوى الدولية تنظر لليمن من زاوية "السعودية والإمارات"، وتتعامل مع اليمن وفق مصالحها مع هذه الدول الخليجية، ولا شك أن للنفط الخليجي له تأثيره على المواقف الدولية الاستعمارية .

*لماذا أُختزلت المساعي الدولية لمعالجة الصراع في اليمن إلى الاهتمام بالجوانب الإنسانية فحسب، دون نية حقيقة للوصول إلى حل؟

**الاهتمام بالجوانب الإنسانية لها بعدين: البعد الأول: التعويض عن غياب الجدية في مسعى الحل السياسي، وانسداد أفق الحل بسبب تعنت الأطراف المتورطة في الحرب.

البعد الثاني: اهتمام الدول الكبرى معطى من معطيات الضغوط الكبيرة للمنظمات الإنسانية الدولية، وفضحها تواطؤ هذه القوى الاستعمارية مع السعودية والإمارات في إمدادها بالسلاح والخبرات والدعم اللوجستي، والتغاضي عن جرائم حربهما ضد بلد فقير، وفرض الحصار عليه، واقتراف جرائم الحرب وضد الإنسانية.

**ما هو دور النخب اليوم في ترسيخ فكرة السلام، وما هي العوائق التي قد تعترضهم؟

**في ظل اشتداد المواجهات العسكرية في أكثر من منطقة، فإن أصوات الطيران والمدافع والقصف يصبح أقوى من همس الكلمة الداعية للسلام والتعايش، واحترام الحقوق والحريات، وخلق المناخات الآمنة والمستقرة، وتظل الكلمة مسؤلية نأمل أن تجد صداها يوما ما.

أما بالنسبة للعوائق؛ فهي كثيرة: منها: أن دعوات السلام تُحاصر بالتخوين والاتهام بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، وأيضاً تجارة الحرب رائجة وفوائدها وعوائدها كبيرة، وكل الأحزاب الكبيرة، والمليشيات المسلحة، والأطراف الإقليمية السعودية والإمارات وقطر وتركيا وإيران وحزب الله- داعمة ومساندة، بل إن بعضها مشارك في هذه الحرب، وكل طرف يسعى إلى إلغاء الآخر أو تهميشه على الأقل، لأجل الغلبة والتفرد. وبين كل هذا السديم تخبو الكلمة ويموت صداها.

*ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الإقليمية ذات التأثير المباشر في اليمن للتوصل لصيغة سلام؟  

**السعودية والإمارات وإيران هي الفاعل الأساس في الحرب على اليمن، وهي أيضاً مرتبطة بتحالفات دولية، وأمريكا وبريطانيا وروسيا وأوربا لها حضور بمستويات مختلفة ومتفاوتة في التأثير في الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبالتأكيد لها دور في الحل السياسي، وبالأخص أمريكا وبريطانيا وروسيا.

*ما هي تداعيات مقتل الرئيس السابق صالح على يد حلفائه الحوثيين؟

**مقتل صالح يفتح الباب أمام الاحتمالات الأكثر سوءاً، من أخطرها إطالة أمد الحرب، ونشوبها في عموم اليمن شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، ومن جديد قد يقوي أوهام الحسم العسكري لدى التحالف العشري بقيادة السعودية والإمارات، والأسوأ المزيد من الصراع والعنف، والمزيد من التفكك والتصدع والانقسام.

**ما هي قراءتكم للحرب الأخيرة في عدن بين قوات ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة وقوات الحماية الرئاسية التابعة لشرعية هادي؟

*في عدن كانت السلطة مزدوجة، والحرب هي نتيجة طبيعية لحالة عدم الانسجام السياسي بين شرعية الرئيس هادي وسلطة المجلس الانتقالي الجنوبي، والسلطة الفعلية باتت الآن بيد المجلس الانتقالي، وفي أي تشكيلة سياسية قادمة سيكون هو الأساس فيها، والحرب لن تحل المشكلة، والجنوبيون ليسوا مع الحرب، ولن يكون الحل سوى بالعودة إلى مخرجات الحوار والمرجعيات الدولية.

الشرعية كانت في الهواء الطلق، ولم تكن متواجدة على الأرض، وفي الحقيقة كان المجلس الانتقالي هو المتواجد فعلياً في الجنوب، والآن قد يقبل المجلس الانتقالي بمعالجة مؤقتة، تضمن للشرعية تواجد هش، وما لم تُحل القضايا الأساسية بالنسبة للجنوب والاختلالات التي حصلت منذ حرب 94، ستبقى الأمور معلقة.

*ما مستقبل عملية السلام في ضوء ما حدث في عدن مؤخراً؟

**تضاءلت فرص الحل بالطبع وقلّت احتمالات تحقيق السلام، وكلما ضعفت الشرعية كلما ضعف الحوار وغاب منطق العقل، وكلما ضعفت أيضاً إمكانية الوصول إلى حل سياسي، ولن يكون الحل السياسي ما لم تتوافق كافة هذه القوى؛ الشرعية، والحراك الجنوبي، وأنصار الله (الحوثيون) في الشمال.

*ما مستقبل التحالف العربي في اليمن؟

**التحالف العربي تدخل بلا رؤية، ويراهن على الحسم العسكري، جاء ولديه أطماع مدمرة لليمن، ويحمل مشروع تقسيم لليمن، ورغم فشله في الحسم العسكري إلا أن أوهام الحسم مازالت قائمة لدى السعودية والإمارات، ولدى أطراف داخلية.

وإن لم يتبنَّ التحالف قضايا الشعب اليمني، وإن لم يخلصوا لأهدافهم التي طرحوها، من عودة الشرعية، وتنفيذ مخرجات الحوار، وتحقيق الدولة الاتحادية المدنية؛ فسيحصدون الخسارة بالمطلق، وإذا تشظت اليمن سيرتد الأمر عليهم سلباً دون شك.

*ما التداعيات الإنسانية للحرب في اليمن مستقبلاً؟ وعلى من تقع مسؤولية تحقيق السلام؟

**جرائم الحرب كثيرة، وتشترك فيها كل الأطراف دون استثناء، فالاغتيالات والاختطاف والاعتقالات والاختفاء القسري ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتكفير والتخوين واستهداف المدنيين وفرض الحصار الداخلي والخارجي وانتشار المجاعة والأوبئة الفتاكة كلها جرائم يتشارك في صنعها الجميع، وقضية السعي للسلام مسؤولية النخب، وقيادات المجتمع المدني والأهلي والأحزاب والشخصيات العامة والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية.

تأثير الحرب على الحياة في اليمن كبير جداً حد الكارثة، والأهم أن نعمل جميعا كمواطنين ومؤسسات مجتمع مدني وأحزاب وأفراد ومجتمع أهلي على رصد جرائم الحرب، وتوثيق كل وقائعها ومفرداتها الشنيعة؛ لتكون وثائق وحقائق أمام العدالة الانتقالية والمعالجة.

كل أبناء الشعب اليمني -بدون استثناء - معنيون بالكفاح من أجل السلام، وإيقاف الحرب والخلاص منها ومن تجار الحروب، ورفض وإدانة الاعتداء على الوطن اليمني. وتتحمل دول الإقليم والمجتمع الدولي جزءاً كبيراً من مسؤولية جرائم الحرب، وفي النهاية، المُتاح هو ما يصنعه الناس والأمم والشعوب بإرادتها.


التعليقات