اليمنيون .. معاناة لا تنقطع بين الحرب والإرهاب (ترجمة خاصة)
- ترجمة خاصة الإثنين, 19 فبراير, 2018 - 11:11 مساءً
اليمنيون .. معاناة لا تنقطع بين الحرب والإرهاب (ترجمة خاصة)

[ فاقمت الحرب معاناة اليمنيين في الداخل والخارج - أرشيفية ]

في صباح هادئ في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي كان خالد غالب يجلس بجوار منزله في اليمن عندما قام متطرفان على دراجة نارية بإطلاق النار عليه مرتين في مؤخرة الرأس.
 
كان خلدون ذو 37 عاماً وهو حارس أمني في سجن حكومي، يتصفح في هاتفه بانتظار راتبه. وكان قد اشتكى للتو لشقيقه الأكبر، مأمون، بأنه ليس لديه أي مال لشراء القات. ذهب مأمون إلى منزله ليأتي ببعض المال لإقراض شقيقه.
 
عندما عاد مأمون، كان خلدون ملقى على الأرض، ينزف من مؤخرة رأسه. ونشرت الدولة الإسلامية، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، على قنواتها الإعلامية الخاصة صور تظهر فيها خلدون وهو ملقى على الأرض ونشرت في وقت لاحق من قبل وسائل الإعلام اليمنية.
 
هرع مأمون لإسعاف خلدون إلى المستشفى، ولكنه كان قد فوات الأوان: أعلن الأطباء وفاة شقيقه الأصغر.
 
في مدينة نيويورك، على بعد أكثر من 7000 ميل من مدينة عدن الساحلية اليمنية، لم يتمكن والد الإخوة محمد غالب من تصديق الخبر.
 
وكان المواطن الأمريكي البالغ من العمر 73 عاماً قد هاجر في عام 2008، بعد زواج إحدى بناته برجل يمني يحمل الجنسية الأمريكية ثم انتقلت إلى ميشيجن.
 
قدم محمد غالب طلباً لخلدون لكي يتبعه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009. محمد لديه خمسة أبناء آخرين في اليمن، لكنه اختار خلدون لأنه الأوسط وهو الأكثر احتياجاً للعمل. كان محمد يعرف مدى صعوبة وطول المعاملات لكي تتمكن من أن تجلب فرداً واحداً من  العائلة إلى الولايات المتحدة.
 
وقال محمد "كنت انتظره وانتظره لسنوات، حتى اليوم الذي قتلوه فيه".
 
وفي شقة له في بروكلين كان محمد يتحدث، وعرض صورة على هاتفه لإبنه خلدون وهو يحمل حفيده. شهق غالب وهو يقاوم دموعه وقال:"ابني.... ليس من السهل بالنسبة لي أن أتحدث عنه. إن هذا يجرحني كثيراً".
 
تأشيرات أبناء المواطنين الأمريكيين المتزوجين يمكن أن تستغرق أكثر من عقد من الزمن للمعاملة. بعد أن قدم محمد غالب اختبار الحمض النووي، أجرى مقابلة الهجرة، وانتظر لمدة ثماني سنوات، أعلن الرئيس دونالد ترامب حظر السفر في يناير كانون الثاني عام 2017.
 
وتم حظر المواطنين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، بما في ذلك اليمن. وسمحت المحكمة العليا ببدء سريان نسخة ثالثة من الحظر في كانون الأول / ديسمبر، مع وقف جميع تأشيرات الهجرة اليمنية.
 
وقد ترك الحظر المفروض على السفر عائلات مثل عائلة غالب محاصرين في حرب أدت إلى مقتل الآلاف وخلقت أزمة إنسانية و تجويع الملايين. اندلع الصراع بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية، المدعومة من التحالف بقيادة السعودية وقوات مسلحة أمريكية، في أوائل عام 2015.
 
 عززت القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تواجدها في اليمن منذ عام 2009، في حين أن داعش، التي تراجعت حالياً في العراق وسوريا، اغتنمت الفرصة للانتقال إلى المنطقة والتسلح في عام 2015. وكانت هذه التهديدات الإرهابية مبرراً لحظر ترامب للسفر، ولكن تركت السياسة اليمنيين أمام وجهات نظر ليبرالية وانتماءات حكومية عرضة للمتطرفين.
 
وقال زيد ناجي، الناشط المجتمعي ونائب رئيس جمعية التجار الأمريكيين اليمنيين في نيويورك: "جزء من السبب الذي لا يُسمح لنا به الدخول إلى الولايات المتحدة هو أنهم يقولون إننا مرتبطون بالإرهابيين، ونحن نُقتل من قبل الإرهابيين".

حتى اليمنيين الذين قد يكونون مؤهلين لإعادة توطينهم كلاجئين يواجهون صعوبات قاسية. في أول أمر تنفيذي من ترامب بشأن الهجرة الذي سمح بدخوله حيز التنفيذ في حزيران / يونيو 2017، حظر جميع اللاجئين لمدة 120 يوما.

وعندما انتهى ذلك في تشرين الأول / أكتوبر، وضع مراجعة لمدة 90 يوما ل 11 بلدا تعتبر شديدة المخاطر، بما في ذلك اليمن.


والد خلدون

وعلى الرغم من أن ذلك يترك إمكانية قبول اللاجئين، فإن تحقيقاً أجرته وكالة رويترز في كانون الأول / ديسمبر أفاد بأنه حتى بعد رفع الحظر، انخفض عدد اللاجئين المقبولين. ووفقاً لخدمات المواطنة والهجرة في الولايات المتحدة، تم توطين سوى 16 يمنيا كلاجئين في السنة 2015، و26 في عام 2016، و21 في عام 2017، ولم يجرِ توطينهم حتى الآن في هذه السنة.
وقال محمد غالب "يعيش اليمنيون تحت الإرهاب منذ ما يقرب من عقد من الزمان".
 
وقال "إن الإرهابيين فى كل مكان، إنهم يحبون جعل الناس يخشون، يريدون أن يقتلوا فقط. هؤلاء هم الناس الذين يعتقدون أنفسهم أنهم مسلمون. لكن الله لا يقول أقتل شعبك".
 
وأضاف "لا نعرف ما يريدون. لا أعرف لماذا استهدفوا ابني".
 
وأتبع مقتل خلدون غالب وقوع عدد كبير من الهجمات ضد المدنيين وقوات الأمن الموالية للحكومة في عدن في نوفمبر / تشرين الثاني 2017. وأعلنت داعش مسؤوليتها عن عمليتي تفجير انتحاريين واثنتين من الاغتيالات، بما في ذلك خلدون، على الرغم من أن الدافع غير واضح.
 
وقالت إليزابيث كيندال، وهي باحثة في جامعة أكسفورد ترصد المتطرفين في اليمن، "إن الاغتيالات التي تعتبر هجمات إرهابية يمكن أن تكون بدافع التنافس السياسي أو النشاط الإجرامي. في صراع الحالي، فإنه من الصعب أن يقال".
 
وتعكس القصة المعقدة أزمة اليمن المتصاعدة، حيث تحول الفصائل الولاءات باستمرار. عندما كانت الحرب على وشك الانذلاع في أواخر عام 2014، انضم خلدون إلى القوات الحكومية التي تقاتل الحوثيين المتمردين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
 
كما أن عائلة غالب هم أيضا مؤيدون لجنوب اليمن، الذي كان بلداً مستقلاً حتى قيام الوحدة في عام 1990. ويحلم محمد غالب، الذي يرحب بالدعم الأمريكي والسعودي للحرب ضد الحوثيين، باليمن الجنوبي المستقل مرة أخرى في يوم من الأيام. وقد احتفل به عندما حاول الجنود الانفصاليون الجنوبيون، بدعم من الإمارات العربية المتحدة، بالقيام بما وصفه رئيس الوزراء بـ"انقلاب" ضد حكومة عدن في يناير / كانون الثاني 2018.
 
وفي هذه الفوضى، ازدهرت الجماعات المتطرفة. وأوضح جيرالد فيرستين، سفير الولايات المتحدة لدى اليمن في الفترة من 2010 إلى 2013، أن انهيار الحكومة يقوض أهداف مكافحة الإرهاب.
 
وقال فيرشتاين للإنترسبت "لقد تمكنوا من توسيع وجودهم في الأماكن التي تأثرت من الصراع الأهلي، حيث مستوى الرقابة الحكومية ضعيف بشكل خاص". وأضاف "بسبب انهيار برنامج يمني قوي لمكافحة الإرهاب معنا، تمكنوا من استعادة الأراضي التي فقدوها".
 
وقد استهدفت السياسة الخارجية الأمريكية بعد 9/11 في اليمن الإرهابيين المسؤوليتهم عن الهجمات الجوية والبرية. وقد قتلت الطائرات بدون طيار منذ عام 2002 ما لا يقل عن 1000 مقاتل وأكثر من 100 مدني في اليمن.
 
في ظل إدارة ترامب، ارتفعت هجمات مكافحة الإرهاب. وتوقفت الغارات، التي قام بها على نطاق واسع بعد أسبوع من توليه مهام منصبه، بعد وفاة أحد أفراد البحرية وعلى الأقل 16 من المدنيين اليمنيين. تضاعفت ضربات الطائرات بدون طيار ثلاث مرات أكثر من عام 2016 إلى عام 2017.
 
وفي يناير 2018، شنت القوات الأمريكية 10 غارات جوية استهدفت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وداعش.
 
هناك أدلة على أن الإضرابات قد تكون فعالة في إضعاف هذه الجماعات، وفقا ل كيندال، الذي يراقب وسائل الإعلام الاجتماعية المتطرفة والتقارير الإخبارية.
 
وقالت كيندال للإنترسبت": "الآن، تتعرض كلتا المجموعتين لضغوط كبيرة".
 
وقد قامت بتتبع قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذين قتلوا بطائرات بدون طيار ومن تبعهم من الأفراد الأصغر سناً والتغيرات في تكتيكات الجماعتين. ووفقا لبحثها، حولت القاعدة في شبه الجزيرة العربية هدفها من الحوثيين إلى الجيش المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، بسبب التهديد الذي تشكله على الجماعة المتطرفة. وانتقلت داعش من التفجيرات الانتحارية المدنية لمقاتلة الحوثيين -باستثناء ارتفاع العنف في تشرين الثاني / نوفمبر الذي أدى إلى مقتل خلدون.
 
ولكن بعد أكثر من 15 عاما من الغارة الجوية الأمريكية الأولى في اليمن، يستمر المتطرفون في التطور، ويسارع خبراء مثل كندال وفيرشتاين إلى الإشارة إلى أن هجمات مكافحة الإرهاب تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، التي يغذيها عدم الاستقرار السياسي والأزمة الإنسانية الحالية.
 
وقال فيرستين: "إذا كنت ستحقق نجاحاً على المدى الطويل وتؤدي بالفعل إلى القضاء على البيئة التشغيلية لهذه المجموعات، فعليك أن تشارك في أمور أخرى مثل بناء القدرات المؤسسية وتطوير القانون والنظام، وتوفير والخدمات، واقناع الناس بأن مصالحهم ستخدم بأفضل وجه عن طريق دعم الحكومة والتعاون معها".
 
وإلى أن يحدث ذلك، لا يزال المتطرفون اليمنيون نشطون وقاتلون. وقال محمد غالب إنه يخشى الآن على أبنائه الخمسة الذين ما زالوا في اليمن.
 
وقال "لا أستطيع السماح لهم بالبقاء هناك لأنهم مطلوبون، ربما مثل شقيقهم". وأضاف "كما قتلوه، ربما يريدون قتل الآخرين. وأخشى على جميع أفراد الأسرة ".
 
ويريد محمد إحضار زوجة خلدون وابنه إلى الولايات المتحدة، ولكن إلى أن تجد المحكمة العليا حلاً لحظر السفر، تظل الأسرة محاصرة بين الإرهاب والحرب.

*نشرت المادة في موقع ذي إنترسبت ويمكن الرجوع لها هنا

*ترجمة خاصة بالموقع بوست.


التعليقات