إطالة أمد الصراع في اليمن الخطر المحدق بالتحالف (تحليل خاص)
- توفيق السامعي الاربعاء, 02 نوفمبر, 2016 - 06:08 مساءً
إطالة أمد الصراع في اليمن الخطر المحدق بالتحالف (تحليل خاص)

[ إطالة أمد الحرب تنهك البلدان ]

منذ اللحظة الأولى للحرب في اليمن كانت هناك فرص متعددة لإنهاء هذه الحرب المجنونة التي أكلت الأخضر واليابس وتمضي بخطى متسارعة نحو مجاعة شاملة في اليمن لا سمح الله لأحد الطرفين، واختصار الكم الهائل من المآسي والأحزان التي حلت باليمن من كل الأطراف لتصل بمآسيها إلى دول التحالف نفسه بصور مختلفة.
 
منذ تلك اللحظات كنت وغيري كثير ننظر إلى نقطة الضعف الرئيسة التي يدركها كل من له نظرة عسكرية فاحصة ومن خبرة تاريخ الدول ونشأتها واطلاعه على الحروب التاريخية المختلفة، وهي إطالة فترة الحرب، بما تعنيه من دهاليزها ومنعرجاتها وطياتها التي لا تعرف منتهاها ولا أي طريق ستسلك أو ما ستجره من جراح مختلفة على أطرافها جميعاً.
 
مرتكزان
 
مرتكزان رئيسيان فقط هما من أهم أسباب الانتصارات أو النكسات في الحروب وتحقيق أهدافها وهما: إما الحرب الخاطفة السريعة التي تحقق أهدافها دون دفع مزيد من الأثمان، أو ضده وهي الحرب الطويلة وما تجره وتسببه من انتكاسات وجراح لا تندمل ومآسٍ لا تنتهي، والمرتكز الثاني: التمدد في الجبهات العسكرية وفتح أكثر من جبهة دون المضي حتى النهاية بدعم تلك الجبهات وتحريكها نحو غاياتها التي رسمت من أجلها.
 
كل العوامل الأخرى تهون أمام هذين العاملين وتبقى مسائل فنية أو مادية ولا تدخل دولة من الدول أو جيش من الجيوش حرباً ما إلا وقد اتخذت كافة الإجراءات والوسائل لهذه الحرب من عتاد وعدة وعدد ومال وخطط وأهداف وبرامج يمضي نحوها حتى النهاية.
 
إطالة أمد الحرب والصراع ينهك دولاً وإمبراطوريات مهما كانت جاهزة لخوض هذه الحروب، وتؤدي هذه الإطالة إلى إنهاك الموازنة المالية للدولة وإلى ضعف وتذمر في الشعوب والمؤسسات والجيوش مما يبدأ بخلخلة تماسك الصف الداخلي وانهيار المعنويات القتالية لدى الجيوش، وترشيد النفقات والتقشف الداخلي، وتخلخل التحالفات البينية إن وجدت هذه التحالفات.
 
 وأهم من ذلك كله تجعلها عرضة للابتزاز في المواقف الدولية والإقليمية والتدخلات الخارجية للدول المتربصة كالضبعة التي تنتظر فريستها، وكذلك امتصاص كل طاقات الشعوب وكثرة إزهاق الأرواح ومخلفات الجرحى، وكثرة استهلاك الأسلحة والنفقات اليومية للحرب، وتشريد المواطنين، وبعد هذا وذاك تظهر في الميدان مجالات وأبواب لم تكن بالحسبان مما يضاعف في النفقات، خاصة إذا ما علمنا أن الحروب محرقة الأموال.
 
حينما يصل الأمر إلى هذا الحد يبقى فقط تطبيق قاعدة عنترة بن شداد في الصراع وعض الأصابع أي الطرفين الذي سيعلن توجعه سريعاً ويستسلم للآخر دون الصبر وتحمل التبعات!
 
اسباب الانتصار غائبة
 
يذكر المحللون الاستراتيجيون الغربيون والخبراء العسكريون الذين كانوا يرقبون الحروب الأمريكية المختلفة على العالم الإسلامي في العراق في بداية التسعينات وبداية الألفية الثالثة وفي أفغانستان أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تحارب لمدة عام كامل بشكل متواصل لأن الشعب الأمريكي غير صبور والموازنات الضخمة لا تتحمل الصمود خاصة في الشرق الأوسط وبعيداً عن الديار بآلاف الأميال، ولذلك كانت تعتمد على الحروب الخاطفة بعد أن تهيئ لها كافة الأسباب للإنتصار، وإذا ما شعرت بتغير الظروف على الأرض وقد ينهكها ذلك تلجأ لخيارات أخرى أهمها الاستعانة بالحلفاء الداخليين والإقليميين لاختصار تلك المسافات الزمنية.
 
نفس الشيء ينطبق على (إسرائيل) وأجرى الباحثون دراساتهم الاستراتيجية على ذلك، وقالوا إن أطول فترة ممكنة أن تخوض فيها إسرائيل الحرب ما بين ستة أشهر إلى سنة فقط بعد ذلك تبدأ بالحث عن وساطات مختلفة أو تنقذها الحليفة الأم (أمريكا) بمواقف دولية تملي فيها شروطها على الأطراف الأخرى مع تقديم بعض التنازلات كما فعلت مع غزة عام 2012.
 
حينما واجه الغرب عدوهم الاتحاد السوفييتي سابقاً في الثمانينات بما كانت تسمى بالحرب الباردة جعلوها تخوض حرباً استنزافية مع المجاهدين الأفغان والمسلمين ومؤيديهم ومناصريهم من العرب طيلة عقد كامل، أدى في نهاية المطاف إلى انهيار الإمبراطورية السوفييتية ولم تتعافى منه حتى اليوم، وخرجت مفككة إلى دويلات، مما جعل الروس يعون هذا الدرس جيداً والعمل على تجنبه مؤخراً في الشيشان وفي سوريا مؤخراً.
 
تشتيت الجبهات
 
وأما العامل الآخر وهو تشتت الجبهات وتمددها، فقد أدى هذا الأمر إلى انهيار الإمبراطورية الألمانية، وكان أكثر العوامل التي أدت إلى هزيمة الألمان أمام الحلفاء في الحرب العالمية الثانية والذي ابتدأ في مدينة ستالينجراد الروسية ولحقه انهيار الجبهات في بقية الدول الأوروبية الأخرى.
 
إطالة أمد الصراع في اليمن بين القوى المنتمية للشرعية وعلى رأسها الجيش الوطني ومعه التحالف العربي من جهة، وبين المليشيات الانقلابية ومن يدعمها من أطراف إقليمية ودولية ظاهرية وخفية هو جزء من الصراع الكلي في المنطقة العربية من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن، لكن حسم المسألة اليمنية سيؤدي إلى هزيمة المشروع الآخر المتمثل في المشروع الإيراني والتفرغ له في سوريا، غير أن ما يهدد نجاح هذا الانتصار هو إطالة المدة الزمنية للصراع الذي حتماً سيضعف الطرفين لكن الطرف الانقلابي ليس لديه ما يخسره فهو مشروع مليشوي يذوب ثم يعود، لكن الخسارة الفعلية ستكون في طرف الدولة والشرعية ومن ورائه التحالف العربي.
 
صراع دولي
 
يتهدد هذا التحالف عاملان رئيسيان بسبب طول مدة الصراع، وهما: التدخلات الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة بحلفاء مخفيين للمشروع الإيراني الذي سلم المنطقة مقابل المشروع النووي، وكذلك تفكك التحالف ذاته، ومؤشرات هذا الجانب هو تقرير وإحاطة ولد الشيخ الأخير أمام مجلس الأمن، وكذلك تململ بعض دول التحالف من هذا الصراع وتربصه اللحظة لفك الارتباط بالتحالف بحجة خارطة السلام التي يسوقها مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ، وهو ما أيدته الإمارات العربية المتحدة التي لا تعنيها تمدد المشروع الفارسي كما هو واضح.
 
وبالعكس ترى المملكة العربية السعودية مسألة حسم الصراع في اليمن مسألة حياة أو موت ونجاح المشروع الفارسي في اليمن هو هزيمة للمشروع العربي الذي تتبناه المملكة اليوم، ما يعني تمدد المشروع الفارسي على حساب العرب خاصة وأنها تجاهر بذلك وتحشد مليشياتها في الداخل العراقي وفي اليمن وفي سوريا وفي الداخل الإيراني للانقضاض على الدول العربية في الخليج.

حقائق 
 
ثمة حقائق لا تريد دول التحالف الاعتراف بها، وهي عدم قبولها بالتحالف مع الإصلاح في الداخل اليمني وتحيد التعامل معه حتى اللحظة، في الوقت الذي تبحث فيه على الأرض عن قوى أخرى بديلة بحيث لا تقدم تنازلات للتحالف مع الإصلاح الذي تعتبره امتداداً للإخوان المسلمين، ولا تستطيع التعويل على الناصريين والاشتراكيين لما أبدوه من مواقف ضبابية في التعامل مع المشروع الانقلابي من خلال ما عكسته بياناتهم الأخيرة وموقفهم من الحرب والتحالف، وكل من الناصريين والاشتراكيين لعبوا على مسألة انقسام الحزبين قسم مع الانقلابيين وقسم مع الشرعية وهي مواقف لا تعول عليها دول التحالف، وسيكون عليهم حسم موقفهم بدلا من التذبذب القائم.
 
في هذا الوقت من البحث عن بدائل وحلفاء جدد صحيح أنها بدأت ببناء جماعات جديدة إلا أنها لا ترى فيها من يحقق النصر سريعاً، وبين هذه الفترة الزمنية يجري استنزاف التحالف وطرف الشرعية على أكثر من صعيد؛ دبلوماسية، ومالاً، وأرواحاً بشرية، وعتاد عسكري ومعدات، واقتصاداً، وضعف وتفكك التحالفات.
 
بينما يكمن الحل في إعادة تقييم التحالفات الداخلية والخارجية وتقييم الوضع العسكري على الأرض ورفد الجبهات بكل ما تحتاج من أسلحة ومال، والتركيز على الجبهات المهمة والفاعلة التي ستعجل بهزيمة المشروع الانقلابي، وتكريس كل الجهود فيها وهما جبهتي نهم وجبهة البقع كتاف.
 
أما غير ذلك فإن الجبهات المشتتة ستكون عامل استنزاف للشرعية والتحالف على السواء لا أكثر.
 


التعليقات