اندلاع ثورة جياع في اليمن.. بين الممكن والمستحيل (تحليل خاص)
- عبد السلام قائد السبت, 05 نوفمبر, 2016 - 10:33 مساءً
اندلاع ثورة جياع في اليمن.. بين الممكن والمستحيل (تحليل خاص)

[ إمكانية اندلاع ثورة جياع تواجهها العديد من المعوقات ]

ازدادت في الآونة الأخيرة التكهنات بإمكانية اندلاع ثورة جياع في اليمن، من شأنها أن تخلط الأوراق وتزيد من إثارة الفوضى، وذلك بعد أن ازدادت الأوضاع المعيشية تدهوراً حاداً خلال الأشهر الأخيرة، بسبب ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار وأزمة مرتبات الموظفين الحكوميين بعد توقف رواتب وأعمال غالبية موظفي القطاع الخاص.
 
وبالنظر إلى الأوضاع العامة في البلاد، فأسباب اندلاع ثورة جياع تبدو مكتملة، لكن هناك العديد من العوائق التي تقف حائلاً دونها، وبين هذا وذاك، إلى أين تقودنا الأوضاع، وما هي الخيارات البديلة للجوعى إذا لم يستطيعوا القيام بثورة قبل أن يقتلهم الجوع؟!
 
عوامل قيام الثورة
 
هناك العديد من العوامل التي تجعل من مسألة اندلاع ثورة جياع مسألة وقت فقط، في حال استمر تدهور الأوضاع المعيشية بنفس الوتيرة الحالية لبضعة أشهر، هذه العوامل هي:
 
- ارتفاع معدل البطالة: ارتفع معدل البطالة في اليمن بشكل مخيف منذ انقلاب تحالف الحوثي - صالح على السلطة الشرعية، فهذا الانقلاب تسبب في انهيار القطاع الخاص والاستثمارات، وتوقف مرتبات وأعمال موظفي القطاع الخاص، ومؤخراً أزمة رواتب القطاع الحكومي، وعدم وجود بدائل أخرى أمام العاطلين الجدد في الأعمال الحرة والحرف اليدوية، بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين.
 
- غلاء الأسعار: ارتفاع معدل البطالة قابله ارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية الضرورية، الأمر الذي فاقم من معاناة معدومي الدخل، وانتشار الجوع في الكثير من المدن والأرياف، فبعض الأسر تعيش على وجبة طعام واحدة في اليوم، والبعض تحصل على وجبة طعام كل يومين أو ثلاثة أيام، وهناك قصص مؤلمة لحالة الجوع في العاصمة صنعاء يتداولها المواطنون كمثال على ذلك، منها تساقط عدد من طلاب وطالبات المدارس في الطابور الصباحي بسبب الجوع، وتساقط بعض المصلين أثناء الصلاة في المساجد بسبب الجوع أيضاً، وهناك من يسقط وهو يمشي في الشارع بسبب الجوع، وهذا السقوط في الحالات السابق ذكرها يعرف بـ"الدوخة".
 
- اليأس: ازدادت حالة اليأس في أوساط المواطنين من إمكانية انتهاء الأزمة الحالية في القريب العاجل أملاً في وضع حد لمعاناتهم، وتسببت حالة اليأس في زيادة القلق والتوتر، فالأزمة لن تحل سياسياً ولن تحسم عسكرياً في القريب العاجل، ولا أحد يدري متى ستنتهي، ولذا، فحالة اليأس والتوتر والقلق وازدياد البطالة وغلاء الأسعار والجوع، كلها عوامل كفيلة باندلاع ثورة جياع، لكن، هل ستندلع الثورة، أم سيستسلم الجياع لمصيرهم المحتوم بسبب معوقات الثورة واليأس من إمكانية نجاحها؟!
 
معوقات اندلاع الثورة
 
هناك العديد من المعوقات التي تقف حائلاً أمام إمكانية اندلاع ثورة جياع في اليمن، سنوجزها كما يلي:
 
- عدم وجود قوى تتبنى الثورة: إن عدم وجود قوى تتبنى الثورة، سواء كانت قوى سياسية أو اجتماعية، وتحشد لها وتنظمها، يعني أن معاناة الجوعى ستستمر، وذلك بسبب إنشغال مختلف القوى الفاعلة بالحرب ضد الانقلابيين، وجميع جهودها تصب في هذا الإتجاه، كما أن الحديث عن ثورة جياع ينحصر على بعض النخب، وأغلبها نخب إنتهازية وليس لديها شعبية تؤهلها لقيادة ثورة جياع أو الدعوة لها.
 
- عنف الميليشيات الانقلابية: إن العنف الذي تمارسه الميليشيات الانقلابية ضد معارضيها ستجعل المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها يؤثرون الصمت والسلامة، خاصة وأن القبضة الأمنية للميليشيات قوية في المدن الكبيرة مثل العاصمة صنعاء وغيرها.
 
- الخوف من الفوضى الإقليمية: إن تداخل الملفات الساخنة على مستوى الإقليم يجعل الجياع يحجمون عن القيام بثورة، وذلك خوفاً من استغلال قوى أجنبية لأي ثورة طارئة للتدخل العسكري المباشر في الشأن اليمني، وتحويل البلاد إلى ساحة لحروب متعددة بين قوى إقليمية ودولية، كما هو الحال في سوريا.
 
- اليأس والذاكرة السلبية: لا يعول الجياع على الثورات لتحقيق التغيير، وذلك بسبب ما حدث بعد ثورات الربيع العربي من مؤمرات محلية وإقليمية ودولية دعمت الثورات المضادة، وهنا تتفاقم الخشية من أن تؤدي أي ثورة شعبية إلى سوء الأوضاع وتعقدها أكثر فأكثر.
 
- عدم ملاءمة الأوضاع الميدانية: في الواقع، لا تشجع الأوضاع الميدانية في اليمن الجوعى على القيام بثورة، فالبلاد في حالة حرب، وثورة الجياع هي في الأصل تندلع ضد حكومة البلاد في أوضاع مستقرة نسبياً، وعادة ما تبدأ بالاحتجاجات، ثم الاصطدام مع الأجهزة الأمنية ومهاجمة المقرات الحكومية، وفي حالة اليمن، هناك سلطة انقلابية في العاصمة تمارس العنف والإجرام ضد معارضيها وتسيطر على جزء من البلاد، وأخرى سلطة شرعية تسيطر على الجزء الآخر من البلاد ومشغولة بالحرب على الانقلابيين، فما هي الجهة التي ستندلع الثورة ضدها في المحافظات المحررة والمحافظات الغير محررة من سيطرة الانقلابيين؟!
 
- الخوف من المجهول: خوف الجياع من المجهول يجعلهم يحجمون عن القيام بثورة، فالبلاد منقسمة بسبب الحرب، والفوضى الإقليمية تطل بشبحها الطائفي المرعب، والدول الكبرى تشجع الفوضى وتعمل على استمرارها من وراء الكواليس، ولا يوجد طرف بديل مؤهل لقيادة ثورة الجياع وتنظيمها والسيطرة على السلطة تحت حماية الجوعى ويكون قادراً على تلبية مطالبهم، وذلك بسبب اختلال موازين القوى، وتزايد الصراع المسلح.
 
 الخيارات البديلة
 
وإذا كانت الأوضاع العامة في البلاد لا تشجع على اندلاع ثورة جياع رغم توفر أسبابها، فما هي الخيارات البديلة للجوعى للتعبير عن استياءهم؟ وما هو السيناريو الكارثي الذي ينتظر البلاد؟!
 
هناك خياران أمام الجوعى، إما الاستسلام للجوع حتى الهلاك، أو التحرك وفق ما هو متاح، والمتوقع أن الجوعى سينقسمون بين هذين الخيارين، القسم الأول منهم سيستسلم للجوع والأمر الواقع، وانتظار ما يجود به أهل الخير ومنظمات الإغاثة الإنسانية إن وجد وإلا انتظار الهلاك والموت جوعاً، والقسم الآخر سيلتحقون بجبهات القتال باعتبار ذلك الخيار المتاح والبديل عن ثورة مصيرها الفشل، أو باعتباره ثورة بحد ذاتها، حتى يتحقق النصر ضد من أوصلوا البلاد إلى هذا الوضع الكارثي.


التعليقات