السلطة الشرعية اليمنية.. والمواقف الوطنية المحرجة للأمم المتحدة (تحليل خاص)
- عبد السلام قائد الاربعاء, 09 نوفمبر, 2016 - 07:02 مساءً
السلطة الشرعية اليمنية.. والمواقف الوطنية المحرجة للأمم المتحدة (تحليل خاص)

[ الحكومة فأجئت الامم المتحدة بموقف صلب ردا على مبادرة ولد الشيخ ]

تبدو الأمم المتحدة في موقف حرج بعد المواقف الأخيرة الصلبة للسلطة الشرعية اليمنية بخصوص آليات الحل السلمي للأزمة اليمنية، خاصة وأن مواقف السلطة الشرعية تتشبث بما أسمته "المرجعيات الثلاث" التي يجب أن يستند إليها أي حل سياسي وسلمي للأزمة اليمنية، وأحد هذه المرجعيات قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2216).
 
ينطلق موقف السلطة الشرعية من عدالة قضيتها، وقوتها على الأرض، وسيطرتها على أكثر من ثلثي مساحة البلاد، وتمثيلها للشعب اليمني، فيما تستند مساعي الأمم المتحدة إلى أجندة الدول الكبرى المتعلقة بسياساتها الرامية إلى تفكيك الدول العربية وصناعة تحالفات جديدة تكرس الحالة الطائفية والمذهبية.
 
مواقف وطنية
 
المتأمل في مواقف السلطة الشرعية من مبادرات الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية، سيجد أنها تحرص بدرجة رئيسية على إنهاء مظاهر الانقلاب تماماً، ويتضح ذلك في خطاب الرئيس هادي الأخير، والذي علق فيه على مبادرة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ الأخيرة، حيث وصف الرئيس هادي المبادرة بأنها تؤسس لحروب مستدامة، وأنها تتعارض مع المرجعيات الثلاث لأي حل سياسي وسلمي.
 
لم يكن الرئيس هادي أول من اتهم الأمم المتحدة بالتأسيس لحروب مستدامة في اليمن، بل فهذه التهمة سبق أن وجهها اليمنيون للأمم المتحدة أول مرة أثناء مساعيها لوقف إطلاق النار إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث كان المبعوث الأممي حينها، رالف بانش (أمريكي الجنسية) يلعب أدواراً تشبه نفس أدوار إسماعيل ولد الشيخ، ومن قبله جمال بن عمر، ومن قبلهما الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي أثناء حرب صيف 1994 الأهلية.
 
من جانبه، طالب عبدالملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، مبعوث الأمم المتحدة بخارطة طريق تنطلق من مرجعيات السلام ومقترحات المشاورات السابقة. وتأتي تصريحات الرئيس هادي والوزير المخلافي بعد أن شهدت محافظات يمنية عدة مظاهرات شعبية مساندة للرئيس هادي والسلطة الشرعية ورافضة لمبادرة إسماعيل ولد الشيخ الأخيرة، التي اعتبرتها السلطة الشرعية بأنها تشرعن الانقلاب وتؤسس لحروب مستدامة.
 
وهناك إجماع بين مختلف مكونات السلطة الشرعية على ضرورة أن يستند أي حل سياسي وسلمي للأزمة اليمنية على المرجعيات الثلاث، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن (2216)، باعتبار هذه المرجعيات تمثل الحد الأدنى للقضاء على مظاهر الانقلاب، وهي مرجعيات واقعية وغير قابلة للمساومة، وتحظى بإجماع الداخل والإقليم، ولا تتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة.
 
ورغم أن مبادرة إسماعيل ولد الشيخ الأخيرة تشرعن للانقلاب، إلا أن الانقلابيين رفضوها، وطالبوا من المبعوث الأممي في زيارته الأخيرة لصنعاء بإجراء تعديلات على المبادرة بشكل يقضي على السلطة الشرعية ولا يمس الانقلابيين بسوء، ذلك لأن محتوى المبادرة فتح شهيتهم لطلب المزيد من التعديلات بما يرسخ الانقلاب ويجعل منه سلطة أمر واقع وتحظى بالاعتراف وتنتزع الشرعية من أصحابها الحقيقيين.
 
سنوات الفشل
 
منذ تأسيسها عام 1945، لم تنجح منظمة الأمم المتحدة في حل أي أزمة يمنية، رغم تدخلها في ثلاث محطات رئيسية في تاريخ البلاد، الأولى أثناء الحرب بين الجمهوريين والملكيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، والثانية أثناء حرب صيف 1994 الأهلية، والثالثة بدأت قبل انقلاب ميليشيات الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية، ومازال التدخل مستمراً رغم الفشل.
 
بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الإمامة، طلب الأمين العام للأمم المتحدة حينها، الراحل يوثانت، من الدبلوماسي الأمريكي رالف بانش أن يكون مبعوثه الخاص إلى اليمن، لكن بانش فشل في مهمته، واتهمه اليمنيون حينها بالعمل على استمرار وإطالة الحرب، وتسهيل إيصال السلاح لطرفي النزاع، وقضى بانش معظم وقته في رحلات مكوكية بين مصر والسعودية لإقناعهما بالانسحاب من الصراع دون أن يضع حلولاً بديلة.
 
انسحبت بعثة الأمم المتحدة من اليمن في سبتمبر 1964 بعد أن قضت 14 شهرا فقط في البلاد، واقتصر دورها على مراقبة انسحاب محدود لبعض وحدات الجيش المصري من المعركة، ووقف الدعم السعودي، حيث تم نشر قوات أممية من كندا ويوغسلافيا في الحدود اليمنية السعودية وبعض الجبهات لمراقبة حركة القوافل ومنع إيصال الأسلحة، لكن عدد أفراد هذه القوات كان محدوداً، وكانت هناك طرق بديلة لإيصال السلاح لطرفي الصراع، كما أن المبعوث الأممي حينها لم يستطع الالتقاء بزعماء القبائل في الداخل، واقتصرت تحركاته الدبلوماسية على القاهرة والرياض فقط، ثم انسحب وانتهت مهمته بالفشل، واستمرت الحرب حتى عام 1970 بإجراء مصالحة بين الملكيين والجمهوريين برعاية سعودية.
 
وكذلك فشل المبعوث الأممي إلى اليمن الأخضر الإبراهيمي في مهمته، أثناء حرب صيف 1994 الأهلية، ولم يتمكن من طرح مبادرة مقبولة تسهم في وقف إطلاق النار وتقرب وجهات النظر بين طرفي الصراع، وانتهت الحرب بدون مساعي جادة للأمم المتحدة في إيقافها.
 
أما مساعي الأمم المتحدة بخصوص الأزمة الحالية في اليمن، فقد عرت هذه المساعي المنظمة الأممية تماماً، وكشفت عن زيفها، وأنها ليست سوى أداة بيد الدول الكبرى لتمرير أجندتها، واتهمها اليمنيون بمختلف أطيافهم -ما عدا الفئات العنصرية الموالية للانقلابيين- بأنها تعمل على إنقاذ الميليشيات الانقلابية كلما أوشكت على الهزيمة في جبهة ما، وأنها تشرعن للانقلاب، وأن مساعيها بمثابة تخدير للسلطة الشرعية والمقاومة الشعبية بغرض إنهاكهما حتى يقوى عود الانقلاب.
 
استحالة الحلول الوسط
 
في الواقع، لا يمكن للأمم المتحدة أن تنجح في حل الأزمة اليمنية سلميا، فهي لا تمتلك وسائل القوة والنفوذ التي تمكنها من فرض رؤيتها بالقوة، وإجبار طرفي الصراع على القبول بمبادرتها، كما أنها لم تدرك خصوصية الواقع اليمني المعقد، وتداخل أزماته مع أزمات الإقليم بشكل عام، بالإضافة إلى تأثير عوامل تاريخية واجتماعية وجغرافية ذات خصوصية يمنية بحتة.
 
كما أن طبيعة الصراع في اليمن تجعله غير قابل للحلول الوسط، فالصراع يبدو من الناحية الظاهرية صراعاً بين سلطة شرعية وانقلابيين، وبالتالي لا يوجد حل وسط يفضي إلى قبول طرف بنصف انقلاب مقابل قبول الطرف الآخر بنصف سلطة شرعية.
 
ومن الناحية العملية، فالصراع بين طرف يريد الحرية والديمقراطية وأن يكون الشعب مالك السلطة ومصدرها، وطرف يرى أنه الوحيد الأحق بالسلطة والثروة ويدعم رؤيته بتأويلات دينية خرافية، وبالتالي، لا يوجد حل وسط يفضي إلى قبول طرف بنصف سلطة عنصرية مقابل قبول الطرف الآخر بنصف سلطة ديمقراطية، ويبقى في كل الأحوال الحسم العسكري هو الحل، ومهما كانت كلفته إلا أنها ستكون أقل من كلفة أي حل آخر على المدى البعيد.

(تحليل خاص)


التعليقات