الحوثيون نموذجاً.. لماذا تتعامل الدول الكبرى مع الميليشيات المسلحة رغم عدم شرعيتها؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الاربعاء, 16 نوفمبر, 2016 - 08:00 مساءً
الحوثيون نموذجاً.. لماذا تتعامل الدول الكبرى مع الميليشيات المسلحة رغم عدم شرعيتها؟ (تحليل خاص)

على العكس مما كان سائداً في السابق، لوحظ أن الدول الكبرى اتجهت للتعامل مع الميليشيات المسلحة في البلدان العربية التي تشهد حروباً أهلية، بما فيها اليمن، بل وتمد هذه الجماعات، في أحيان كثيرة، بمختلف أشكال الدعم (دعم سياسي للحوثيين في اليمن، ودعم عسكري لميليشيات الحشد الشعبي في العراق والميليشيات الكردية في سوريا).
آ 
هذا التغير في إستراتيجية الدول الكبرى في التعامل مع الفاعلين من غير الدول يكشف عن دلالات هامة تتعلق ببعدين رئيسيين، يتمثل الأول في الترتيبات الأمنية التي تخطط لها الدول الكبرى، خاصة ما يتعلق بالحرب على الإرهاب والبحث عن أدوات للنفوذ السياسي، وأما الثاني فيتمثل في ترسيخ سياسة تفتيت وتقسيم العالم العربي بغرض إنهاكه واستنزاف قدراته في حروب أهلية عبثية.
آ 
- تفاهمات أمريكية روسية
آ 
إن تعامل الدول الكبرى مع الميليشيات المسلحة في الدول العربية التي تشهد حروباً أهلية يعكس بدرجة رئيسية تفاهمات أمريكية روسية، باعتبار هاتين الدولتين أكبر الدول المنخرطة في قضايا الشرق الأوسط، وأبرز الدول التي تتعامل مع الميليشيات المسلحة، أو الفاعلين من غير الدول، بما يتناسب مع مصالحها، وسعيها إلى دائرة توسيع نفوذها.
آ 
هناك قضيتان رئيسيتان تشكلان نقطة التقاء للسياسات الأمريكية والروسية في الشرق الأوسط، الأولى مكافحة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم (داعش)، والثانية حماية أمن إسرائيل، وبالتالي، فإن تعامل هاتين الدولتين ومن دار في فلكهما مع الميليشيات المسلحة، بما يتواءم مع سياساتها في الشرق الأوسط، يكشف مدى الخلل الأخلاقي في إستراتيجية الدول الكبرى بخصوص تعاطيها مع قضايا المنطقة التي تعد أكثر منطقة في العالم تشهد اضطرابات سياسية وعسكرية.
آ 
استفادت ميليشيات الحوثيين، وشبيهاتها في العراق وسوريا، من هذه الإستراتيجية كثيراً، كونها منحتها ما يمكن وصفه بـ"الشرعية السياسية"، إن جاز التعبير، بما يجعل منها أدوات مهمة بيد الدول الكبرى، سواء في حربها على الإرهاب، أو في توسيع دائرة نفوذها من خلال التحالف مع هذه الميليشيات، أو الاستفادة منها في تفتيت الدول والمجتمعات العربية، وإبقاءها رهينة صراعاتها البينية المزمنة، كون ذلك سيضمن تفوق إسرائيل، وسيحول دون ظهور دول ديمقراطية قوية تشكل خطراً على أمن إسرائيل ووجودها.
آ 
- ورقة الحوثيين
آ 
منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن، بسبب انقلاب المخلوع علي صالح والحوثيين على السلطة الشرعية، تتعامل روسيا مع الحوثيين بشكل يبعث برسائل سلبية للسلطة الشرعية ودول التحالف العربي، رغم اعترافها بالسلطة الشرعية، وتؤكد في نفس الوقت أنها تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم أحد المكونات السياسية الفاعلة، رغم أنهم ليسوا حزباً سياسياً معترف به، ولم يحصلوا على ترخيص من الدولة لمزاولة العمل السياسي تحت أي مسمى، والغريب أن مواقفها في مجلس الأمن -أي روسيا- تبدو مساندة للانقلابيين، وحارسة للمشروع الإيراني.
آ 
من جانبها، تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ميليشيات الحوثيين بشكل يشبه تعامل روسيا معها، ويتضح ذلك من مبادرة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لحل الأزمة اليمنية، التي تقدم بها قبل أكثر من شهرين، والتي اعتبر فيها أن ميليشيات الحوثيين أقلية في اليمن، وأنه يجب إشراكها في السلطة وفقاً لهذا المبدأ. وقبل ذلك، رفضت الإدارة الأمريكية إدراج ميليشيات الحوثيين ضمن الجماعات الإرهابية، وتكرر هذا الرفض منذ أن دعتها الحكومة اليمنية لذلك في عهد المخلوع علي صالح، أثناء الحروب الست في صعدة، رغم أن هذه الميليشيات ترفع شعار "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل... الخ".
آ 
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تتعاملان مع الميليشيات المسلحة في العراق وسوريان وتقدمان لها الدعم العسكري بذريعة مكافحة الإرهاب، فما هو المبرر لتعاملها مع ميليشيات الحوثيين في اليمن، رغم انقلابها على السلطة الشرعية، ومصنفة من قبل بعض الدول الخليجية كجماعة إرهابية؟.
آ 
- دلالات متعددة
آ 
في الحقيقة، لا يوجد فرق في أهداف كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في تعاملها مع الميليشيات المسلحة، أو الفاعلين من غير الدول، في الدول العربية التي تشهد اضطرابات سياسية وعسكرية، وهناك ثلاثة دلالات مختلفة لهذا التعامل، هي كالتالي:
آ 
أولاً، هناك تنافس بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، باعتبارهما من أكثر الدول المعنية بأزمات المنطقة والأكثر انخراطاً فيها، وبالتالي فهما تتنافسان على تأسيس علاقات مع الميليشيات المسلحة، من أجل توظيفها في مناطق الصراع المختلفة، بما يخدم مصالحها، مع مراعاة أن لا يؤثر ذلك على مصالح أياً من البلدين.
آ 
ثانياً، هناك أدوراً مؤجلة لهذه الميليشيات، في نظر الدول الكبرى، خاصة الميليشيات التي حرصت على تأسيس أجنحة سياسية وأخرى عسكرية، وهذا يعني أن هذه الميليشيات في طريقها للتحول إلى أطراف رئيسية، وسيكون لها دور في إعادة صياغة الترتيبات السياسية والعسكرية والأمنية في مناطق الاضطرابات، وبالتالي، فإن التعامل معها يعني صياغة تحالفات مبكرة بما يخدم مصالح الدول الكبرى.
آ 
ثالثاً، بما أن العالم العربي يمر بمرحلة عاصفة من التغيرات والأزمات المتداخلة، وبما أن هذه الميليشيات تعد بمثابة الزيت فوق النار، كونها ميليشيات طائفية عابرة للدول القومية، فإنه سيكون من السهل استخدامها كأوراق للابتزاز السياسي من جانب، وأدوات لتمزيق الشعوب العربية من جانب آخر.
آ 


التعليقات