الدور الخارجي في اليمن خلال 2016... حضور فاعل للشرعية واستجداء باهت للانقلابيين (تحليل)
- عبدالسلام قائد الاربعاء, 04 يناير, 2017 - 04:00 مساءً
الدور الخارجي في اليمن خلال 2016... حضور فاعل للشرعية واستجداء باهت للانقلابيين (تحليل)

[ وفد الحكومة اليمنية في الكويت - ارشيف ]

يتسم الدور الخارجي في اليمن بقوة الحضور عبر تأريخها، وفي مختلف محطات الصراع التي خاضتها منذ قرون، وهو حضور تفرضه طبيعة القوى في الداخل، و مستوى الاحداث التي شهدتها البلاد، وتأثيرها وتأثرها بالظروف الخارجية.
 
وحضر هذا الدور بشكل أقوى منذ اندلاع ثورة الشباب مطلع العام 2011م، والتي توجت بالمبادرة الخليجية، كخريطة طريق للوضع في اليمن.
 
ومنذ ذلك الوقت بات الملف اليمني بيد القوى الممسكة به، وهي أطراف عديدة، تبدأ من رعاة المبادرة الخليجية المكون من عشر دول، اضافة للطرف الأقوى والأهم، وهو دول التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج.
 
وبالنظر لتطورات الحضور الخارجي للملف اليمني منذ العام 2011م، يتبين انه بمراحل عديدة، ابتدأت بالجهد السياسي من خلال المبادرة الخليجية، التي نظمت عملية الانتقال السلمي للسلطة، وانتهاء بمؤتمر الحوار الوطني الذي وضع الاسس للدولة اليمنية بمشاركة مختلف القوى السياسية اليمنية.
 
وظل هذا الدور الخارجي منحصرا على دول الخليج العربي التي قدمت مبادرتها الشهيرة، وأيدها لاحقا المجتمع الدولي بما في ذلك الامم المتحدة، التي اختارت مبعوثين لها في اليمن للمتابعة والاشراف على تنفيذها، عبر مبعوثين اثنين.
 
جهود خارجية مستمرة
 
لكن عقب الانقلاب الذي قامت به مليشيا الحوثي مدعومة بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، على الشرعية في اليمن، انتقل العامل الخارجي الى الجهدين العسكري والسياسي في وقت واحد، ثم ظهرت لاحقا مؤشرات على تدويل الملف اليمني بشكل أوسع، على يد لاعبين دوليين كروسيا التي تظهر ليونة تجاه طرف الانقلاب، بحكم تحالفها مع إيران، ثم ايران نفسها التي بات واضحا انها الراعية الكبرى للانقلاب، ثم بريطانيا وأمريكا اللتان ترتبطان بالتحالف العربي، ويسعى لاحتواء موقفهما، من خلال اللجنة الرباعية المشتركة المشكلة من كلاً من وزراء خارجية بريطانيا، وأمريكا، والسعودية، ودولة الامارات.
 
كل ذلك أفرز واقعاً مغايرا في اليمن خلال العام 2016م، بالنسبة للدور الخارجي، ويمكن القول ان هذا الدور سار في ثلاثة اتجاهات.
 
تمثل الاتجاه الاول باستمرار الدور العسكري للتحالف العربي وحلفاءه في العمليات العسكرية المتواصلة ضد الانقلابيين في اليمن، وتحرير الاراضي اليمنية من سيطرتهم في أكثر من جبهة عسكرية، اضافة لردع تمددهم نحو الاراضي السعودية، وصد الهجمات المتكررة على الحدود.
 
لذلك ظل الدور العسكري قائما، من خلال العديد من الاوجه، كدعم الجيش الوطني، وإعادة بناءه، اضافة استمرار العمليات العسكرية الجوية التي تستهدف مواقع تابعة للمليشيا داخل اليمن، (ويمكن الرجوع هنا الى التقرير الخاص بحصاد العام 2016م العسكري داخل اليمن للاطلاع اكثر على هذا الجانب).
 
الاتجاه الثاني كان من خلال الجهود السياسية الموازية التي بذلتها قيادة التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، من خلال مفاوضات الكويت بمحطاتها الاثنتين بين وفدي الشرعية والانقلاب، ومن خلال المحادثات الجنوبية بين حكومة المملكة العربية السعودية، ومفوضين من مليشيا الحوثي في ظهران الجنوب.
 
و الاتجاه الثالث كان مواصلة الدعم الانساني لمواجه تردي الخدمات العامة، وارتفاع حالات الفقر والمرض داخل المجتمع اليمني، عبر اعمال الاغاثة المستمرة التي قدمتها المملكة العربية السعودية من خلال مركز الملك سلمان، او ما تقدمه دولة الامارات العربية المستمرة في مدن الجنوب، او المشاريع الانسانية المنفذة لكلا من دولتي قطر والكويت.
 
وسجل العام 2016م نجاحا كبيرا للتحالف العربي والشرعية اليمنية في المحافل الدولية، تمثل في مواصلة التنسيق السياسي لدعم الشرعية، والتصدي لكل المحاولات الهادفة لتقديم مبادرات من شأنها بقاء الانقلاب قائما في اليمن.
 
الجهد السياسي و العسكري
 
وفي حين واصلت دول التحالف العربي دعمها للجيش الوطني، فإن إيران هي الأخرى تمكنت من تهريب أسلحة للانقلابيين، خلال الهدنة التي تزامنت مع محادثات الكويت، بالإضافة إلى لعب منظمة الأمم المتحدة، وبعض الحكومات الغربية، دور المنقذ للميليشيات الانقلابية من الانهيار الكلي، فيما ادخرت روسيا الملف اليمني لاستخدامه كورقة ضغط ضد السعودية وحلفاءها ومقايضته بالملف السوري.
 
فشلت كل جهود الحل السياسي خلال العام 2016 في تقريب وجهات النظر بين السلطة الشرعية والانقلابيين، ويكمن السبب في ذلك في تمسك السلطة الشرعية بالمرجعيات الثلاث كأساس لأي حل سياسي، هذه المرجعيات هي: مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، المبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن 2216، وهي المرجعيات التي يرفضها الانقلابيون، ويريدون أن يكون الحل السياسي وفقاً لمزاجهم، بالشكل الذي يرسخ الانقلاب ويقصي السلطة الشرعية.
 
كانت أبرز جهود الحل السياسي برعاية أممية تلك التي توجت بمفاوضات الكويت، والتي ابتدأت يوم 21 أبريل 2016، وأعلنت السلطة الشرعية انتهاءها يوم 28 يوليو 2016، بعد إقدام طرفي الانقلاب (المخلوع صالح والحوثيين) الإعلان عن اتفاق لتشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى" لإدارة المناطق التي يسيطرون عليها، وهو الاتفاق الذي أدانته الأمم المتحدة ودولاً أخرى، بما فيها روسيا. وفشلت مفاوضات الكويت بسبب تعنت الانقلابيين، ومحاولتهم أن تتم المفاوضات بحسب إملاءاتهم.
 
توالت بعد ذلك المبادرات الأممية، بعضها كانت بنودها مجحفة في حق السلطة الشرعية، وتميل لصالح الانقلابيين، كما تقدم وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بمبادرة لحل الأزمة اليمنية قوبلت برفض الحكومة الشرعية، باعتبارها تشرعن الانقلاب. وشن ناشطون ومواطنون يمنيون هجوماً لاذعاً ضد الأمم المتحدة، ومبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بذريعة أن الأمم المتحدة تعمل على إنقاذ الميليشيات الانقلايية كلما أوشكت على الانهيار، من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار تارة، وتقديم مقترحات لحل الأزمة سلمياً، تارة أخرى.
 
فاعلية الدور الخارجي
 
لا شك أن العامل الخارجي شكل الفاعل الأكبر في الأزمة اليمنية، ويتمثل ذلك في دور دول التحالف العربي المساند للسلطة الشرعية، ودور إيران في دعم الانقلابيين، ودور منظمة الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية التي تمارس ضغوطاً على دول التحالف العربي والسلطة الشرعية تحول دون الحسم العسكري، بالإضافة إلى الدور الروسي المتأخر، رغم ضبابيته، لكن يبدو أن روسيا تريد استثمار الملف اليمني كوسيلة ضغط ومقايضة ضد دول الخليج كلما تعقد الملف السوري.
 
أسهم استمرار تدخل دول التحالف العربي إلى جانب السلطة الشرعية في كبح جماح الانقلابيين، نظراً لقوتهم العسكرية جراء سيطرتهم على أسلحة الجيش وكل مقدرات الدولة فور انقلابهم ضد السلطة الشرعية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ولولا تدخل دول التحالف العربي منذ بداية الانقلاب، لتمكن الانقلابيين من السيطرة على كل أنحاء البلاد خلال فترة قصيرة، وسيطول الوقت أمام مختلف فئات الشعب المناهضة للانقلاب حتى يتم تشكيل مقاومة شعبية مسلحة قادرة على الثورة ضد الانقلابيين.
 
الدور الايراني
 
فيما يتعلق بالدور الإيراني، فقد استمرت إيران في تهريب السلاح للانقلابيين، مستغلة اتفاق وقف إطلاق النار وتوقف الغارات الجوية لدول التحالف العربي بالتزامن مع مفاوضات الكويت، بالإضافة إلى إرسال خبراء عسكريين، وآخرون متخصصون في تطوير الأسلحة، كل ذلك ساعد الانقلابيين على الصمود، ومكنهم من إطلاق عدد من الصواريخ باتجاه الأراضي السعودية، بعد تطويرها وزيادة مداها.
 
وظهرت ايران كحليف لا يخفي جرمه في دعم الانقلابيين، سواء عبر العمل السياسي في المحافل الدولية، او عبر استضافة العديد من الشخصيات المحسوبة على الاسر الهاشمية في طهران، واطلاق التصريحات المسعرة للهيب الحرب داخل اليمن.
 
وانعكس الدعم الايراني للحوثيين في اليمن، في الخطوات التي اتخذوها داخل المحافظات التي سيطروا عليها منذ انقلابهم قبل عامين، من خلال تغيير المناهج الدراسية، ورفع الشعارات المذهبية، والاحتذاء بالنموذج الايراني، وتطبيق الطقوس الشيعية المعمولة في ايران، والأدهى من ذلك هو تصعيد الشخصيات التي سافرت الى ايران لتتولى المناصب الحكومية في الوزارات التي حصلت عليها المليشيا في الحكومة التي تشكلت مع حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للمخلوع صالح.
 
بل وصل الامر برئيس مجلس النواب المنتهي صلاحيته يحي الراعي لمطالبة إيران بالتدخل في اليمن، ودعوتها لمساندة جهودهم في المحافل الدولية.
 
وفي كل الاحوال فإن الدور الايراني في اليمن، يأتي مستمرا لتدخلاته في تمزيق البلد، والذي يعود لمرحلة سبقت الثورة الشعبية في اليمن، وازدهر أكثر في عهد الرئيس المخلوع صالح.
 
غير أنه انتقل من الدور الخفي والمستتر سابقا، الى حالة المكاشفة الواضحة، متخذة العديد من أوجه الدعم والمساندة، لتقديم السلاح والمال و العون السياسي.
 
الدور الروسي
 
بالنسبة لروسيا، يبدو أن الملف اليمني لم يكن على قائمة أجندتها، واتسم موقفها بالضبابية منذ بداية الأزمة، فهي لم يكن لها موقف واضح من الانقلاب، ولم تعارض أو تؤيد تدخل دول التحالف العربي في اليمن. ورغم اعترافها بالسلطة الشرعية، إلا أنها أيضاً تتعامل مع الانقلابيين بشكل طبيعي، سواء من خلال استمرار عمل سفارتها في صنعاء، واللقاءات بين بعض دبلوماسييها وبعض قيادات الانقلاب التي تعقد في السفارة، أو من خلال استقبالها لوفود انقلابية في موسكو.
 
لعل روسيا تدرك خطورة ما يعنيه تدخلها المباشر في اليمن، وهي في ذلك تراعي علاقاتها مع الدول الغربية ومع دول الخليج، ذلك لأن روسيا ليس لديها مصالح في اليمن، ولا تربطها علاقة تحالف مع طرفي الانقلاب في اليمن كعلاقتها بنظام بشار الأسد. ورغم مطالبة بعض قادة الانقلاب في اليمن لها بالتدخل، إلا أنها لم تعر ذلك أي اهتمام، ولم تعلق عليه مجرد تعليق.
 
وربما أن روسيا لا تريد التدخل العسكري المباشر في اليمن لعدة أسباب، لعل أهمها، أنها لا تريد أن تظهر بمظهر شرطي إيران في المنطقة، وفي نفس الوقت، لا تريد مزاحمة النفوذ الغربي في مختلف ملفات المنطقة، خاصة وأنها تخشى أن يفتح عليها تدخلها في اليمن أبواب الجحيم، بسبب إشراف اليمن على مضيق باب المندب، لا سيما وأن السياسية الأمريكية الجديدة تركز على السيطرة على المضايق والبحار في العالم، ما يعني أن اليمن منطقة نفوذ أمريكي خالصة، لا يمكن أن تسمح لروسيا بالاقتراب منها، ولهذا، ادخرت روسيا الملف اليمني لاستثماره سياسياً، واستخدامه كورقة ضغط ضد دول الخليج، لتحجيم دورها في دعم المعارضة السورية، وتقديم تنازلات في هذا الجانب.
 
الامم المتحدة
 
أما منظمة الأمم المتحدة، وبعض الدول الغربية المنخرطة في أزمات منطقة الشرق الأوسط، أو المشرق العربي، فإنها تعمل وفقاً لاستراتيجيتها الجديدة، المتمثلة في تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، أو خلق بؤر توتر مزمنة، من خلال تمكين الأقليات الشيعية من المشاركة الفاعلة في السلطة، والتحول إلى دول داخل الدول، وذلك بغرض إجهاض أي تحول ديمقراطي حقيقي، يؤدي إلى نهضة علمية وصناعية واقتصادية، بالإضافة إلى زعزعة استقرار الأنظمة الحاكمة، كل ذلك من أجل حماية أمن إسرائيل، ولتكون لها السيادة المطلقة في الإقليم بشكل عام.
 
ولم تفلح جهود الامم المتحدة في كسر صلابة الملف اليمني على مدى عامين متتاليين، وانحصرت جهود مبعوثها الاممي في إدارة النزاع بين الطرفين، ومحاولة التوصل الى حلول سياسية.
 
وتنقل مبعوثها بين العديد من عواصم العالم بما في ذلك العاصمة صنعاء التي زارها خمس مرات طوال العام، ومرة واحدة الى عدن نهاية ديسمبر الماضي للقاء الرئيس هادي.
 
ورغم تلك الزيارات فإنها لم تسفر عن حلول فعلية، بل نظمت عملية التشاور بين طرفي الانقلاب والشرعية، وكان أكثر النتائج التي حققتها هي الوصول الى اربع هدن هشة تم توقيعها واختراقها بنفس الوقت.
 
لكن في المقابل استمرت مؤسسات الامم المتحدة بالعمل داخل العاصمة صنعاء وممارسة دورها الطبيعي، وطالها العديد من الاتهامات بالتواطئ مع طرفي الانقلاب.
 


التعليقات