ماذا يعني تعثر الانقلابيين في إعلان حالة الطوارئ؟ (تحليل)
- خاص السبت, 22 أبريل, 2017 - 05:15 مساءً
ماذا يعني تعثر الانقلابيين في إعلان حالة الطوارئ؟ (تحليل)

[ اتفاق الانقلابيين ]

تعثر طرفا الانقلاب في العاصمة صنعاء (تحالف المخلوع صالح والحوثيين) في إعلان حالة الطوارئ رغم مرور ما يقارب الشهر على الدعوة التي أطلقها زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي لإعلان حالة الطوارئ، ثم تشكيل ما يسمى بالمجلس السياسي للانقلابيين ما أسماه "مجلس الدفاع الأعلى" الذي أقر "دراسة حالة الطوارئ"، لتحشد بعد ذلك ميليشيات الحوثيين أنصارها في مظاهرة بالعاصمة صنعاء للمطالبة بإعلان حالة الطوارئ.
 
وبالرغم من أن الوضع في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون يتجاوز ما يسمى بـ"حالة الطوارئ"، بعد أن امتلأت سجونهم بالمعارضين من سياسيين وإعلاميين وناشطين ومواطنين أبرياء، وخلو "بنك الأهداف" من المعارضين الكبار المستهدفين بالاعتقالات والسجن، لكن عند التأمل في ظروف وملابسات ودلالات التوقيت بالتوازي مع الدعوات لإعلان حالة الطوارئ، يمكن القول إن ذلك يعبر عن اتجاهين: الأول، أن ذلك يمثل المرحلة ما قبل الأخيرة من الخلافات بين طرفي الانقلاب، وأن كل طرف يلوح باستخدم إعلان حالة الطوارئ كسلاح يشهره في وجه حليفه بعد تفاقم الخلافات بينهما، ما يعني أن علاقتهما على حافة الصراع والاقتتال فيما بينهما. والثاني، أن الدعوة لإعلان حالة الطوارئ تعكس هستيريا الانقلابيين ضد معارضيهم بعد هزيمتهم ودحرهم من مدينة المخا، وعزم التحالف العربي والسلطة الشرعية على تحرير مدينة وميناء الحديدة.
 
توقيت الدعوة
 
جاءت دعوة زعيم ميليشيات الحوثيين لإعلان حالة الطوارئ بعد أن ازدادت الخلافات بين أتباعه وأتباع حليفه المخلوع علي صالح في المؤسسات الحكومية التي يسيطرون عليها في العاصمة صنعاء، وتسببت تلك الخلافات بتراشقات إعلامية بين الطرفين عبر وسائل الإعلام لكل منهما وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهور شخصيات بأسماء مستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي تندد بالحوثيين وبما تسميه "الاحتلال الهاشمي لليمن"، وواضح أن تلك الشخصيات الوهمية تتبع المطبخ الإعلامي للمخلوع علي صالح، مهمتها التحريض ضد الحوثيين، وإهمال ذكر المخلوع صالح وتبرئته مما تشهده البلاد، وأيضًا مهاجمة مدعيّ النسب الهاشمي بشكل عام، بمن فيهم المعارضون للانقلاب والمساندون للسلطة الشرعية، وبعضهم نشطون في جبهات القتال أو نشطون إعلاميًا ضد الانقلاب.
 
ومن خلال تحليل خطاب عبدالملك الحوثي، وخاصة ما يتعلق بدعوته لإعلان حالة الطوارئ، وملاحقة من أسماهم "الطابور الخامس"، يظهر أن من يقصدهم هم المعارضون لجماعته من أتباع المخلوع علي صالح، خاصة وأنه استخدم مصطلحات تشير إليهم، مثل "تفكيك الجبهة الداخلية"، و"تطهير مؤسسات الدولة من الخونة"، فـ"الجبهة الداخلية" يقصد بها تحالفه مع المخلوع صالح، و"تطهير مؤسسات الدولة من الخونة" يقصد به المؤتمريين الذي حدثت خلافات بينهم هم والحوثيين على المناصب، وهو ما أدركه أتباع المخلوع علي صالح الذين كانوا يهاجمون الحوثيين وزعيمهم، ليتوقف بعد ذلك أكثرهم عن الهجوم الإعلامي ضد الجماعة وزعيمها.
 
جاءت دعوة زعيم جماعة الحوثيين ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ إلى ﺗﻔﻌﻴﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻄﻮﺍﺭﺉ ﻭﺗﻄﻬﻴﺮ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﻧﺔ، في خطابه الذي ألقاه مساء 25 مارس الماضي، بمناسبة ما أسماه "اﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻴﻤﻦ"، وفيه دعا ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ -يقصد ميليشياته المسلحة- ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻄﻮﺍﺭﺉ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ما أسماه "ﺍﻟﻄﺎﺑﻮﺭ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ"، ووصفه بقوله "اﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺐ ﺃﻗﺬﺭ ﺩﻭﺭ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﻚ ﻭﺧﻠﺨﻠﺔ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻘﺬﺭﺓ ، ﺃﻣﻨﻴﺎ ﻭﺇﻋﻼﻣﻴﺎ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ".
 
ﻭقال إن ﺗﻔﻌﻴﻞ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻳﻀﺎً "ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻻﺧﺘﺮﺍﻕ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ".
 
ﻭﺩﻋﺎ ﺇﻟﻰ "ﺗﻄﻬﻴﺮ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺨﻮﻧﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ ﻟﻠﻌﺪﻭﺍﻥ ﻭﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺎﻧﺘﻬﻢ ﻟﺒﻠﺪﻫﻢ ﻭﺷﻌﺒﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻓﻴﺎﺀ ﺍﻷﻛﻔﺎﺀ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﻠﺪ"، ويقصد بذلك استبدال المؤتمريين بالحوثيين، ذلك لأنه لم يعد يوجد غيرهم في مؤسسات الدولة.
 
وبعد أيام قليلة من دعوة الحوثي، شكل الانقلابيون ما أسموه "ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺍﻷﻋﻠﻰ"، والذي قرر "دراسة حالة الطوارئ"، كما قرر ﻭﺿﻊ ﺧﻄﺔ ﻟﺮﻓﻊ ﺍﻟﺠﺎﻫﺰﻳﺔ ﺍﻟﻘﺘﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﺌﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻭﺍﻷﻣﻦ، ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻞ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ، ﻭﺩﺣﺮﻩ"، بحسب ما أوردته وكالة "سبأ" للأنباء التابعة للانقلابيين.
 
صراع من نوع آخر
 
ويمكن القول إن تبني الحوثيين الدعوة لإعلان حالة الطوارئ، تعني أنهم يريدون ملاحقة بعض أتباع المخلوع علي صالح الذين بدؤوا يجاهرون بمعارضتهم لممارسات ميليشيات الحوثي، ويؤكد ذلك أن أول من أبدى اعتراضه على الدعوة لإعلان حالة الطوارئ هم بعض أتباع المخلوع علي صالح، ممن ينضوون ضمن جناحه في حزب المؤتمر الشعبي، وأن الأمر برمته يعكس ذروة الصراع والخلافات بين الطرفين، ويمكن فهم ذلك من سياق تسلسل الأحداث كما يلي:
 
- دعوة عبدالملك لإعلان حالة الطوارئ جاءت بعد أن ازدادت الخلافات بين أتباعه وأتباع المخلوع علي صالح حول بعض المناصب في بعض الوزارات، والهجوم الإعلامي الذي تبناه مؤتمريون ضد عبدالملك الحوثي وجماعته.
 
- تزامنت دعوة الحوثي لإعلان حالة الطوارئ مع حشد المخلوع صالح أنصاره في ميدان السبعين، بمناسبة الذكرى الثانية للعدوان، بحسب تعبيره، وهو الحشد الذي فُهم على أنه رسالة موجهة للحوثيين بعد أن تكررت اعتداءاتهم ضد أتباع المخلوع صالح، خاصة وأن اللجان الأمنية التي رابطت في محيط ميدان السبعين منعت الحضور من حمل شعارات حوثية أو صور زعيم الجماعة، وطغت صور المخلوع صالح على الحفل، وأيضًا شعارات حزب المؤتمر، بالإضافة إلى الأعلام والأناشيد الوطنية.
 
- منذ حشد المخلوع صالح لأتباعه في ميدان السبعين، ما زال أنصاره إلى الآن يرفعون ويلصقون صوره وشعارات حزب المؤتمر في السيارات الخاصة ووسائل النقل العمومية، بالإضافة إلى ظهور سيارات محدودة تجوب شوارع العاصمة وترفع صور المخلوع صالح وشعارات المؤتمر والأعلام والأغاني الوطنية عبر مكبرات الصوت، مقابل تراجع ملفت لشعارات وزوامل الحوثيين وصور سيدهم عبدالملك الحوثي.
 
- الدعوة الأخيرة التي أطلقتها قيادات حوثية لأتباع الجماعة للتظاهر في العاصمة صنعاء للمطالبة بتفعيل قانون الطوارئ، كان الهدف منها استعراض عضلات الجماعة في العاصمة أمام المخلوع صالح وأتباعه بعد أن استعرضوا عضلاتهم أمام الجماعة في ميدان السبعين وما زالوا يواصلون استعراضها، إلا أن حجم الحضور كان أقل من المتوقع، بل يمكن القول إن ذلك الحشد يعتبر الأضعف منذ السيطرة المفترضة لميليشيات الحوثيين على العاصمة صنعاء، ويعكس ذلك خسائرها البشرية في مختلف الجبهات.
 
- شعور ميليشيات الحوثيين بالتقزم أمام المخلوع صالح وأتباعه، وتعثرها في إقرار حالة الطوارئ، وهو التعثر الذي يقف وراءه المخلوع صالح وأتباعه، كل ذلك جعلها تعمد إلى تدشين ما أسمتها "حملة أشداء على الكفار" في بعض حارات العاصمة صنعاء، ربما بغرض استقطاب أنصار جدد، لتعزيز تواجدها في العاصمة، بالإضافة إلى الهجوم الذي يشنه خطباء مساجد حوثيون ضد "الطابور الخامس"، ويقصدون بذلك بعض أتباع المخلوع صالح الذين جاهروا بمعارضتهم للحوثيين.
 
دلالات التعثر
 
هناك عدة دلالات لتعثر الانقلابيين في إعلان حالة الطوارئ، وفيما يلي أبرزها:
 
- سلطة برأسين:

إن إعلان حالة الطوارئ أمر تتخذه أعلى سلطة سياسية سواء كانت سلطة شرعية أم سلطة أمر واقع، ثم يعرض ذلك على مجلس النواب لإقراره شريطة اكتمال النصاب القانوني وتصويت الغالبية بـ"نعم"، ولا يحتاج إلى دعوات من هنا وهناك لإقرار قانون الطوارئ أو تفعيله، ثم تشكيل مجلس دفاع أعلى ليجتمع ويقر دراسة إعلان حالة الطوارئ، ثم دعوة المواطنين للتظاهر للمطالبة بإقراره، واستمرار تعثر إقراره رغم كل ما سبق، فمثل كل هذه المهازل تعني أن هناك سلطة أمر واقع برأسين يتناطحان فيما بينهما، وكلٌّ منهما يلوح بقانون الطوارئ ضد الآخر، وكلٌّ منهما يخشى بطش الآخر، وهذا هو السبب الرئيسي لتعثر إقراره.
 
- صراع القوة:

من الواضح أن تعثر إعلان حالة الطوارئ يعكس "صراع القوة" بين طرفي الانقلاب، فالحوثيون يريدون إقراره حتى وإن كان "بنك الأهداف" خاليًا، بعد أن اعتقلوا كل معارضيهم، فقط تنفيذًا لدعوة سيدهم عبدالملك الحوثي، الذي يعتقدون أن كلامه مقدسًا ولا بد أن ينفذ، بينما المخلوع صالح وأتباعه يعارضون إعلانه كون بعضهم سيكونون الهدف الافتراضي للملاحقات والاعتقالات، وبالتالي، فمجرد إعلان القانون فقط يعتبر نصرًا لعبدالملك الحوثي وجماعته ضد المخلوع صالح وأتباعه، ومجرد عدم إقراره يعتبر نصرًا للمخلوع صالح وأتباعه ضد الحوثيين، أي أن الأمر تحول إلى صراع قوة أو صراع إرادة بين الطرفين.
 
- ابتزاز مالي:

قد يتفق طرفا الانقلاب -بعد وساطات وطمأنة كلٌّ منهما للآخر- على إعلان حالة الطوارئ، وهنا ستتسع دائرة المظالم والاستبداد، وسيتم اعتقال أبرياء أو ممن يشكون مجرد الشك بأنهم معارضون لهم، وسيفتح الباب واسعًا أمام الابتزاز، وذلك من خلال اختطاف الأبرياء والإفراج عنهم بمقابل فدىً مالية، بغرض تعويض الخسائر التي ستنجم عن خسارة الانقلابيين للعائدات التي كانوا يجنونها من خلال سيطرتهم على ميناء الحديدة.
 
- إشكالية قانونية:

يواجه الانقلابيون إشكالية قانونية بخصوص إعلان حالة الطوارئ، وتتمثل في أنه لا يوجد قانون طوارئ في الدستور اليمني، ما عدا دستور عام 1963 الذي أقر في شمال الوطن بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وذلك الدستور لم يعد معمولًا به بعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، ولهذا، فإذا تم تفعيل ذلك القانون فإن ذلك يعني ارتدادًا عن الوحدة اليمنية، لأنه تم العمل بقانون يعود لدستور ما قبل الوحدة في الشمال.
 
أما الدستور الحالي، فقد علّق الانقلابيون العمل به فيما أسموه "الإعلان الدستوري" بعد الانقلاب، ولا يوجد فيه قانون للطوارئ. كما أن إعلان حالة الطوارئ يجب التصويت عليها من قبل غالبية أعضاء مجلس النواب، شريطة اكتمال النصاب القانوني في الجلسة التي سيتم فيها التصويت، وهذا ما لن يتوفر في حالة الانقلابيين.
 
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم إعلان حالة الطوارئ في اليمن بعد الوحدة إلا مرتين في عهد المخلوع علي صالح، والذي أعلن حالة الطوارئ المرة الأولى في منتصف مايو 1994 بعد اندلاع الحرب الأهلية حينها، والثانية في 18 مارس 2011، بعد مجزرة جمعة الكرامة، إلا أن ذلك الإعلان لم يقره مجلس النواب لسببين، الأول، عدم اكتمال النصاب القانوني للتصويت، والثاني عدم وجد قانون طوارئ في الدستور اليمني.
 


التعليقات