إعلان عدن.. الدلالات والرسائل (تحليل)
- عبدالسلام قائد الجمعة, 05 مايو, 2017 - 08:00 مساءً
إعلان عدن.. الدلالات والرسائل (تحليل)

لم يحقق المهرجان الجماهيري الذي دعا له الحراك الانفصالي في عدن، أمس الخميس، أي شيء سوى البيان الصادر عن منظمي المهرجان، والذي بدت تسميته أكبر من مضمونه، حيث أُطلق عليه "إعلان عدن التاريخي"، وكان أبرز ما تضمنه تفويض محافظ عدن المُقال عيدروس الزبيدي بإعلان "قيادة سياسية وطنية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب"، كما خوّل البيان عيدروس الزبيدي بكامل "الصلاحيات" لاتخاذ ما يلزم لتنفيذ بنود هذا البيان.
 
ويمكن القول إن توقيت المهرجان يشكل إساءة للقضية الجنوبية، ويقزمها ويشخصنها بدرجة غير مسبوقة في مسيرة الحراك الجنوبي الذي انطلق قبل عشر سنوات، لدرجة أنه ساوى بينها وبين منصب "محافظ محافظة"، ذلك أن المهرجان، وما صدر عن منظميه من بيان، أو إعلان تاريخي، جاء كرد فعل على قرار الرئيس عبدربه منصور هادي بإقالة عيدروس الزبيدي من منصب محافظ محافظة عدن، بسبب فشله في منصبه، وتعيين عبدالعزيز المفلحي بديلًا عنه.
 
ثغرات في البيان
 
هناك ثغرات في "إعلان عدن التاريخي"، ما يعني أن البيان المعلن صيغ على عجل، ولعله لم يكن هو البيان الذي تم إعداده بغرض إعلانه في المهرجان، ربما بسبب قلة الحضور، بينما البيان المعد مسبقًا كان يتضمن أشياء كبيرة، مثل إعلان الانفصال، وتسمية الدولة الجديدة وقيادتها السياسية، وكان إعلانه سيشكل حرجًا لمنظمي المهرجان بسبب قلة الحضور، وربما أن ضغوطًا على منظمي المهرجان تمت من قبل طرفٍ ما، بعد وساطات وربما صفقات، لإلغاء البيان المُعد مسبقًا، واستبداله ببيان تمت صياغته على عجل، وخاصة ما يتعلق بتخويله للزبيدي بتنفيذ بنود البيان، أو الإعلان التاريخي، رغم عدم وجود بنود رئيسية وواضحة في البيان، أو الإعلان التاريخي، لينفذها.
 
تضمن البيان، أو الإعلان التاريخي، خمسة بنود: الأول، ما تضمن التسمية للبيان بـ"إعلان عدن التاريخي". والثاني، تفويض الزبيدي بإعلان قيادة سياسية برئاسته، والثالث، تخويل الزبيدي بكامل الصلاحيات لاتخاذ ما يلزم بتنفيذ بنود البيان، أو الإعلان التاريخي.
 
اقرا أيضا: إعلان عدن.. خطوة تاريخية أم متاجرة بالقضية الجنوبية
 
أما البندان الرابع والخامس، فهما مجرد كلام إنشائي عاطفي عن القضية الجنوبية، ومناشدة للمجتمع الدولي مساعدة الجنوب وتخفيف معاناته بتحقيق تطلعاته المشروعة.
 
فأين هي إذن البنود التي خوّل البيان، أو الإعلان التاريخي، الزبيدي باتخاذ ما يلزم من أجل تحقيقها؟ وهل المعطيات على أرض الواقع مهيأة للزبيدي بإعلان قيادة سياسية للجنوب، وتخويله بتنفيذ بنود البيان، أو الإعلان التاريخي، الذي لم يتضمن أي بنود سوى ما يتعلق بشخص الزبيدي والتسمية الكبيرة للمهرجان؟
 
دلالات الحشد
 
كان لافتًا قلة عدد المواطنين المشاركين في المهرجان، رغم الإعداد والترويج الإعلامي، ودعوة أبناء كل المحافظات الجنوبية للحضور إلى عدن والمشاركة في المهرجان، بالإضافة إلى الترويج بأن المهرجان سيتخذ خطوات حاسمة بخصوص القضية الجنوبية، لدرجة جعلت المتابعين يتوقعون إعلان انفصال جنوب اليمن بشكل رسمي، والإعلان عن قيادة سياسية للدولة الجديدة، وفرضها كأمر واقع.
 
ولا نستطيع القول بأن قلة عدد المواطنين المشاركين في المهرجان يعكس تراجع أهمية القضية الجنوبية برأيهم، ولكن ذلك يعكس دلالات أخرى، سنوضحها فيما يلي:
 
العامل المناطقي
 
 لا شك أن بروز العامل المناطقي أثّر كثيرًا على زخم القضية الجنوبية، وذلك بسبب الصراع على زعامة الحراك بين مختلف فصائل الحراك الجنوبي، وأدى تراكم هذا الصراع إلى تعصب مناطقي في أوساط المواطنين المطالبين بالانفصال، ويعني ذلك أنه لا يمكن أن يشارك أي مواطن في فعالية انفصالية ما لم يدعو لها أو ينظمها الفصيل أو القيادي الذي ينتمي إلى قبيلته أو منطقته.
 
العزوف واليأس السياسي
 
كثير من المواطنين الجنوبيين المؤيدين للانفصال فضلوا العزوف عن السياسة، والانطواء على أنفسهم، بعد أن وصلوا إلى يأس وقناعة أن الانفصال لا يمكن أن يتحقق، بسبب انتهازية القيادات الانفصالية، وتناحرها على زعامة الحراك، فضلًا عن لهثها وراء المصالح الشخصية، وإمكانية تخديرها بمناصب مدنية أو عسكرية في ظل دولة الوحدة.
 
اقرا أيضا: مواطنو عدن يضعون مطالبهم أمام المحافظ الجديد.. تعرف عليها
 
الخوف من المجهول
 
يدرك كثير من المواطنين الجنوبيين أنه في حال تحقق الانفصال فإن الجنوب سيشهد حربًا أهلية دامية بشكل أبشع من أحداث 13 يناير 1986، فإذا كانت قيادات الحراك تتناحر فيما بينها على زعامة الحراك رغم عدم وجود مكاسب، فكيف سيكون تناحرها عندما تكون مكاسب السلطة قد بانت أمامها.
 
تفضيل الدولة الفيدرالية
 
كثير من عقلاء الجنوب وصلوا إلى قناعة بأن الدولة الفيدرالية الاتحادية هي الحل الأمثل لأزمة السلطة المزمنة في اليمن، لأن ذلك من شأنه وضع حد للنزاع الذي سينشب على السلطة في الجنوب إذا تحقق الانفصال، فكل أبناء منطقة جغرافية محددة لا يمكن أن يقبلوا بهيمنة آخرين من خارج جغرافيتهم، خاصة وأن آثار الصراع على السلطة بين الجنوبيين أنفسهم قبل الوحدة ما زالت حاضرة ومؤثرة بقوة.
 
شخصنة القضية الجنوبية
 
إن توقيت المهرجان الجماهيري في عدن، وأسبابه، وما صدر عنه من بيان أطلقت عليه تسمية كبيرة، هي "إعلان عدن التاريخي"، لا يعدو كونه شخصنة للقضية الجنوبية، واختزالها في شخص "عيدروس الزبيدي"، ومساواتها بمنصب "محافظ محافظة"، وهذا الأمر يشكل إهانة وتقزيمًا للقضية الجنوبية، التي لا يختلف اثنان على عدالتها، إلا أنها فسدت بسبب انتهازية حامليها.
 
صحيح أن ظاهرة شخصنة القضية الجنوبية بدأت قبل عشر سنوات، تزامنًا مع ظهور الحراك الجنوبي في الربع الأول من العام 2007، إلا أنها لم تصل إلى حالة التقزم والشخصنة التي وصلت إليها في مهرجان عدن "التاريخي".
 
اقرا أيضا: كيف ينظر المؤيدون والمعارضون لبيان إعلان عدن؟
 
وإذا كان عيدروس الزبيدي يسعى إلى تحقيق انفصال الجنوب، فلماذا قبل بمنصب محافظ محافظة عدن تحت راية الجمهورية اليمنية، وباعتبارها عاصمة مؤقتة لدولة الوحدة، وعندما أُقيل من منصبه عاد لينادي بالانفصال، واتهم الرئيس عبدربه هادي -في تصريح لمجلة ذي إيكونوميست البريطانية- بأنه يدعم الإرهاب، ووصف سلطة الرئيس عبدربه -في بيان "الإعلان التاريخي"- بأنها سلطة "الإرهاب السياسي"، وكأن لسان حاله يقول "منصب مرموق في دولة الوحدة وإلا سأطالب بالانفصال".
 
ورغم ما ورد في "الإعلان التاريخي" من أن جنوب اليمن بعد تاريخ 4 مايو 2017 لم يعد كما كان قبله، إلا أن الحقيقة هي عكس ما أراد القائمون على المهرجان إيصاله للآخرين، وهي أن هذا المهرجان قزّم القضية الجنوبية وشخصنها في هذا التاريخ بشكل لم يسبق له مثيل، والنتيجة، إما تصحيح مسار الحراك الجنوبي، والارتقاء بالقضية الجنوبية كقضية تهم ملايين المواطنين في ست محافظات، وتهميش القيادات الانفصالية المعروفة التي قزمت وشخصنت قضية الجنوب واختزلتها كقضية أشخاص معدودين، بل ومحاسبتها، وتعيين قيادات شابة وطنية لحمل راية قضيتهم، أو استمرار الشخصنة، والصراع المناطقي والقبلي على زعامة الحراك الجنوبي، حتى تذهب القضية الجنوبية إلى طي النسيان.
 
 رسائل سياسية وابتزاز
 
هناك حقيقة واضحة بخصوص مهرجان عدن و"الإعلان التاريخي" الصادر عنه، وهي أن الذين نظموا المهرجان أو دعوا له، يدركون أن عيدروس الزبيدي وأتباعه ليس لديهم القوة السياسية والعسكرية ليفرضوا رؤاهم كأمر واقع في كل المحافظات الجنوبية، وإذا حاولوا القيام بأي تحرك من هذا القبيل، فإن ذلك سيقابل بتحركات مضادة من قبل فصائل وقيادات أخرى في الحراك الانفصالي، فضلًا عن تحرك السلطة الشرعية ودول التحالف العربي.
 
وهنا، يمكن القول إن المهرجان كان الهدف منه إيصال رسائل سياسية بهدف ابتزاز السلطة الشرعية، ومحاولة تحقيق مكاسب شخصية، ومحاولة لعب دور يتناقض مع أهداف السلطة الشرعية ودول التحالف العربي، من أجل تمرير الابتزاز بسلاسة.
 
اقرا أيضا: أين أخفق عيدروس وبن بريك؟ وهل تُصلح قرارات هادي الوضع في عدن؟
 
والخلاصة، أن منظمي المهرجان حاولوا، أولًا، توظيف حادثة إقالة الزبيدي وابن بريك، لإثبات مدى نفوذ طرف خارجي في عدن، لعله إحدى دول التحالف العربي، والرسالة التي أراد هذا الطرف إيصالها مفادها أن أي ترتيبات للسلطة في عدن يجب أن يكون شريكًا فيها، وإلا فإنه قادر على خلط الأوراق من قبل أذرعه التي شكلها لأهداف خاصة.
 
والرسالة الثانية، هي أن أبرز فصائل الحراك الانفصالي أرادت القيام بأي فعالية انفصالية ردًا على مؤتمر حضرموت الجامع، والذي أيّد الدولة الاتحادية، وأعلى من شأن محافظة حضرموت، والانفصاليون يدركون ماذا يعني تأييد الحضارم للدولة الاتحادية، خاصة وأن قيادات حضرمية سبق وأن صرحت بوضوح بأن حضرموت تفضل الوحدة على الانفصال، وإذا انفصل الجنوب عن الشمال فإن حضرموت ستعلن انفصالها عن الجنوب، ولا يمكن أن تقبل بهيمنة أبناء الضالع وأبين عليها وعلى ثرواتها.
 
أما الرسالة الثالثة، فهي مناطقية بحتة، ومفادها أن أبناء محافظة الضالع، التي ينتمي إليها عيدروس الزبيدي، سيظلون الرقم الصعب في معادلة الصراع الجنوبي الجنوبي، ولهذا، على الآخرين أن لا يتجاهلوا دور أبناء الضالع، وأن يحسبوا لهم ألف حساب، سواء كشركاء في السلطة، أو كقادة للحراك الجنوبي، وهذا الأمر من شأنه تعميق حالة الانقسام بين فصائل الحراك، ومزيد من التفتت والتمزق الاجتماعي في الجنوب.
 


التعليقات