لماذا يركز المخلوع ومليشيا الحوثي حربهم على تعز؟
- توفيق السامعي الجمعة, 06 نوفمبر, 2015 - 05:44 مساءً
لماذا يركز المخلوع ومليشيا الحوثي حربهم على تعز؟

الناظر لموقع تعز على الخارطة اليمنية وشبه الجزيرة العربية يرى لها موقعاً مميزاً لم تمتز به محافظة يمنية؛ فهي تقع إلى الركن والزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية عند مضيق باب المندب الذي هو حلقة الوصل الوحيدة بين بحر العرب والبحر الأحمر، وهو الممر والبوابة إلى القارة الأفريقية التي كانت أهم الطرقات والبوابات القديمة لطرق القوافل واللبان، وهي (تعز) حلقة الوصل بين المحافظات الشمالية والجنوبية لليمن ما يعطي لها أهمية تاريخية وسياسية وثقافية واقتصادية تجارية.. أتاح لها موقعها على ثلاثة موانئ قديمة هي  المخاء وموزع وذباب.. ما جعلها أيضاً تنشط حضارياً، فكانت طريقاً للقوافل التي تأتي من مينائي المخاء وموزع من البحر فتعبر شرقاً مروراً بالدولة السبئية المعافرية تجاه الجند ومن ثم الوصول إلى الممالك الشرقية في المحافظات الشرقية من مارب وشبوة، ومملكة حمير في يريم، ومن ثم إلى الجزيرة العربية وإلى الشام وصولاً إلى آسيا الوسطى، عن طريق ما عرف تاريخياً بـ"طريق البخور".
ويقع باب المندب الشهير في هذه المحافظة من بوابة القرن الأفريقي؛ حيث يعتبر هذا المضيق الدولي بوابة اليمن والجزيرة وآسيا إلى أفريقيا وبوابة أفريقيا إلى اليمن والجزيرة وآسيا.
كما كانت المخاء مدينة وميناءً مقراً لحكم أجزاء من أفريقيا، بالقانون الحميري اليمني، ذكر ذلك صاحب كتاب (الطواف حول البحر الأريتري – مؤلف بين 50-80 ق.م).
ولقد أعطى موقع تعز على الخارطة اليمنية المكان والأحداث والتاريخ أهمية كبرى لها جعلها ممسكة بأزمّة تاريخ اليمن.
كما أن مناخها المعتدل طوال العام وموقعها الصحي جعل منها قبلة للملوك ومكان إقامتهم الدائمة، ومنها وعليها أطلق اسم "بلاد السعيدة" وعلى اليمن بشكل عام لأنها دائمة الخضرة والمطر والعطاء.
وبسبب هذا المناخ والموقع الهام صارت محافظة صحية بامتياز ولم تعرف وباءً قط، حيث تذكر المصادر التاريخية أن توران شاه الأيوبي أخا صلاح الدين الأيوبي حينما كان عاملاً لدولة أخيه الناصر صلاح الدين على اليمن أراد أن يتخذ له عاصمة غير زبيد فأرسل أطباءه يبحثون عن مكان مناسب صحياً ومكانا آمناً ليتخذه عاصمة لدولته، فما وجدوا أفضل من تعز (ذي عدينة) للعوامل التي ذكرناها، فاتجه ناحية تعز واتخذها عاصمة له وسكن حصنها أسفل جبل صبر وذلك عام 570هـ.
وتشتهر محافظة تعز وأبناؤها بالكثافة السكانية العالية، فهي الأكثر سكاناً وأكثر المحافظات خصوبة، وتمثل ربع سكان اليمن، كما تشتهر بمدنيتها وثقافتها العالية فهي العاصمة الثقافية في اليمن، وأبناؤها الأكثر والأعلى تعليماً في اليمن وترفد جميع المحافظات اليمنية وحتى الدول المجاورة لليمن بالكفاءات العلمية من مختلف التخصصات، ولا تكاد تخلو منطقة من مناطق اليمن مهما كان بعدها من أبناء تعز العاملين في كل مكان. كما أن أبناءها الأكثر عمالة ومهنا ورفداً للسوق اليمنية وللدخل القومي؛ بسبب أن أبناءها لا يحتقرون المهن ويعملون في كافة المجالات، بعكس كثير من المحافظات الشمالية والجنوبية، وكانت تعز منبعاً للتجارة اليمنية عبر العصور المختلفة ومنها العصر الحديث، مما جعل المحافظة تمسك بتلابيب رأس المال والثقافة والمدنية وتتصدر الجمهورية في العمل السياسي وبناء الدولة، وبالتالي فإن أي مشروع يقام في اليمن إلا كانت الأنظار متوجهة نحو هذه المحافظة.
لم تعرف محافظة تعز العنصرية المناطقية ولا الطائفية المقيتة ولا ثقافة التشظي مما جعلها محافظة الوحدة وشوكة الميزان في أية معادلة في اليمن.
لقد ساعد الموقع الجغرافي لهذه المحافظة كونها تقع في قلب ووسط اليمن بين جناحيه الجنوبي والشمالي؛ فهي بوابة العبور الجنوبي إلى الشمال وبوابة العبور الشمالي إلى الجنوب، ولذلك تعاني الأمرين من ثقافة الكراهية من الشمال والجنوب على حد سواء.
 
عين الدول اليمنية على تعز:
للأسباب السالفة الذكر عملت كل دول اليمن التاريخية وحتى الدول الغازية على التركيز على هذه المحافظة لتمرير أي مشروع في اليمن.
ففي القرن الثامن قبل الميلاد عمل ملك الدولة السبئية كرب إيل وتار على تحطيم دولة "أوسان" اليمنية وكانت أول خطوة اتخذها هذا الملك هي الهجوم على منطقة المعافر (تعز) للقضاء على دولة "أوسان" والتحكم بالساحل الغربي الجنوبي رغم أن مقر ملكه في أقصى الشرق من مارب. وكذلك حينما أسقطت الدولة الحميرية الدولة السبئية في القرن الثالث قبل الميلاد، قام الحميريون بالهجوم على المعافر والتحكم بالخط الساحلي الجنوبي الغربي والتحكم بموانئ "المخاء" و"موزع" و"ذوباب" وخنق دولة "سبأ" من التجارة البحرية وأسقطتها وورث الحميريون السبئيين في حكم اليمن.
ولما غزا الأحباش اليمن كانت بوابتهم "المخاء" و"موزع" والخط الساحلي وصولاً إلى عاصمة الدولة الحميرية وأسقطوا الدولة الحميرية في القرن الخامس الميلادي بعد حادثة الأخدود الشهيرة المذكورة في القرآن الكريم وقائدها يوسف أثأر (ذو نواس الحميري) وانتحاره في ميناء المخاء لأنه عجز عن مقاومة الأحباش، وبالتالي سقوط التجارة العالمية يومئذ في أيدي الأحباش.
وفي القرن السابع الهجري أطيح بحكم الدولة الرسولية في بادئ التأسيس حينما تم اغتيال الملك المنصور عمر بن علي رسول، فقام ولده الكبير الملك المظفر باسترداد الملك وتحرك صوب تلك الموانئ والساحل الغربي الجنوبي والتفافه على عاصمة الملك (تعز)، حيث استولى أولاً على الساحل ثم ذهب إلى عدن وأبين وفي النهاية توجه نحو قلب تعز وأسقطها في يده وانطلق منها إلى كل اليمن وخاصة إلى صنعاء وصعدة ومن ثم الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.
وحينما غزا المماليك الشركس في القرن العاشر الهجري اليمن بالتحالف مع دولة الأئمة للإمام شرف الدين دخلوا من المخاء وبدأوا بتعز وصولاً إلى صنعاء، ثم جاء العثمانيون الأتراك بعد المماليك بعامين واستولوا على المخاء وموزع ثم توجهوا إلى قلب مدينة تعز واتخذوها عاصمة ثم انطلقوا منها إلى صنعاء وإلى بقية أنحاء اليمن.
الرئيس السابق وتعز والمخاء:
 
تعد تعز عبر تاريخها منذ تأسيسها هي الحامل لأي مشروع ثقافي أو سياسي أو ثوري في اليمن؛ فإذا تحركت تعز تحركت اليمن كلها وإن رقدت تعز رقدت اليمن كلها.
من يسيطر على تعز يسيطر على كل اليمن، حقيقة أدركها الريس المخلوع وشركاؤه الحوثيون، ولذلك ركزوا على تدميرها.
كان الرئيس السابق علي صالح قائداً للواء تعز وكان يمسك ويتحكم بميناء المخاء، وكون لنفسه بيئة مصالح متعددة وشبكة تهريب قوية للغاية وعصابات مختلفة، حتى بعد توليه الرئاسة وسع من شبكة التهريب ومن التجارة الممنوعة وجاء إلى الرئاسة بمعرفة القوى الدولية التي كان يعمل وكيلاً لها في تجارة السلاح والخمور والحشيش من وإلى القرن الأفريقي والجزيرة العربية.
أثناء رئاسته طيلة 33 عاماً كان علي صالح جزءاً من لعبة الفوضى المقصودة في القرن الأفريقي سواء في الصراع الصومالي الصومالي وتغذية المتصارعين بالسلاح لوكالة دولية، وهذا ما يعرفه كل أبناء تعز، وكذلك الصراع بين أثيوبيا وأرتيريا لتخلق سوق لتجارة السلاح هناك، وهذا يتأكد لنا من خلال خفة حدة الصراع بين الفرقاء الصوماليين بعد خروج علي صالح من الحكم بعد ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية، ويمتلك علي صالح أراض شاسعة في أثيوبيا حيث يستثمر بعض أمواله.
مؤخراً كشفت تقارير دولية أن اسم علي صالح ارتبط بالمافيا الدولية لغسيل الأموال وتهريب السلاح الذي كان يشتريه باسم الدولة اليمنية ووزارة الدفاع فيما جعل من اليمن فقط مخزناً لهذه الأسلحة وتصريفها في القرن الأفريقي، وله شبكات داخلية في ذلك من رؤوس الأموال الذين يعملون كمستثمرين بتجارة مشروعة ظاهرة فيما في الخفاء يعملون وكلاء له لتهريب وبيع الأسلحة، وأدرج اسم فارس مناع كأشهر تجار الأسلحة في المنطقة يعمل لصالح الرئيس السابق وشريكاً له.
حينما بدأت عاصفة الحزم قصف طيران التحالف مخازن أسلحة في جبل فج عطان الذي كان ظاهره للدولة فيما كان حقيقة الأمر يتبع أحد هوامير تجارة السلاح هو شاهر عبدالحق وشريكه يحيى محمد عبدالله صالح صهر وابن شقيق علي صالح.
من هذه المنطلقات لتعز ظلت أعين صالح والحوثيين مصوبة سهامها وأسلحتها على تعز، التي أدرك صالح وهو الخبير بذلك، أن أي مشروع له يخططه على المدى القريب والبعيد ستفشله تعز وهو الذي غذاها بالمعسكرات والسلاح منذ زمن بعيد إدراكاً لهذه اللحظة الفاصلة.
ففي فبراير 2011 انتفضت تعز في ثورة عارمة ضد مشروع علي صالح في توريث الحكم لنجله أحمد فأسقطت هذا المشروع وقطعت عليه الطريق في ذلك، فشن عليها حرباً شعواء لتدميرها والانتقام منها ومحاولة تركيعها لأنها وقفت في وجه مشروعه فكانت المحافظة الوحيدة التي شن عليها حربه أكثر من عام كامل ولم يرعوِ حتى عن قصف النساء في مصلاهن وقتل شبابها العزل من السلاح بصدورهم العارية، وانتقم من ثقافتها ومدنيتها، ولما خرج بفعل المبادرة الخليجية، عاد إليها منتقماً أشد انتقاماً من السابق رغم أنها لم تتعافَ من جراحها السابقة، وباستكمال انقلابه مع الحوثيين على الشرعية الانتخابية ممثلة في الرئيس هادي، سلط على المحافظة أشد الانتقام وهذه المرة استخدم أسلحة جديدة منها الصواريخ وأهم سلاح استخدمه صالح هو سلاح الحصار والتجويع بعد ما رأى فشل المجتمع الدولي في الإطاحة بالأسد في سوريا مما جعله مصراً على تقليده والوقوف في وجه التغيير ونتائج مؤتمر الحوار الوطني رغم أنه فرض اتفاقية السلم والشراكة بأجندته هو وشركائه الحوثيين.
 
التضحية بالجنوب من أجل تعز:
ولأن تعز شوكة الميزان لكل اليمن ومن يسيطر عليها يسيطر على كل اليمن، عمل صالح والحوثيون على نشر المعسكرات الكثيرة في المحافظة عليها منذ زمن، حيث ينتشر أكثر من 15 لواءً عسكرياً في محافظة تعز رغم مدنيتها وسلميتها وثقافتها، وأن حوالي 95% من قوام هذه الألوية العسكرية من خارج محافظة تعز لإذلالها وتركيعها والسيطرة عليها.
تراجع صالح والحوثيون بقواتهم مجبرين من المحافظات الجنوبية بفعل الضربات الجوية والإنزال البري لقوات التحالف في الجنوب فسحب كل قواته من الجنوب وعزز بها جبهة تعز مضافاً إلى ذلك التعزيزات اليومية أو شبه اليومية للمليشيات من شمال الشمال إلى تعز، مما يجعلنا نفهم سر هذا التدمير الممنهج لمحافظة تعز بناء وإنساناً وبنى تحتية.
فصالح والحوثيون لا يريدون أن يفقدوا تعز حتى وإن ضحوا بالجنوب إدراكاً لأهمية هذه المحافظة، بينما للأسف الشديد لم تدرك الشرعية ولا قوات التحالف هذه الأهمية للمحافظة.
عملت تعز على إجهاض مشروع الانفصال التي تتطلع إليها بعض القوى في الجنوب، وحتى ملعوب صالح في هذه الورقة أفشلتها المحافظة رغم أنه يتهمها بالسعي للانضمام للجنوب حال حدوث الانفصال، ويدرك صالح تمام الإدراك أن تحرير تعز معناه انطلاق المقاومة منها نحو صنعاء ولذلك لا يريدون مغادرتها رغم تكبدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد.
وهناك مسائل عقائدية وأيديولوجيا وثقافية وتاريخية هي من أهم أسباب الحرب على تعز لدى الانقلابيين، سنخصص لها ملفاً آخر.


التعليقات