الإرهاب تعبير عن عجز الثورة
الجمعة, 30 ديسمبر, 2016 - 08:54 مساءً

أعاد اغتيال السفير الروسي في أنقرة النقاش عن العلاقة بين الثورة والإرهاب، وعموماً بين الغاية والوسيلة. وكان لينين قد جادل بشأن الضرر البالغ الذي يمكن أن يلحقه الإرهاب بالثورة وبالقضية الثورية، ففي نهاية المطاف لا تتوقف مسألة انتصار الثورة وقضيتها على انتقام فردٍ معزول وغاضب، مهما كانت دوافعه نبيلةً، ولا على تصفية حاكم أو أحد معاونيه، مهما كان مستبداً، بل على القدرة على تعبئة أوسع القطاعات الشعبية والجماهيرية، والانخراط في النضال من أجل أهداف محدّدة.
 
 والأسوأ أنه، إضافة إلى الأوهام التي يزرعها الإرهاب، من خلال الاعتقاد بإمكانية الحلول الفردية، وما يضمره من يأس من الشعب وجماهيره، وتصور إمكانية الحلول محله، فإنه يلحق ضرراً بالغاً بالقضية الثورية وسمعتها، وخصوصاً أخلاقيتها التي تعتبر مركز قوتها، فالطبيعي أن يكون ميزان القوى بين المستبد- المستعمر والمستغل والظالم عموماً، وبين الشعب الطبقة الكادحة والمظلوم عموماً، في مصلحة الأول مادياً، وفي مصلحة الثاني أخلاقياً ومعنوياً، والقدرة على تأكيد التفوق الأخلاقي والمعنوي أساسياً في انتصار الثاني بالتأكيد.
 
تتصف مجادلة لينين، وهو في الواقع موقف الحركة الماركسية الثورية عموماً، ضد الإرهاب، بطابع دراماتيكي، فشقيقه الأكبر ألكسندر كان قد أعدم بسبب مشاركته في تنظيم محاولة اغتيال القيصر ألكسندر الثالث.
 
لسنوات، كنت أخوض نقاشاً طويلاً مع شقيقي بشأن رواية دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف"، إذ كان مصرّاً على أن الرواية الضخمة جزء يمهد لجزء ثانٍ عن اغتيال القيصر ألكسندر الثالث.
 
 ووفق هذا السيناريو، كان من المفروض أن الابن الأصغر والثالث والمحبب، أليوشا، سيكون من يغتال القيصر. إذ يرد في الصفحات الأولى من الرواية الخالدة أنه سوف يروي ما حدث قبل هذه الأحداث الرهيبة بثلاث عشرة سنة، بينما تقتصر أحداث الرواية على أيام مقتل الأب كارامازوف، على يد ابنه غير الشرعي سميردكوف، واتهام ابنه الجامح ديمتري بذلك.
 
معروف انتساب دوستويفسكي إلى حلقة "زملاء بيتراشيفسكي" الثورية، وصلته بالحركة الثورية الديسمبرية، الأمر الذي سيكلفه والأدب حكماً بالإعدام، خفف إلى عشر سنوات من النفي والأشغال الشاقة في سيبيريا. ومن المعروف أيضاً اهتمامه البالغ في آخر سنوات حياته بمنظمة نارودنايا فوليا (إرادة الشعب) والمنظمات الثورية الروسية الشبيهة، والتي كانت قد اتخذت طريق الإرهاب الفردي ومحاولات اغتيال القيصر باعتبار ذلك هو الأمر الذي سيقدح شرارة الثورة.
 
وإذا كان الحديث، هنا، عن الإرهاب باعتباره المحاولات الفردية أو الأقلية الصغيرة، والتي تسعى إلى الانتقام أو إلى التأثير في الحدث السياسي، بعيداً عن مشاركة القطاعات الشعبية وبدلاً عنها، وهو ما شاع في الحركات الثورية اليسارية العربية في الستينيات والسبعينيات، مع وديع حداد وكارلوس وسواهما، والذي كان يستهدف الكيان الصهيوني أو أميركا والأنظمة العربية المعادية للثورة الفلسطينية، وهو أمر مختلف عن الحركات الجهادية الإسلامية، والتي تبدو أقرب إلى جماعات الجريمة المنظمة في انفصالها عن الشعب، ليس فقط في الأدوات وتصرفها بمعزلٍ عنه، بل أيضاً في الأهداف، إذ تضع لنفسها أهدافاً لا علاقة لها به، وغالباً ما تمارس نحو الجماهير الشعبية قمعاً، لا يختلف عن المستعمر أو المستبد، بل قد يفوقه، إضافة إلى اختراقها وانتظامها في المخططات الاستخباراتية الإقليمية والدولية.
 
جاءت ظاهرة الإرهاب الحالية ليس في ظل غياب الحراك الشعبي والجماهيري، بل في قلب الحدث الثوري الذي تعيشه المنطقة العربية منذ ست سنوات، وإذ تحولت ثورات إلى حرب في غير مكان، بسبب القمع الواسع من الأنظمة الاستبدادية والتدخلات الإقليمية والدولية، والانكفاء عن الحركة الشعبية، بل وقمعها من الحركات الجهادية الرجعية، فذلك يشير إلى طبيعة هذه القوى المعادية للثورة، على الرغم من استغلالها واستفادتها من الظروف التي صنعتها.
 
صورة الضابط التركي الشاب، مولود مرت الطن طاش/ وخطبته عند جثة السفير الروسي، مثلما ولدت كل هذه الرطانة الليبرالية عن إدانة القتل والإرهاب، من دون إدراك أسبابه وسياقه ودوافعه وأهدافه، ومثلما ولدت الجدل حول الضرر الناتج عنها لمن ينتمون إلى معسكر الثورة، أو اعتبارها ردة فعل طبيعية للجرائم الروسية في سورية، على الرغم من ذلك الضرر، فروسيا اليوم، وبفعل سياسة حكومتها ورئيسها، فلاديمير بوتين، والجرائم المروعة التي ارتكبتها في سورية، أخذت مكانها في قائمة الدول المكروهة، وليس غريباً أبداً أن تستهدف على غرار الأميركان والإسرائيليين في الستينيات والسبعينيات.
 
مثلما ولدت ذلك كله، إلا أنها في نفوس ملايين العرب والمسلمين والبشر في أربع جهات الأرض وضعت شقيقاً لهم اسمه مولود مرت الطن طاش، فالإرهاب ليس فقط نقيضاً للثورة، بل تعبيراً عن عجزها.

*عن العربي الجديد

التعليقات