إقليم أزال بين ظلم المركزية وأمل الفيدرالية
الخميس, 05 يناير, 2017 - 05:15 مساءً

جاء نظام الدول الاتحادية "الفيدرالي" كنتيجة حتمية لتطور الأنظمة الإدارية والسياسية واستجابة لزيادة متطلبات المجتمعات التي استعصى تحقيقها من قبل الدولة المركزية ذات الأنظمة الإندماجية، كما أنه جاء للحفاظ على وحدة الدولة الموحدة التي يتهددها التفكك الناتج عن الصراعات السياسية التي تكون في الغالب محصلة  لصراعات عرقية أو جهوية، مذهبية أو دينية، بالتزامن مع إصرار أحد الأطراف على مصادرة حقوق الكل لصالحه وممارسة كل أساليب القوة والقهر في حقهم ، أو تلبية لرغبات عامة الشعب الطامح للتنافس في تطوير بناه التحتية والعلمية وفقاً لتوزيع عادل للثروة والسلطة في ظل دولة اتحادية قوية تحمى الأرض من التمزق والمجتمع من الفرقة والشتات.
 
مع العلم أن الدولة البسيطة: هي الدولة التي تتكون من مؤسسات وسلطة قضائية ومجلس نيابي واحد وحكومة مركزية تتولى إدارتها في المجالين الداخلي والخارجي ودستور يسرى على كل أقاليم الدولة مثل اليمن سابقاً ومصر وسوريا وفرنسا. 
 
كما أن الدولة الاتحادية: هي الدولة التي تكونت إما من عدة دول بعد أن كانت دولاً بسيطة اتفقت فيما بينها على قيام اتحاد تُلغى بموجبه الشخصية الدولية لكلٍ منها وتذوب في شخصية دولية واحدة، أو دولة بسيطة آثرت النظام الاتحادي الذي ينطوي على تقسيم السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية نزولاً عند رغبة الشعب نتيجةً لعجز الدولة البسيطة "الإندماجية" في إدارة البلد المتنوع.
 
وبالرغم من تركز السلطة في إقليم أزال لفترة طويلة من الزمن إلا أن ظاهرة التزاوج بين السلطة والفقر والجهل كان ولايزال أمراً مثيراً للدهشة والشكوك، وهذا قد يكون مرده إما إلى عدم صلاحية النظام المركزي ومنهجية حكم القائمين علية أو ناجم عن فساد منظومات الحكم السابقة واستحلال المال العام، انعكاسا لمفهوم الهادوية التي أباحته لأتباعها فانسحب ذلك المفهوم على منهجية حكام اليمن بعد قيام ثورة 26 من سبتمبر والذي بدوره عزز النظام القبلي وسلم به ككيان موازٍ للدولة والذي أصبح عائقاً لقيامها واعتماد ميزانية تبلغ 100 مليون دولار سنوياً للمشايخ ومن والاهم في حين بلغت ميزانية البحث العلمي في اليمن 240 الف دولار فقط سنوياً. 
 
 فماذا جنت اليمن شماله وجنوبه من وراء النظام المركزي عموماً وأبناء شمال الشمال المتمسكين به والحاملين لفكرته والمدافعين عنه خصوصاً، سوى الفقر المدقع والجهل المستشري والتناحر المزمن والثارات المستدامة، فقبائل طوق العاصمة الذين هم منا ونحن منهم والمحسوبة على النظام لم تجن منه سوى العسكرة الدائمة على حدود بعضها والتغذية الممنهجة لصراعاتها القبلية من قبل الأنظمة المتعاقبة وتدمير ألفتها الاجتماعية ونسيجها الداخلي.
 
وتركها جيشاً حافياً تحرقه الحروب والصراعات العبثية اللامتناهية، تارة لتثبيت الحاكم أو خلعه وتارة أخرى لإخماد الثورات والحركات الوطنية المطالبة بالتحرر من قيود الذل والعبودية، وما حروب ثورة 26 من سبتمبر و14 من أكتوبر وحروب صعدة وثورة 2011م علينا ببعيد، ناهيك عن طاحونة الحرب الأخيرة التي لم تُصَب اليمن بمثلها عبر تاريخ صراعها الطويل والتي أكلت شباب اليمن عامة وإقليم أزال خاصة بدوافع لم يحصدوا منها سوى الفناء والإعاقة والترمل واليتم لأحفادهم.
 
 ومن إيجابيات النظام الإتحادي أنه يشكل حقلا واسعا لتجارب الأنظمة السياسية وخاصة في الدول ذات التعدد العرقي والديني والمذهبي، وأحد الأنظمة الديمقراطية التي تشكل نموذجاً عادلاً في تقاسم السلطة داخل الدولة، والذي يشكل بدوره ثراءً بنيوياً عند الشعوب الواعية بذلك التنوع والتعدد الذي إذا تلاقحت الأفكار وتظافرت الجهود والرؤى تشكلت الدولة والمجتمع المبني على أسس علمية وتقنيات حديثة وبيئة حاضنة لكل أطياف المجتمع  ومكوناته،  في ضل وجود دستور وقوانين ونظام رشيد يعطي لكل ذي حقٍ حقه وفقاً لمعتقداته وقدراته الابداعية وكفاءته العلمية وانتماءاته السياسية والفكرية.
 
مع الإشارة الواضحة إلى مخاطره أنه يؤدي إلى التفكك في ظل الدولة ذات الكيان الهش والمتهالك والمفتقرة إلى القوة الأمنية والدفاعية الكافية التي تسيطر من خلالها على كل أقاليم الدولة وتحفظها من التفكك والإنقسام، والضرب بيدٍ من حديد على أيدي ذوي النوايا السيئة المختبئة وراء مطامع انتهازية برجماتية، مستمسكة بالنظام المركزي جهلاً منها بالخواص الإيجابية للنظام الإتحادي وأهمية إطلاق آفاق التنافس في البناء والعلم والإعمار ومحاربة فساد مركزية الدولة.
 
وعليه يجب أن يسبق ويرافق إنشاء نظام الأقاليم "الاتحادي" في اليمن حملة إعلامية توعوية توضح أهميته ومفاهيمه، والنظام المركزي وسلبياته والذي أصبح متنافياً مع مقتضيات العصر الحديث والمستجدات التي طرأت على الساحة اليمنية واتساع رقعتها الجغرافية المطلة على ساحل طوله 2400 كم، والذي بات عاجزاً عن تحقيق الأمن الداخلي لسكانه والخارجي لجيرانه والذي جعل من اليمن وسواحلها معبراً دولياً للتهريب وبيئة خصبة لعصابات الجريمة والتقطع والارهاب، والتأكيد على أن نظام الأقاليم تقسيم إداري وليس سياسي أو مناطقي مستهدفاً تهميش أو إقصاء أحد على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي.
 
وأخيراً: النظام الإتحادي هو الضرورة والنموذج الأفضل لحكم اليمن لأنه ينطوي على هياكل سياسية واضحة تمكن الدولة والفرد من اتخاذ القرارات الحيوية التي تشبع حاجات المجتمع كليةً، فعندما نقرر أن نعيش في مجتمع يسوده العدل والمساواة تصبح الحاجة ملحة إلى اتفاق شامل يجمع عليه المجتمع كله دون تمييز.
 
ولا يعتمد تطور ونمو الشعوب على شكل الدولة الإتحادية كانت أم البسيطة، ملكي النظام كان أو جمهوري بل يعتمد على نظام عادل يرتكز على منهجية حكم وطنيته مخلصة متماهياً مع الشعب، محققاً لطموحاته الخالية من أسقام العرقية أو المذهبية مستنداً إلى قانون فاعل يحقق العدل والمواطنة المتساوية بين جميع أبنائه مخضعاً الوظيفة العامة للنزاهة والقدرة والكفاءة والاستحقاق. 
 

التعليقات