من سقيفة بني ساعده إلى سقيفة سبتمبر
الاربعاء, 18 يناير, 2017 - 07:36 مساءً

نحن اليمانين كما قيل أرقُ قلوباً وألين أفئدة من عهد ابنا العمومة قبيلتي "الأوس والخزرج أنصار الرسول" شركاء في المغارم دون المغانم، آمنوا بالرسالة المحمدية في شعب من شعاب مكة، في حين كفرت بها قريش وحاربت نبيها، آوى الأنصار الرسول وأصحابه من المهاجرين وفتحوا بيوتهم وشاطروهم أموالهم واستلوا سيوفهم ونصروا الرسول، وفي الوقت الذي جاءت قريش بجحافلها إلى المدينة لقتل الرسول واستئصال شأفة الإسلام، وقف الأنصار ثم قالوا "كذاب حرام ما سبرت، والله ما نفلته" قائلين لنبي الرحمة والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فقاتلوا حتى نما وتقوى عود الاسلام فيهم وبهم.
 
ألتحق اليمنيون بركب الإسلام برسائل من الرسول "ص" لأقيالها، لكن قريش اعتنقته بحد السيف وبعد أن هزمتهم كتائب اليمنيين من الأنصار عفى عنهم الرسول وأُطلق عليهم الطلقاء، وبعد الفتح وفي غزوة حنين روحت قريش بالغنائم ورجع الأنصار بالله ورسوله، وما إن فاضت روح الرسول "ص"  حتى اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة الخزرجية قائلين "ما أظهر الله الإسلام إلا بدمائنا وسيوفنا" بغية أن يكون لهم دور في قيادة دولة الإسلام بعد وفاة الرسول "ص" إلا أنهم  "ركبوهم متر"!!
 
 ومنذ أول بيعة لأول خليفة بعد الرسول "ص" وعليها حتى بداية النصف الثاني من عصر الدولة العباسية، كان والياً يدخل من قريش اليمن وآخر يُغادر، وفي العام 284ه كان عام النكبة التي حلت باليمنين المتمثل بقدوم يحيى حسين الرسي إلى اليمن و"هات ياركيض يشتي يسقط الدولة العباسية من صعدة وهات يا دويم ضهر اليمنيين" فأوردهم المهالك وتلاه أقرانه من بعده تجرع اليمنيون كؤوس العذاب حتى قيام ثورة 26 سبتمبر، قاتل وقتها الشعب اليمني  ببسالة كي يستعيد حقه التاريخي في الحكم وانتصرت الثورة بدعم زعيم العروبة الخالد جمال عبد الناصر.
 
 وكالعادة، حَنَّ جيش الإمامة المندس في صفوف الثورة الى عهد السيد والإمامة واتفقوا مع فلول الملكية برعاية سعودية وأعادوهم "بكرفتات" ليحكموا من تحت الطاولة، فقاموا بالسيطرة على القضاء والإعلام وأثاروا الفتنة بين قيادات الثورة حتى تم التخلص من قياداتها الحقيقيين الحاملين لمبادئ وفكر الثورة، وحملة مشروع بناء الدولة الحقيقية التي ثار وضحى من أجلها الشعب اليمني.
 
 تسلطوا على اليمن بأيادٍ شلاء وعقول متصحرة وحكموا بمنهجية حكم الإمامة القائم على نظام الرهائن وإباحة المال العام، والقبيلي لابد أن يظل عسكري حطباً للحروب لم يُشبع جوعه أو  فارق الخوف.
 
 وعليه دُفع بالشعب إلى خوض حربٍ تجديدية لثورته 26 من سبتمبر، الثورة التي أعادت الحق لأهله وقادها أول رئيس من أصلٍ يمني اسمه عبدالله السلال، ورسَمت الصورة الحقيقية لملامح اليمن القديم المتناسبة مع تاريخها المعاصر، إلا أن بعض رفاقه الذين لم يستوعبوا معنى الثورة ومبادئها وحقيقة أهدافها مال بهم حالهم المتردي للتماهي مع القوى الإمامية التقليدية في "سقيفة المحامرة" كما أسلفنا وسلموها قرارهم موهومين بأنهم الحكام والنار تتلظى تحت الرماد تتحين الفرصة كي تنفجر.
 
انفجرت اليوم نار الإمامة بدواعي خليط من الأمراض الإجتماعية والعقد السياسية والمعتقدات الطائفية بزعامة الزعيم أحد أعضاء "السقيفة" فكانت كالزيت الذي أشعل حرباً عليهم وعلى من يتوهمون عداواتهم، فأتت عليهم ولم تستثنِ منهم أحداً إلا من حمل مبادئ السلال وناضل من أجلها.
 
تجددت ثورة 26 سبتمبر وأفاقت اليوم لأنها أتت من وحي وضمير الشعب اليمني الذي تكبد منهجية الإفقار والتجيهل والتهميش والأذى من أنظمة الحكم المتخلفة التي تعاقبت على تعذيبه، ودفعت بأبنائه إلى كل ساحات الحروب التي امتدت من صنعاء حتى حجة وحرض شمالاً، ومن صنعاء حتى أبين وتعز جنوباً فحقق الثوار ما أمكنهم من أهداف الثورة غير أن الإجهاض والإستفراغ لمضامين تلك الأهداف حال دون تحققها كاملة وبقيت مرسومة على الورق ومفقودة على الواقع.

والشيء الذي لابد من ذكره في ختام هذه التناولة أن اليمن كانت في تلك الحقبة ساحة حرب وصراع لقوى دولية مختلفة أقوى وأوسع من أقطاب الحرب الداخلية التي تتصارع اليوم أيضاً على بابه وجباله بغية تحقيق كل طرف من الأطراف مصالحه الأمنية الإستراتيجية والقومية مع تقاطع البعض منها مع مصالح وثورة الشعب اليمني حينها والمتمثلة بقوى جمال عبدالناصر وروسيا وداعميهم في معسكر الشرق  في مواجهة الجبهة الدولية الأخرى الداعمة لقوى الإمامة ومقاتليها المرتزقة من اليمن بقيادة بعض المشايخ وخارجها بقيادة "بوب دينار" المرتزق الفرنسي الشهير والقوى الدولية الداعمة لها وفي المحصلة سيظل لسان حال الأماجد من الشعب اليمني كما قال أبو الأحرار الزبيري رحمه الله.

استعلم أمتنا أننا       ركبنا الخطوب حناناً بها
فإن نحن فزنا فيا طالما     تذل الصعاب لطلابها
أنفنا الإقامة في أمة      تداس بأقدام أربابها
 

التعليقات