اختزال الإرهاب: ترمب واستهداف قاعدة اليمن!
الاربعاء, 01 فبراير, 2017 - 11:50 صباحاً

لا تبدو كل الوعود التي أطلقها ويطلقها الرئيس الأميركي الجديد ترمب مجرد شعارات سياسية لطمأنة ناخبيه كما يصر على ذلك بعض المحللين الذين لم يتجاوزوا مربع الصدمة من الانتخاب حتى الآن، بل على الأرجح هي بداية لسنة شرسة على مستوى التدخل الأميركي لم نشهدها منذ أيام حرب الخليج، يصر ترمب على خلق استراتيجية وأجندة جديدة لمواجهة ملفات العالم المتعثرة بعد ثماني سنوات عجاف على مستوى السياسة الخارجية وربما كان اليمن هو البداية.
 
تبدو استراتيجية الرئيس الجديد هي إعادة تصنيف مستوى الخطر على الولايات المتحدة مجددًا وعدم الوثوق في رؤية سلفه الرئيس أوباما، بدليل ما صرح به مسؤول عسكري أميركي قبل يومين من أن الرئيس دونالد ترمب أجاز غارة شنتها القوات الأميركية الخاصة على مقر تنظيم القاعدة في اليمن أمس، واستهدفت جمع معلومات استخبارية عن التنظيم، حيث قتل قرابة 15 كادرًا من تنظيم القاعدة الذي يعيش حالة كمون واضطراب على مستوى «الهويّة» بعد أن اختطف «داعش» الأضواء وتصدى لمحاولات تنظيم القاعدة سحب شرعيته في أكثر من موقع.
 
الهجوم كان في محافظة البيضاء واستهدف أحد زعماء «القاعدة» في اليمن عبد الرؤوف الذهب، إضافة إلى قائد مجموعات تنظيم القاعدة في المنطقة أبو برزان، لكن الغارة لم تخلُ من إيقاع خسائر في صفوف المدنيين، من بينهم نساء وأطفال، وهو ما يعيد السؤال حول جدوى هذه العمليات الصغيرة التي لا تنكأ عين التنظيم ولا تصيبه في مقتل قدر أنها تساهم في خلق مجتمع كراهية للولايات المتحدة، لا سيما أن الصورة المكبرة هي استعادة منطق الدولة في اليمن، وهو الأمر الذي لن يحدث مع بقاء ميليشيات الحوثي والمخلوع التي لا تقل تطرفًا وإرهابًا عن «القاعدة» المسترخية في اليمن، وما يحدث من حرب تدمير وانتهاك عبثي في تعز ما هو إلا واحدة من صور إرهاب الميليشيات.
 
ورغم أن الأسلوب الأميركي المعتاد في التعامل مع جيوب «القاعدة» هو ضربها بطائرات دون طيار فإن هذه المرة شهدت الواقعة سقوط أول جندي أميركي في عهد ترمب في العملية ضد تنظيم القاعدة.
 
العداء التاريخي للولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة يجب ألا يفقدها الرؤية لمستجدات الإرهاب والخطر المحدق في المنطقة والذي لا شك أن «القاعدة» جزء منه، لكنْ ثمة لاعبون جدد يشكلون خطرًا أكبر بكثير مما قد تفعله «القاعدة» التي تعيش أكثر فتراتها ضعفًا.
 
هناك تنظيم داعش، الذي وإن خسر الكثير على مستوى مناطق التوتر في العراق والشام إلا أنه غير استراتيجيته للتمدد في مناطق جديدة، سواء بالعمل المسلح كما هو الحال في ليبيا، أو على مستوى التجنيد والاستثمار في الغضب المتصاعد في بلدان إسلامية بعيدة وغير مرصودة على نطاق واسع في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي والهند وإندونيسيا، وهناك أرقام مفزعة حول أساليب التجنيد وانتقاء الكوادر من خريجي الجامعات ذوي التخصصات العملية المهمة.
 
في اليمن الذي يستهدف ترمب أضعف ما فيه اليوم، تنظيم القاعدة، ينشط «داعش» في الجنوب وفي المناطق البعيدة عن نقاط التماس في الحرب ضد الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع الانقلابية، الذين بلغ بهم الأمر محاولة جر رجل الولايات المتحدة إلى اليمن عبر إطلاق صواريخ موجهة إيرانية مضادة للسفن، وذلك على الأساطيل الأجنبية العاملة في مضيق باب المندب، كما حدث مع سفينة التموين المدعوة «سويفت» التي تحمل راية أميركية وتعمل بقيادة إماراتية والتي تعرضت للقصف.
 
صحيح أن الميليشيا الحوثية بعيدة الآن عن مضيق باب المندب لكن ذلك يعود لجهود السعودية في إيقاف التدخل الإيراني السافر في اليمن وإعادة الشرعية لحكومته المنتخبة، وربما سبب طول أمد الحرب هو اختلاف الرؤية بين من يريدون حرق اليمن عبر استهداف تعز بهذه الطريقة الوحشية التي يمارسها المخلوع وميليشيات الحوثي، وبين رؤية المملكة التي تؤكد أنها تقوم بعملية ردع وليست حرب تطهير، بدليل إيقاع العمليات والتشدد في الاستهداف، وتظل الحرب هي الحرب، لكن تدخلاً أميركيًا مرتقبًا ضد الانتهاكات الإيرانية في اليمن والبحرين ولبنان وسوريا سيقوم بإيقاف منبع التطرف وليس الاشتغال بجداوله الصغيرة.
 
في سوريا نظام الأسد، وهو أحد منابع إنتاج الإرهاب الفاعلة اليوم، ما يبدو تغولاً روسيًا وإيرانيًا وعلى مستوى ميليشيا «حزب الله»، والذي تم الترويج له على أنه انتصار ضد الإرهاب لا يعدو أن يكون إلا قنبلة ضخمة موقوتة لاستقطاب مقاومة مضادة من قبل كل التنظيمات السنية المقاتلة التي انتعشت بفعل الانتهاك الروسي، وهو سيمهد لاحقًا في ظل الإهمال من قبل المجتمع الدولي لنشوء حالة من العنف غير المسبوق في تاريخ المنطقة، وتضخم مبررات استقطاب الإرهابيين وتدشين مرحلة جديدة من العنف المسلح المسنود بقاعدة شعبية لأول مرة، وما لم تتدخل الولايات المتحدة وتضغط على روسيا، لا سيما مع ما يروج له من الغزل المتبادل بين ترمب وبوتين، بهدف تغيير موازين القوى في المعركة بين النظام المسنود من إيران وأذرعها ومن روسيا، سنكون أمام موجات عنف جديدة وأجيال متعاقبة من ضحايا الإرهاب.

المعطيات الجديدة التي أفرزتها لنا الأزمة السورية والتي ساهم فيها صمت المجتمع الدولي وتباطؤه وتقاعسه عن طرح حلول جادة أو التفكير خارج صندوق المصالح الضيقة تبدو كارثية جدًا، ويوما بعد يوم تزداد الفجوة بين الداخل السوري الذي يحكمه منطق القوة والغنيمة، وبين الخارج الذي يحاول استثمار التقدم على الأرض في سبيل أجندته السياسية.
 
الفشل الكبير لمؤسسات المجتمع الدولي والمساعي الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا يؤكد أن الحالة السورية ستصبح بؤرة لإنتاج أجيال من المتطرفين لعقود قادمة، هذه حقيقة لا مراء فيها، وما يحدث في حلب اليوم أخرج مسألة العنف من بعدها الديني والشعاراتي إلى بعد جديد.

* نقلا عن "الشرق الأوسط"
 

التعليقات