توكل كرمان

توكل كرمان

ناشطة يمنية، حائزة على جائزة نوبل للسلام. رئيسة منظمة "صحفيات بلا قيود"

كل الكتابات
الربيع العربي.. في ذكراه السادسة
الجمعة, 10 فبراير, 2017 - 03:12 صباحاً

 أنا هنا اليوم .. أتحدث إليكم في لحظة فارقة تشهد حالة ارتدادا عالمي غير مسبوق عن قيم التعايش والتآخي والديمقراطية وحقوق الإنسان ومجمل منظومة القيم الإنسانية التي بقيت هاجساً للبشرية عبر مئات السنين حتى تمكنت من بلورتها في منظومتها الحقوقية والقانونية منتصف القرن الماضي بعد حربين عالميتين داميتين أهلكت عشرات الملايين من البشر.
 
 أنا هنا اليوم .. لأحدثكم عن الردة العالمية بإتجاه العنصرية والكراهية والنزعات العرقية المتطرفة ، والتي تترافق مع موجة عالمية من الإرهاب ، وتأتي كلها إمتداداً للردة المدعومة عالمياً في المنطقة العربية التي مثلتها الثورات المضادة للربيع العربي الذي يبدو أن قدره كان أن يواجه النظام العالمي بكله وليس فقط الديكتاتوريات المحلية التي خاضت حربها وجمعت شتاتها تحت هذا الغطاء والدعم الدولي
 
أنا هنا اليوم ايها الاصدقاء .. لأحدثكم عن قصة الربيع العربي ، الحلم والتضحيات والمآلات.
 
هل فشل الربيع ؟
 
هل خنا الحلم؟
 
هل كنا على الحق؟
 
 وهل كانت الثورة ضرورة والتضحيات حتمية ام جانبنا الصواب ؟ وزجينا بأمتنا في معركة غير متكافئة مع الحكام وشركائهم الدوليين !!
 
لأحدثكم .. عن الإرهاب الذي غدوتم تسمعون ربيعه يمتد وسطوته تكبر.
 
عن الاسلام فوبيا الذي أستحال الى خذلان وتآمر عالمي على ثوراتنا  وكفاحنا المدني من أجل الحرية ، وقارب نجاة للإرهابين وخدمة جليلة تقدم لهم دون حساب.
 
عن الذي يحدث في اليمن، من ثورة سلمية انتزعت إحترام العالم إلى إنقلاب، وغزو ميليشاوي فاشي للمدن وما جلبه من حرب واقتتال خلفت كوارث لاحصر لها ولاتزال..
 
 إننا نقف أمامكم اليوم لنذكركم ونذكر أنفسنا ونذكر العالم بقضيتنا التي خرج الناس من اجلها في ثورات الربيع العربي، في عالم يمضي من جديد بوتيرة متسارعة بإتجاه الحروب وتضخيم ترسانات الأسلحة الفتاكة وإحياء الصراعات الإمبراطورية والجيوسياسية بين الدول ونزعاتها للهيمنة المسلحة مخلفاً في الهامش قضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وارادة الشعوب وحقها في اختيار حكامها ومحاسبتهم وتغييرهم.
 
إن التمسك بحق الشعوب في اختيار حكامه والمشاركة في السياسة كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات وبناء تحالف عابر للحدود والحواجز الدينية والعرقية والحضارية بين شعوب العالم للدفاع عن منظومة القيم العصرية هي مهمة عالمية وليست فقط حاجة ملحة للشعوب العربية التي تواجه ثورة مضادة تهددها بمستقبل أكثر ظلاماً من الديكتاتوريات التي سادت في العقود الأخيرة من القرن الماضي.
  
لقد خرجت الشعوب في بلدان الربيع العربي ، من المقصيين والمستبعدين عن السياسة والحياة ، إلى الساحات العامة قبل ست سنوات ليضعوا بإرادتهم وسلميتهم حداً لإستبداد متطاول تحول إلى رؤساء مؤبدين وجمهوريات وراثية عائلية وطائفية
 
 لقد قال الربيع العربي كلمته: إن في هذه المنطقة من العالم شعوباً تمور برغبة جامحة للحاق بالعصر وقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان عبر تحول ديمقراطي حقيقي يحول الدولة من أداة سيطرة وقمع وقتل جماعي للمجتمع وطموحاته ومقدراته إلى حيز يتشارك كل المواطنين في صنع السياسة من خلاله وينتجون توافقاتهم وإجماعاتهم عبره ويديرون خلافاتهم وتنافسات برامجهم تحت رعايته كمؤسسة جامعة لكل المواطنين.
 
قال الربيع العربي في 20111: في هذه المنطقة شعوب تحلم أن ترى شكلاً حقيقياً للديمقراطية يسمح بتداول السلطة سلمياً وليس شكل مزيف يبقى فيه الحاكم حاكماً إلى الأبد ويورث لإبنه من بعده والمعارض معارض إلى القبر.
 
لم تكن ثوراتنا الشعبية نزوة عابرة تقفز على الواقع بل حاجة واقعية تأخرت سنوات طويلة حتى ظن الطغاة أنهم هم قانون الحياة وليس الحرية والكرامة وأنهم هم قدرنا المحتوم إلى الأبد يتوارثنا أبنائهم وليس إرادتنا الحرة التي تقرر قدرنا ومصيرنا وحكامنا ونوع الحياة التي نريدها
 
  تطرح اليوم من جديد المفاضلة البائسة بين الأمن والديمقراطية ، وفيها محاولة مكلفة من قبل النظام العالمي لإعادة إنتاج الأنظمة المنهارة عبر الانقلابات والحروب والميليشيات الطائفية ، وكل ذلك تحت غطاء الحرب ضد الإرهاب. إن استغلال التطرف والإرهاب وجماعاته ليس جديداً عند الأنظمة المنهارة ، فقد وظفت ثقافة التطرف وجماعاته منذ عقود ، وكانت ترد على كل دعوة توجه اليها للانفتاح الديمقراطي واحترام حقوق الانسان بتخويف العالم من الإرهاب والتطرف والمتطرفين. وقد تبين عقب ثورات الربيع العربي أن ذلك الإرهاب وجماعاته هو مخزونها الإستراتيجي في ساحة هيمنت طويلاً على كل فاعليها وأدواتها.
 
 يقولون جلب الربيع الإرهاب، هذه قراءة متهافتة للغاية ، سطحية في احسن احوالها ، تنطوي على مغالطات تاريخية لاتتماسك أمام أي بحث منطقي وتتهاوى أمام اي نقاش موضوعي.
 
الإرهاب ليس جزء من الربيع ولا من قوى الربيع ولا من فكر الربيع
 
 كان الحلم دولة المواطنة والعدل والقانون والحريات المدنية والسياسية، والوسيلة الفعل السلمي الممهور بتقديم التضحيات دون اللجوء الى عنف مماثل.
 
الربيع خصم استراتجي للإرهاب فكراً وسلوكاً وغاية واهداف
هذه الحقيقة لاتحتاج الى اثبات.
 
 وحين خضنا الكفاح السلمي وأسقطنا رؤوس أنظمة الفساد والاستبداد والفشل ، قدمنا تجربة ملهمة لشعوبنا مغايرة لما يطرحه الإرهاب وجماعاته ، كان درسا بليغا مفاده ان التغيير ممكن دون اللجوء للقوة والعنف،  وأن ذلك التغيير ممكن وأجدى وأقرب الطرق وأقلها كلفة ، كانت ضربة في مقتل كادت تجفف ينابيع الإرهاب كفكر وتخرسه كممارسة.
 
 بإمكانكم بسهولة ان تتأكدوا من هذه الحقيقة: خلال سنتين من الربيع تلاشت جماعات العنف والإرهاب، لم نسمع بعملية إرهابية واحدة من لحظة إندلاع الثورات السلمية حتى لحظة الإنقلاب عليها وقمعها ومصادرة مكتسباتها من خلال ثورات مضادة بعد عامين تقريبا.
 
كان فكرنا السلمي يكتسح المجتمع ليجفف فكر الإرهاب، كان سلوكنا يطوي قبحهم وعنفهم ، كان حلمنا وهدفنا يشق طريقه في إتجاه المستقبل بعيدا عن الكهنوت والفاشية الدينية نحو دولة مدنية حديثة كشفت عن تفاصيلها كل الدساتير التي تسنى صياغتها في دول الربيع قبل ان يتم الغدر بها وبعضها لايزال يتربص به الغدر ، في مصر واليمن وتونس وحتى في لبيبا.
 
هناك سلميون وثورات سلمية ، وحلم بالحرية والكرامة ، وجسارة للتضحية في سبيل الحلم وللدفاع عن الحلم دون اللجوء لعنف مماثل.
 
 هكذا مضى الأمر خلال السنوات الأولى للربيع حتى تمكنت قوى الإنقلاب والثورات المضادة ، فكان الإرهاب وكان ربيعه ، ولكن الى حين فثوراتنا مستمرة وسنعاود الكرة
 
أيها الأصدقاء دعوني في غمرة الحديث عن المسؤول عن الإرهاب أطرح هذا السؤال :
 
من المسؤول عن الإرهاب إذاً ومن هم آباؤه ومحتكرو ماركة تصنيعه ؟
 
 المقاربة بين خذلان الثورة السلمية وتوسع الجماعات الإرهابية تجد لها من الأمثلة القاطعة في المنطقة الكثير.
 
 كان للصمت عن انقلاب العسكر في مصر وعن قمع بشار الكبير للثورة السورية نتيجة مباشرة لصالح الإرهاب، لم تتأخر
 
كان للصمت عن جرائم بشار الأسد مايكفي من الدعم والمساندة الاقليمية الدولية من جهة، ومن الخذلان والتآمر الدولي من جهة أخرى ، ومضى في قتل الملايين تنفيذاً لشعار أجهزته الأمنية والعسكرية التي أطلقتها منذ الأيام الاولى للثورة السلمية : " الاسد أو نحرق البلد " ، " الأسد أو لا أحد ".
 
 والذين فشلوا في حماية الشعب السوري من تنكيل وبطش بشار الأسد وكفوا عن التدخل الضروري في سوريا ، خلقوا داعش سوريا.
 
 ظهرت داعش وأخواتها كرد فعل او كوسيلة وأداة للنظام وحلفاءوه لضرب الثورة السورية وشرعنة قمعها ورفع أي غطاء ومساندة عالمية لها.
 
كان للفشل الغربي بالتدخل في العراق وإسقاط نظام صدام حسين ومعه الدولة العراقية دون رؤية متماسكة لبديل ديمقراطي ـ فجلبت الحشد الطائفي بدل الجيش العراقي والساسة الطائفين حكاما بدل المتنورين والديمقراطيين.
 
 فشل الذين تدخلوا في العراق ووعدوه بالديمقراطية وحقوق الانسان ثم تركوه نهبا للميليشيا الطائفية والاستحواذ الإيراني خلق داعش العراق وغيرها من حركات الإرهاب هناك.
 
** غياب التنمية ، والإصلاح والتجديد الديني
 
 لذا ايها الأعزاء حين تسألون عن سبب ظاهرة الإرهاب في الشرق الاوسط فقدموا هذه الاجابة الأولية بثقة ويقين :
 قولوا قمع الربيع وخذلان ثورات الربيع والتآمر عليها بالإنقلابات والثورات المضادة ، ودعم الدكتاتورية وإمدادها بإمكانات القمع والتنكيل ، هذا هو السبب الوحيد والكافي لتفسير ظاهرة داعش.
 
 
وهنا وبكل غضب نقول لكل من أشترك في هذه الخطيئة .. لقد أستبدلتم ربيع الشباب العربي بربيع داعش. فعلتم ذلك بقصد أو دون قصد بعلم أو دون بغباء وحسن نية أو بمكر وخبث.
 
 ليس ذلك فحسب بل وأيضا لقد استبدلتم الربيع العربي بربيع للملالي أكمل استحواذه على العراق وسوريا ولبنان وذهب جنوبا إلى اليمن ولا يزال يمارس توسعا واستحواذا يمتد نحو كل جهة وصوب.
 
 استبدل المتآمرون مع الانقلاب والثورات المضادة ربيعنا ومشروعنا وحلمنا المدني بكهنوت الملالي القادم من طهران والمسنود بقيصر روسي مسكون بهوس الإمبراطورية والسيطرة على العالم .. انظروا مالذي يحدث في سوريا
 
 
ليس هناك خدمة جليلة يمكن ان تقدمها هذه الحكومات للإرهاب مثل مساندة الإستبداد ، والسماح بإغلاق سبل ومنافذ التغيير السلمي ، ومثل الكف عن مساندة الأفكار المعتدلة من الأفراد والجماعات الدينية ووضع الجميع في سلة واحدة .
 
 مجازر حلب وخروج المدنيين تطاردهم قذائف البارجات والطائرات الروسية والميليشيات الطائفية التي جلبتها ايران من كل صوب ورجاء العالم بالسماح لهم بالخروج والهجرة من الديار فحسب يجعلنا نبكي عميقا ونتحسر طويلا، ليس على الضحايا فحسب بل على منظومة عهود ومواثيق دولية وإنسانية ظننا أننها ستوفر للمظلومين ولو الحد الأدنى من الحماية، " دعوهم يخرجون من أرضهم وديارهم لاتقتلوهم في الطرقات " ذلك غاية الإنجاز الذي حققه المجتمع الدولي.
 
 لم تنسف كامل حقوقهم ويداس عليها فحسب بل ذهبوا لمنح المبرر والغطاء السياسي بذلك الدور الزائف والإحتفاء به وتصويره للعالم بأنه إنجاز وإنتصار للضحايا !!!
 
لمن أوجه كل هذا اللوم والعتب ؟
 لكل من انقلب على ثورات الربيع وساهم في عرقلتها وتورط في قمعها بالفعل المباشر أو بالدعم والمساندة أو التآمر والمباركة أو الصمت والخذلان. الفتوا في الجوار وستجدون من تشيرون إليهم بأصابعكم كمتورطون أختاروا في اللحظة الإستثنائية والزمن الفارق ان يكونوا في الجانب الخاطئ من التاريخ.
 
 زعماء للعالم الحر حكومات ديمقراطية طالما أدعت انها تأبه لحقوق الانسان وتنتصر للحريات وتقف بجانب الديمقراطية وترفض تقويضها أو النيل منها.
 
 يخيل إليَّ وأنا أشاهد ما حدث في مصر واليمن وسوريا وقد لاتسلم منه تونس طويلا أن هناك من لايريد لنا غير الإرهاب وغير الإستبداد.
 
 
 يجتهد ترمب وفريقه لتأكيد الانطباع بأن المسلمين ارهابيون لأنهم مسلمون عبر تصريحات مكثفة تكرر عبارة " الإرهاب الإسلامي" وإجراءاته العنصرية التمييزية الأخيره فيما يخص اللجوء والهجره بحق سبع دول إسلامية، وأقول عنصرية وتمييزية لأن فرز الناس حسب أديانهم والتعامل معهم بشكل تمييزي سلوك عنصري يتصادم مع القيم المدنية ومع كافة المواثيق والعهود التي تفاخر بها الانسانية ويقوم عليها العالم المتمدن.
 
"الإرهاب الإسلامي" هذه المقولة الشيطانية التي يطلقها ترمب وفريقه، والإجراءات العنصريه االتمييزية بحق المسلمين ، مكافأة عظيمة لم تكن تحلم بها داعش ولم تخطر على بال أي إرهابي أحالت دين بكامله إرهابي ووصمت أمة فاقت المليار والنصف بالإرهاب ، إنه تحريض مكثف ضد ملايين المسلمين من المواطنين الأمريكيين وليس فقط ضد مليار ونصف مسلم يتوزعون على قارات العالم.
 
 إن ظاهرة الإسلام فوبيا ، هذا الخطاب الطافح بالتعصب والعنصريه والكراهية تجاه المسلمين ، يقدم خدمة جليلة للإرهاب ويكرس ويؤكد مقولتهم وهم يتهمون الغرب بالعداء للإسلام كدين وللمسلين كأمة،  والنتيجة ببساطة الطريق سالكة أمام الجماعات الإرهابية والباب مفتوح على مصرعيه لداعش وأخواتها حتى يبدو الأفق أمامها ممتد بلا حدود ، ويضيق الدرب وتستد النوافذ والأبواب أمام قوى الاعتدال حتى يبدو الأفق أمامها وكأنه أضيق من خرم إبره ، وهذه بالضرورة تجعل من داعش متربعة على كرسي تمثيل الأمة ودينها.
 
 الأمر ذاته بالنسبه للقتل خارج إطار القانون بإسم مكافحة الإرهاب والذي يأتي عبر الطائرات بدون طيار والتي يسقط في معظمها نساء وأطفال مدنيين ، انتم لاتكافحون الإرهاب، بل تصنعونه وتمدونه بكل أسباب القوة والبقاء والانتشار!!
 
 لا مفر أمام النشطاء العالميين والنخب والمفكرين والساسة والإعلاميين من أن يتذكروا كفاح أبطالهم الملهمين من اجل الحقوق المدنية ويعيدوا ذات الكفاح الآن ، لإسقاط الإرهاب ، ومعه خطاب الكراهية والبرامج العدوانية الطافحة بالعنصرية والتعصب ، عليهم ان يفعلوا ذلك بإعتبار ظاهرة ترمب تمثل خطر بالغ على الأمة الانسانيه بشكل عام ، وعلى الغرب والأمة الأمريكية أكثر من غيرها.
 
 علينا جميعا خوض هذه المعركة معهم في إطار كفاح عالمي ينتصر للتعايش والمحبة والسلام ويقطع الطريق أمام أي صراع بين المسلمين والغرب لأسباب دينية على النحو الذي تكرسه إدارة ترامب.
 
 علينا ونحن نمضي في شراكتنا الحقة في الحرب على الإرهاب أن لانفقد الأمل ولن نردد ذات الخطاب العدمي. سنطرح خطابنا الحضاري دون يأس ، وأن نعلم ان الاستبداد والإرهاب وجهان لعملة واحده يغرفان من نفس المستنقع ، يستمدان من بعضهما سبل القوه والبقاء .
 
كافحوا الإستبداد والإرهاب معا تلك هي شراكتنا العالمية التي علينا جميعا أن نخوض تفاصيلها وهي دعوتنا العابرة الى كل شبر وإلى كل قلب وعقل متنور في هذا العالم.
 
يكافح الاستبداد فقط بمناصرة ومساندة قوى التغيير المناهضة ، والكف عن خطيئة التحالف معه، ويكافح الإرهاب بفتح آفاق التغيير السلمي من جهة وتشجيع المعتدلين افراد وجهات وجماعات لبث افكار الإعتدال والإصلاح الديني من جهة اخرى.
 
الذين يتحالفون مع المستبدين تحت أي مبرر لايفرطون فقط بمنظومة القيم التي قامت عليها بلدانهم بل وبمصالح شعوبهم وبلدانهم الاسترتيجية.
 
المستبد لايشكل خطر على بلده بل على العالم بأسره  ، تعبر الأخطار التي يخلفها المستبدون الى مسافات بعيدة وراء الحدود ولذلك فإن مكافحة الاستبداد ليس شأن محلي فقط بل شأن عالمي بنفس القدر.
 
 الحكام زائلون والبقاء للشعوب تصالحوا مع الشعوب لا الحكام تحالفوا مع محرريها لا المستبدين وقامعي حرياتها ، هذا هو السبيل الآمن وما عداه محظ أوهام وضلال
 
 دعوني أجيبكم عن تساؤلكم حول ما الذي يحدث في بلدي اليمن، من ثورة سلمية انتزعت اعجاب العالم الى حرب وانقلاب وغزو ميليشاوي للعاصمة وللمدن وتدخل عربي ومقاومة شعبية، وإليكم القصة مختصرة.
 
في عام ٢٠١١١ أشعلنا ثورة سلمية عظيمة ، لإسقاط نظام علي عبدالله صالح الذي تمكن خلال ثلاثة عقود من حكمه العبوس من إحالة اليمن إلى مجرد مقتنيات خاصة به وعائلته وعشيرته .. أشعلنا الثورة ضد دولة الفساد والمحسوبية والرشاوي والفشل الشامل  ، دعونا شعبنا الذي يمتلك أكثر من سبعين مليون قطعة سلاح الى تركه في البيوت والنزول سلميا إلى ساحات وميادين الثورة السلمية في مختلف المحافظات اليمنية. قلنا لهم واجهوا القمع والرصاص بالورود وبالصدرر العارية لاتواجهوا العنف بالعنف ولاتردوا على الرصاص بالرصاص مهما بلغت مساحة العنف والقمع الرسمي، وقد كان استمرت الجموع بالملايين في ساحات وميادين الثورة عام كامل ، اللاعنف في مواجهة العنف ، السلمية في مواجهة القمع ، حتى سقط علي عبدالله صالح ووقع على وثيقة مغادرته للسلطة وبدأت العملية الانتقالية برئيس توافقي جديد وحكومة توافقية لإدارة العملية الانتقالية والإنتقال بالبلاد إلى رحاب الديمقراطية. خلال عامين دخلنا في حوار وطني شامل شارك فيه الجميع أستمر لأشهر من أجل إنجاز دستور جديد للبلاد يكفل الحقوق ويضمن الحريات. دستور مدني حديث وفق أعلى المعايير شارك فيه الجميع بمن فيهم الحوثيون وحزب المخلوع صالح وأنجزنا وثيقة ختامية بالتوافق وصغنا بناء عليها مسودة الدستور الجديد وبالتوافق ايضا.
 
تبقى لنا حسب الخارطة الإنتقالية ، أن نذهب للإستفتاء على هذه المسودة للدستور ثم إجراء الإنتخابات المختلفة بناء عليها. قدرنا لذلك ستة أشهر.
 
 وقبل ان نذهب للإستفتاء على الدستور غزت ميليشيا الحوثي والمتحالفة مع قوات الرئيس المخلوع علي صالح والمدعومه من ايران وماتبقى له من نفوذ العاصمة صنعاء واستولت على مؤسسات الدولة بالقوة ثم اتجهت جنوباً حتى وصلت الى عدن وتعز والحديدة .. نصبت رئيسا من عائلة رئيس جماعة الحوثي ونصبت من المقربين مسؤولين وقائمين على كافة مؤسسات الدولة ودخلت الميليشيا التي غزت المدن في مواجهة مفتوحة مع المواطنين في أكثر من محافظة لاسيما في المحافظات الجنوبية والشرقية وتعز وغيرها ثم أنتقلت الحرب التي بدأتها الميليشيات بالإستيلاء على الدولة والمدن إلى المواجهات الشاملة كما اسلفنا سابقاً.
 
التحالف الانقلابي المدعوم من ايران دعم لامحدود، لم ينسف حلم اليمنيين بالتغيير فحسب ، ولا توافقهم الوطني ولا العملية الانتقالية التوافقية بالقوة والقهر فحسب ، بل أيضا داس على الشرعية الدولية التي أصدرت سبعة قرارات دولية تأييد للعملية الانتقالية في اليمن وللتضامن معها توجت بقرارين لرفض الإنقلاب والدعوة لإنهاء الإجراءات الإنقلابية والتهديد بإتخاذ إجراءات رادعة وفق الفصل السابع إن اقتضى الأمر
 
 يتحدث الإعلام في الغرب عن أن السعودية تقصف اليمن ، هكذا يختصر الحكاية عن ضحايا للتحالف العربي وسط المدنيين!! هكذا يجتزيء المشهد أو هكذا رضيتم ان تبسط الحكاية!!
 
 اقبلوا هذا التوصيف وحددوا موقفكم من قصف للسعودية وجرائم التحالف في اليمن وطالبوا بإيقاف القصف والحرب ، لكن في نفس الوقت حددوا المجرم الأول في اليمن الذي شن على اليمنيين حربه وخان ثورتهم السلميه ، الذي أنقلب على اليمنيين وأحتل عاصمتهم في 21 سبتمبر، الذي اختطف وأخفى قسريا أكثر من عشرة ألف يمني من السياسيين والصحفيين وشباب الثوره السلميه ، الذي فجر منازل رافضي الإنقلاب ، وزرع مئات الألآف من الألغام. لا تغمضوا أعينكم عن مشاهدة جرائم الحوثي والمخلوع علي صالح المدعومين من ايران ، فهذا أمر غير عادل ، وغير منصف.
 
 إن من يفعل ذلك لا يريد السلام ولا الرفاه ولا الحق ولا العدل ولا الحقيقة في اليمن
 
 
 لقد اتخذت الثورة المضادة بقيادة الدكتاتور صالح لنفسها في اليمن شكل الميليشيا المسلحة التي تجتاح الدولة والمدن والمجتمع ، ولم تترك لنفسها بذلك ساتراً يموِّهها أو يضعها في المنطقة الرمادية الغامضة. لقد حددت الثورة المضادة هدف عودة شكل من الكهنوتية الدينية لاحتكار السلطة عبر حركة تزعم أنها مخصوصة بالحكم عبر الاختيار الإلهي من السماء والنص الديني المؤول ، ومعها حليفها الرئيس المخلوع الذي رأى فيها خيار شمشون الأمثل للانتقام من بلده وشعبه. وبتقويضها لكل توافقات المرحلة الانتقالية واتفاقات نقل السلطة واستيلاؤها على الدولة بالقوة والعنف هددت الثورة المضادة منطقة الخليج ودوله التي تمثل إحدى أهم مناطق الاستقرار في العالم منذ عقود طويلة.
 
 ان الثورة المضادة في اليمن قد اتخذت صيغة تقويض للبلد ووجوده وتهديد لأمن المنطقة والعالم
 
 
لقد دارت عجلة التغيير في بلداننا ولن تقف قبل أن تطوي عالماً كاملاً من الطغيان والقمع والأجهزة والسجون والقهر والاضطهاد والإستعلاء والتمايز والفساد . ويكشف هذا المخاض الدامي حجم التراكم تحت سطح الإستقرار الخادع الذي قدم دائماً في الماضي مبرراً لمقايضة الحرية والديمقراطية من قبل النظام العالمي والدول الكبرى المسيطرة على العالم.
 
إن الربيع العربي قد بدأ عملية تاريخية لا تنقضي بين يوم وليلة بمجرد إزاحة رأس الطغيان والفساد. انها عملية طويلة من اعادة تشكيل الوعي بالحرية والكرامة والمساواة وبناء السياسة والدولة والاجتماع العام على هذا الوعي الجديد.
 
ومواجهة الثورات المضادة ليست سوى جولة في مسار الثورة الشعبية التي انطلقت بعفوية وتلقائية كأنها واحدة من حركات الوجود الطبيعية التي لا تستأذن أحداً ولا تنتظر تخطيطاً مسبقاً ولا ترجع للوراء خوفاً من الصعوبات والعوائق والأثمان الباهضة.
 
إنها معركتنا الكبرى من أجل الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والمساواة تجتمع كلها في كلمة واحدة : الربيع العربي، وهي بهذا لا خريف لها بل ربيع دائم في نفوس الشباب التي توقدت بها قبل ست سنوات مع أول شعلة توهجت في تونس الحبيبة.
 
المجد للثائرين من أجل كرامتهم وحريتهم وآدميتهم أحياءاً وشهداء وجرحى..
 
هذا هو قانون الحياة التي نريد وهدف وحلم الكفاح الإنساني العظيم منذ الزمن الأول وحتى الزمن الأخير.
 
* كلمة ألقتها الحائزة على جائزة نوبل للسلام في جامعة أكسفورد في الذكرى السادسة للربيع العربي.
 

التعليقات