كارثية الانتقام من الوحدة إلى الحرب الشاملة
الثلاثاء, 14 مارس, 2017 - 07:21 مساءً

ارتكز نظام صالح السابق على فكرة " فرق تسود" وكان جُل هَمهِ المستدام يعمل على خلق الصراعات والانشقاقات السياسية البينية بين الأحزاب من جهة، وبين الكيانات السياسية والحزبية داخل التيار الحزبي الواحد من جهةٍ أخرى، كما استخدم المنهجية ذاتها في خلق حالات النزاع والاحتراب الدائم بين القبائل ودعم طرفي الصراع القبلي من مخازن سلاح الدولة ومن ميزانياتها التي لم يحدد للأمن القومي العام ميزانية تتكفل بحفظ أمن المواطن وتأمين استقرار مصالحه من الميزانية ذاتها.
 
استخدمت القوى الإسلامية والقبلية سلطة ما قبل ثورة 2011م  ضد بقية التيارات السياسية في بواكير مراحل تشكله الأولى، مستغلين جهل النظام ورعونته وتماهي أهدافها التي كانت تصب في خاناتها البرجماتية حصرياً، بعيداً عن مصلحة الوطن والشعب الهائم على وجهه فاقد البوصلة التي تحدد وجهته وثقيل الخطى من جوائح الزمان التي أحلت به وعليه.
 
استمرت مرحلة عقد الزواج العرفي بين النظام السابق والقوى سالفة الذِكر، إلا أنها ما فتئت تتفتت وتتلاشى مع بروز نجم السلطة وتطور هيكلياتها الحزبية والعائلية، والتمكن من مصادر السلطة والثروة وسحب الأنظار إليها عن طريق شراء الولاءات والذمم التي طالما باعت واشترت في كل الاتجاهات على طول اليمن وعرضه.
 
 إلا أن قيام الوحدة اليمنية ودخول الحزب الاشتراكي كدولة وجيش وثِقل شعبي وجماهيري على الخط وشريك في السلطة غيّر لبعض الوقت من استراتيجية الاستخدام السيء للتيارات ذاتها ضد بعضها، الحزب الاشتراكي الذي كان الأخلص للوحدة حيث حمل ملفات دولته تاركاً العاصمة عدن واتجه إلى صنعاء مع شرطٍ أساسي انتقامي إقصائي تمثل بعدم مشاركة أي شخصية من تيار علي ناصر الهاربة في صنعاء على إثر صراع 13 يناير 1986م والتي خرج من رحمها لاحقاً الرئيس عبد ربه منصور هادي.
 
  قوبل ذلك الإخلاص  بالغدر والنكران من قبل نظام صالح و كانت سيارات الهيلوكس في انتظار أعضائه البارزين، وكانت بنادقه لهم بالمرصاد فحصدت منهم ما حصدت في ظل ترقب حذر من قبل التيارات السياسية الأخرى، وعلى إثر ذلك أعيد ترميم العقد العرفي بين سلطة نظام صالح والقوى القبلية التقليدية من جديد، وبدأ الصراع بين شريكي الوحدة يتبلور بألوان ونكهات أخرى، في سباق محموم  على تولي مقاليد السلطة ولم يعتمدا في صراعهما على القوة السياسية والحزبية الناعمة فقط، بل اتكأَ هذه المرة على القوة العسكرية الصلبة التي قادت في نهاية المطاف إلى حرب صيف 1994م والتي دخل فيها الطرف المقصي "تيار علي ناصر وقواته في الشمال" بقوة وبروحٍ انتقامية أخرى حيث شاركت وحداته العسكرية في الحرب بقيادة عسكرية جنوبية، منها فيصل رجب وفضل حسن وعبدالله علي عليوة وآخرون والتي انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي وخروجه من السلطة نهائياً لتحل محله القوى الجنوبية الجديدة التي تزعمها الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي.
 
وتكراراً لأخطاء النظام الهالك مارست الكيانات السياسية الأخرى نفس النهج الشارع في فكرة الانتقام أيضاً، للتشفي والانتقام من بعضها البعض عقب نجاح ثورة الشباب 2011م غافلين أو متغافلين عن الخطورة الحقيقية لأداتها المستخدمة المتمثلة بـــ " الحركة الحوثية" والتي شكَّلت بعدها موسوعةً من الأخطار على الكل دون استثناء متجاهلين العجز الأخلاقي لاستخدام المبدأ البعيد كليةً عن حاجيات الوطن والشعب والهم الاقتصادي والسياسي الذي أثقل راحَهُ ورواحله.
 
الكارثة التاريخية والسياسية والأخلاقية الانتقامية التي لم ولن تتكرر في تاريخ أجيال اليمن القادمة على الاطلاق هي تماهي النظام البائد الذي أُجبر على الخروج من السلطة على إثر ثورة الشباب 2011م بِعلَمِه الجمهوري ومدافع عبدالله السلال، وجزيلان
وعبدالرقيب عبدالوهاب، وجيشه السبتمبري وشعار الثورة الذي سقاه ورَشَدَهُ اليمنيون بدمائهم في ثورة أيلول سبتمبر 62 والتي راح ضحيتها ما يربو على 200 ألف شهيد من خيرة أبناء الوطن.
 
 تماهى صالح مع القوى الامامية الظلامية القائمة على مبدأ الولاية الدينية، العابرة للحدود اليمينية بدواعي وأهداف مختلفة جمعت بين حب التفرد بالسلطة النابع من مفهوم طائفيتها المنحصر بحدودها الجغرافية الواقعة في أعالي الجبال، وبين الخوف المزمن من الفقر بحجة شحة الموارد المشبِعة للحاجيات، والذي كان دافعاً أيضاً للتمرد على مخرجات الحوار الوطني المحدد لشكل الدولة الاتحادية التي  تقوم على نظام الأقاليم فأنتجت الحرب الدائرة في اليمن لنفس الحقيقة والسبب.
 
أما كوارث الانتقام التي تجري في المناطق الجنوبية بين تيارات ما قبل الوحدة وما تنتظره مدينة تعز وصعدة والجوف وأرحب وما ستحدثه القبائل بمن غرر بأبنائهم وساقهم إلى محارق الموت، وما سيُحدِثه الناس بمن أوغل في تدمير بيوتهم وأحرق قراهم وأجبرهم على النزوح من مساكنهم وانتهب أموالهم، فستكون قصص وحكايات رُعب تراجيدية من نوعٍ آخر، ستملأ الآفاق حزناً والأرض دماً مالم يحدث دعوة عامة لعفو عام ومصالحة وطنية شاملة وتعويض شامل لكل من دُمرت بيوتهم وتقديم المجرمين المتسببين بتلك الأحداث للعدالة والقضاء.
 
 

التعليقات