حين يقتلنا سلاحُنا بأيدي المجانين
السبت, 18 مارس, 2017 - 07:14 صباحاً

كان النظام السابق يعقد صفقات شراء السلاح بعد مرورها على سلسلة عصابات العمولات المالية كمكافآت على أساس القرابة والمحسوبية، ويخزنها في بطون الجبال التي يسرح على سفوحها الرعيان، وترعى في شعابها الماشية، ويغرد على رُباها الطير، وهم لا يدركون كمية البارود القاتل المخزون تحت أقدامهم، ونوايا قادة الظلم المترقبة لصيحات الشعب المنحبسة في صدورهم التي ستنفجر يوماً مطالبة بحقهم في الحياة الحرة والآمنة، رافضة سياسة نهب ثرواتهم، وعوامل الفقر والذل الذي صار شريكهم في صحوهم والمنام.
 
في لحظة من زمن كان اليمنيون يعيشون فيها بغفلة تائهين يلهثون فيها وراء حاجياتهم اليومية، منشغلين بلقمة العيش صعبة المنال جرّاء الجُرع الاقتصادية التي كانت تطل عليهم بين الحين والآخر كرأس أفعى مرهقة لحياتهم، واستقرارهم النفسي والوجداني الذي تبعثرت على إثره إبداعاتهم العلمية والعملية، بل وحتى النظرة الحالمة إلى مستقبلهم القريب.
 
ولم يدركوا أن تلك المخازن ستنفجر يوماً في وجوههم، وتقتلهم في كل مكان حتى في بيوت الله أثناء وقوفهم لأداء الصلاة، ولم يدرك الشباب الذين قٌتلوا في مسجد كوفل بمأرب أن سلاحهم سيصبح يوماً بأيدي مجانين هوام لا يعرفون معاني حب الوطن، ولا يفقهون من قيم الإنسانية، وأخلاقيات الحروب وآدابها الإسلامية والدولية شيئاً، حيث كان العرب يأنفون من القتال غدراً وخيانة، وكان النبي يوصي قادة جيوشه باحترام العابد اليهودي أو النصراني في صومعته، ولا يقطعون شجرة، ولا يذبحون شاة إلا لمأكلة.
 
جريمة قتل الشباب المصلين في مسجدهم في مارب تجاوزت كل أخلاقيات وتعاليم الديانات السماوية والأمم العريقة قديمها وحديثها؛ ناهيك عن عالم الحقوق الإنسانية التي صارت مطلباً رئيساً لشعوب العالم التي تؤمن بها وتسعى لأن تكون لب الحياة في حربها والسلام.
 
 تجاوزت جريمة (مسجد كوفل) حتى أعراف وعادات وقيم القبائل اليمنية العربية الأصيلة التي تمردت على الظلم، ونصرت الحق عبر تاريخها القديم والإسلامي وحتى عهد قريب قبل أن تزرع فيها يد الحقد السياسية دماراً وحرباً وهتكاً وتجهيلاً وفقراً ؛ كي تكون فقط سلاحاً سهلاً رخيصاً بأيدي الطغاة هواة الموت أعداء الحياة.
  وثمة مسؤولية غير مباشرة لقادة عسكريين ميدانيين ومدنيين في طرف الشرعية غاب عنهم حس المسؤولية، يتنقلون بين الولائم والموائد، وتزداد أرصدتهم، وتتخم بطونهم، لا يأبهون لأنفس أفرادهم الطاهرة تُزهق نتيجة لإهمالهم وإخلالهم الفاضح بواجباتهم والذين يتحملون جزءا ليس باليسير من المسؤولية عن مثل هذه التقصير ومثل تلك المجازر.
 
  جريمة (مسجد كوفل) لم تكن خطأً تكتيكياً، ولم تكن في خضم معركة دفاعية أو هجومية بين أطراف متكافئة؛ استعداداً وصحواً في جبهة مفتوحة كل طرف حريص على هزيمة أو وإجبار الطرف الآخر على الاستسلام أو الانسحاب؛ بل كانت جريمة حرب جنائية مخططاً لها مع سبق الإصرار والترصد، تُجرّم مرتكبيها كافة القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أثناء الحرب والسلام، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949م، والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني الملحقان بها والصادران عام 1977م.
 
قوانين دولية لم تُسن عبثاً بل لتقيّد جماح مجرمي الحروب، ولتشعرهم أن العالم يراقب ويسجل كل الانتهاكات، ويوثقها التاريخ بأحدث ما توصلت إليه الإنسانية من أجهزة الرصد والتسجيل صوتاً وحدثاً وصورة، وسيتم الاستشهاد بها عبر كل مراحل الأجيال القادمة؛ كلما أطلت برؤوسها الأفاعي ثانية من جديد، أحداث ستظل قروناً من الزمن محفورة في الذاكرة، ودماء لن ينساها اليمنيون، ولن تسقط بالتقادم وسينتصر الحق "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ".

*د.محمد شداد اكاديمي يمني مقيم في ماليزيا.

*المقال خاص بالموقع بوست.

التعليقات