القمة العربية في الأردن وموقف قطر في القضايا العربية
الجمعة, 31 مارس, 2017 - 11:02 صباحاً

قدر لي أن أحضر وقائع مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في المملكة الأردنية الهاشمية (البحر الميت) بعيدا عن العاصمة عمان وصخبها وزحام المرور في شوارعها، والحق أن الأردن عمل أكثر من طاقته لترتيب انعقاد هذه القمة رغم ظروفه الاقتصادية وما يحيط به من قوى تتمنى فشل القمة، فقد كان الأمن الأكثر استنفارا وكان الشعب الأردني يعمل كل بجهدة في سبيل إنجاح المؤتمر.
 
(2)
 
افتتح الملك عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية وقائع مؤتمر القمة في موعدها المحدد وقد حضر جميع القادة العرب إلا الذين حال بينهم وبين المشاركة في القمة أمراض الشيخوخة لكن حضر من يمثلهم بكامل الصلاحيات. الملاحظ أن ضيوف الشرف الأجانب الذين تحدثوا أمام اجتماع القمة افتتحوا خطاباتهم بكلمات عربية وفي تقديري كانوا يتمنون معرفة اللغة العربية ليخاطبوا شعب أقدم الحضارات الإنسانية وهم العرب بلغتهم.
 
تحدث أمام القمة معظم قادة وممثلي الدول العربية، وأتوقف عند خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر لا بهدف تحليل المضمون وإنما بالتوقف عند مفاصل في الخطاب، ومن هنا أستطيع القول بأن خطاب سمو الأمير أمام القمة كان أبلغ خطاب وأشمل موضوع، تحدث عن كل القضايا العربية بإيجاز لكنه إيجاز نافذ لا اعوجاج فيه. تضمن رسائل إلى كل من يهمه أمر الأمة وحتى أولئك الذين لا يثيرون اهتماما بحال هذه الأمة ويؤثرون مصالحهم وتطلعاتهم لتعظيم مصالحهم ولو على حساب هذه الأمة التي اختارها الله لتحمل آخر رسالاته لأمة الثقلين هادية ومبشرة ونذيرة.
 
(3)
 
في الشأن الفلسطيني أم القضايا العربية، أكد سموه بأنه لن تقوم دولة فلسطينية بدون غزة أو في غزة، وكأنه يرد على تلك الفئة القائلة بأن دولة قطر تريد أن تقيم دولة فلسطينية في قطاع غزة، وأيضا على الذين يعملون بكل جهد من أجل إقامة دولة في الضفة الغربية فقط.
 
لقد تحدث عن الحال في غزة مطالبا بفك الحصار عن القطاع والإسراع في نجدة الإنسان الفلسطيني هناك، وقال إنه لا جدوى من النزاع على سلطة دون سيادة ولا دولة دون غزة. وأكد سموه أن دولة قطر تبذل كل جهودها من أجل مصالحة فلسطينية فلسطينية من أجل الشعب الفلسطيني لا من أجل مصالح ذاتية لدولة قطر.
 
لقد استدعى سموه في خطابه أمام القمة التقرير الذي أعدته منظمة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا (الأسكوا) والذي يبين للرأي العالمي أن إسرائيل تمارس سياسة (الأبرتايد) التمييز والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وأمر الأمين العام للأمم المتحدة بسحب التقرير من التداول استجابة لضغوط إسرائيلية أمريكية، الأمر الذي أدى بالدكتورة ريما خلف، أردنية الجنسية، مساعد الأمين العام المدير التنفيذي لمنظمة الأسكوا، لتقديم استقالتها؛ احتجاجا على حجب التقرير وسحبه من مواقع الأمم المتحدة.
 
لقد قال سموه في هذا الشأن: نطالب المجتمع الدولي بممارسة كامل الضغوط على إسرائيل وحلفائها برفض إقامة نظام الفصل العنصري (أبرتايد) في فلسطين في القرن الحادي والعشرين، والذي قد تم القضاء على هذا النظام اللا أخلاقي في جنوب إفريقيا في أواخر القرن الماضي، ويجب على العالم أن لا يسمح بعودته مرة أخرى في فلسطين.
 
(4)
 
الإرهاب وما أدراك ما الإرهاب، لقد حاولت الأمم المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي أن تجد تعريفا شاملا لمفهوم الإرهاب لكن الدول الكبرى صاحبة النفوذ الأعظم على المنظمة الدولية حالت دون الوصول إلى تعريف حول مفهوم الإرهاب، بمعنى آخر أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لمفهوم الإرهاب، ومن المؤسف أن الدول راحت تعطي تعريفا للإرهاب بما يحقق مصالحها الآنية.
 
في عالمنا العربي ذهبت بعض الحكومات إلى اعتبار كل من يعارض سياساتها أو يطالب بإصلاح سياسي يحرم الفساد ويطالب بالعدالة والمشاركة السياسية بأنه يمارس عملا إرهابيا يجب محاربته والقضاء علية. في هذا الإطار يتساءل سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام مؤتمر القمة: "هل من الإنصاف اعتبار تيارات سياسية إرهابية لمجرد الاختلاف معها في الرأي"، إنه غير مجد أن نوسع قاعدة المنظمات الموصومة بالإرهاب، إن أمرا كهذا غير مقبول، إن ذلك الأمر لا داعي له، إن عملية توسيع تلك القاعدة يضر أكثر مما ينفع. إن قضية الإرهاب كما قال سموه هي أخطر من أن نخضعها للخلافات والمصالح السياسية.
 
(5)
 
لقد تناول سموه في خطابه أمام القمة في الأردن الشأن السوري والليبي واليمني بالتفصيل وقال في الشأن السوري إن كارثة الشعب السوري اليوم تتوقف على تنفيذ مقررات جنيف (1) والتي مؤداها تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات. وكأني به يريد القول لا جدوى من تشكيل منصات هنا وهناك ولا اجتماعات وحوارات لا تقود إلى حل يعيد للشعب السوري كرامته.
 
والشأن الليبي أكد أنه لا خيار للأشقاء في ليبيا سوى الحوار والتوافق والتمسك بمخرجات اتفاق الصخيرات، والابتعاد عن التطلع وراء الحدود لمساعدة هذا الطرف أو ذاك لأن الذين وراء الحدود يبحثون عن مصالحهم لا مصالح الشعب الليبي. وفي الشأن اليمني دعا إلى تنفيذ مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني اليمني وتنفيذ قرارات مجلس الأمن.
 
ومن هنا، على اليمنيين أنفسهم النظر إلى الأفق البعيد من أجل الشعب اليمني، لا من أجل تحقيق مصالح ذاتية، سواء على مستوى الأفراد أو الأحزاب، وأن الالتفات والاستقواء بالخارج أمر في غاية الخطورة، على القيادات اليمنية شمالا وجنوبا أن تترفع عن الاستقواء بالخارج، فذلك يضر بسيادة اليمن ومستقبلها.
 
آخر القول: نجحت القمة العربية في تحقيق مشاركة أكبر عدد من القادة، ونجحت في الإدارة والتنظيم، ونجحت في لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والجنرال السيسي. وغلب النعاس على بعض القادة؛ لأنهم مرهقون من كثرة الأعمال التي قاموا بها قبل انعقاد الجلسات العلنية.
 
"الشرق" القطرية
 

التعليقات