د. عمر عبدالعزيز

د. عمر عبدالعزيز

كاتب يمني مقيم في الامارات

كل الكتابات
عودة أمريكية لسياسة «اليد العليا»
الخميس, 13 أبريل, 2017 - 11:02 صباحاً

الضربة الجوية الأمريكية الأخيرة في سوريا انطوت على رغبة أمريكية في تغيير قواعد اللعبة السياسية في سوريا، وقد تبنَّت إدارة ترامب فكرة التغيير لتلك القواعد عبر استرجاع نظرية «اليد العليا»، من خلال المبادأة الميدانية المتفوقة، بعد أن وجدت الذريعة الكافية للشروع في العمل العسكري، فاستخدام الغازات السامة ضد المدنيين كان العنوان الظاهر لرد الفعل الأمريكي الذي توازى مع ردود أفعال سياسية مشابهة في أكثر من مكان في العالم، لكن الفاعل الحقيقي في استخدام الغازات السامة أخطأ هذه المرة خطأ أفدح من السابق، ففي المرة الأُولى تم استخدام ذلك الغاز القاتل والمحرّم دولياً ضد وحدات عسكرية، لكنه هذه المرة طال المدنيين والأطفال منهم على وجه التحديد.
 
يتساءل الكثيرون حول الجهة التي باشرت هذا الفعل الإجرامي؟ وهل يمكن أن يكون انعكاساً ضمنياً لحالة خلافية عند الحلفاء مُتنوعي الأجندات، ومن يتناغم معهم داخل النظام؟.. بمعنى آخر.. هل يمكن أن يكون ذلك الفعل المبرمج تعبيراً عن خلاف ضمني بين النفوذ السياسي الروسي، بمقابل النفوذ الإيراني؟ أم أن هناك يداً خفية أخرى كانت وراء ما حصل؟
 
هذه الأسئلة وغيرها ليست واردة برَسم الإجابة عنها، فكل مفردة من هذه المفردات بحاجة إلى وقفة خاصة، لكن مما لا جدال فيه أن التحالف الروسي- الإيراني على خط دعم النظام السوري لا يُلغي المسافة الفاصلة بين النموذجين.
 
مهما يكن من أمر، فإن إدارة ترامب تعمَّدت استعادة دورها المخطوف، وتنازلاتها الحرة على عهد أوباما، من خلال نموذجها المثالي الذي تلخَّص في الضربة الصاروخية. فقد أرادت إدارة ترامب استرجاع الحضور الأمريكي الفاعل في المعادلة السورية، وعبرها في الشرق الأوسط برمته، كما أرادت التباعد الإجرائي عن معادلة (بوتين/ ترامب) التي طالما تحدّث عنها القائلون بالغزل غير المباشر بين إدارتي ترامب وبوتين، وأرادت ثالثاً أن تبعث رسالة لطهران من خلال الساحة السورية التي تتواجد فيها إيران كلاعب مهم. كما تأتي الخطوة الأمريكية الأخيرة ترميماً لتلك العراقيل القانونية التي واجهتها إدارة ترامب على خطّي قرارات الهجرة المثيرة للجدل، والتراجع عن مشروع «أوباما كير» الخاص بالتأمين الصحي.
 
انهمار صواريخ توماهوك على القاعدة العسكرية السورية، تعيد إلى الأذهان العقيدة العسكرية الأمريكية التي طالما شكلت رافعة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية.. تلك العقيدة التي تراجع عنها الديمقراطيون على عهد أوباما وإدارته، من خلال استبدالها بمنهج استراتيجي يستبعد فكرة التدخل المباشر، ويعتدّ بالدَّعم اللوجستي والتقني للحلفاء من جهة، وبالطائرات من دون طيار كوسيلة لعدم التورط في الحضور المباشر على الأرض من جهة أخرى.
 
وقد لاحظ المراقبون سرعة التراجع عن هذا المنهج في إدارة ترامب، من خلال التدخل العسكري البري والجوي في اليمن.. عندما قامت وحدة عسكرية أمريكية بإنزال جوي، واشتباك مباشر مع عناصر من القاعدة في إحدى القرى اليمنية.
 
وما حدث من ضربة صاروخية في سوريا، امتداد مؤكد لذات المنهج، مع ملاحظة الفوارق بين المستويين، فما حدث في اليمن مجيَّر على الحرب العالمية المعلنة ضد إرهاب القاعدة و«داعش»، وما حدث في سوريا مجيَّر على سياسة أمريكية جديدة تريد أن تثبت وجودها.
 
المحنة السورية وتمدداتها الباهظة على الأرض وفي القلوب والعقول، أبرزت استقطابين حادّين على المستوى العالمي.. بمقابل استقطابين على المستوى الإقليمي.
 
أمريكا وروسيا على المستوى العالمي.. تركيا وإيران على المستوى الإقليمي، وفي تضاعيف هذه المعادلة الرباعية سلسلة من التحالفات والاستقطابات الموازية عربياً ودولياً، والتي قد تبرز برؤوس حرابها الناتئة في أي لحظة.
 
العودة لسياسة المبادأة واليد العليا الأمريكية لم تعد قاصرة على الحالتين اليمنية والسورية، ففي بحر الصين الجنوبي أوفدت العسكرية الأمريكية حاملة طائرات مدججة بالقطع البحرية، وأومأت للصين بالمزيد من الضغط على نظام كوريا الشمالية المقيم في نزعته النووية وتجاربه الصاروخية المستمرة، وعلى خط الاتفاقية الأمريكية- الإيرانية حول المسألة النووية، حيث تضغط إدارة ترامب باتجاه التخلي عن تلك الاتفاقية.
 
* الخليج الإماراتية
 

التعليقات