د. عمر عبدالعزيز

د. عمر عبدالعزيز

كاتب يمني مقيم في الامارات

كل الكتابات
إلى أين تتجه البشرية ؟
الاربعاء, 26 أبريل, 2017 - 10:44 صباحاً

تتسارع الأوضاع العالمية تدهوراً بالمعنى الجيوسياسي، وتتنامى الاستقطابات غير المنطقية في أكثر من مكان على الأرض، والشواهد على ذلك واضحة، ومن ينكرها سيكون كمن ينكر ضوء الشمس في كبد النهار. ففي موسكو يترأس وزير الخارجية الروسي مائدة تشاور وتضامن تضم إيران وسوريا، في رسالة ضمنية للموقف الروسي الثابت، الذي يعتبر النظام السوري ممثلاً للشرعية، رغم الحرب المريرة المستمرة منذ ستة أعوام، ويباشر وزير الدفاع الأمريكي جولة شرق أوسطية استثنائية، في الوقت الذي تتجول فيه حاملة الطائرات الأمريكية والسفن الحربية المرافقة لها على مرمى حجر من المياه الكورية الصينية.
 
يتحدث المراقبون عن خيارات أمريكية مفتوحة، فيما تجلجل بيونج يانج بتصريحاتها المتطيرة، مهددة اليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما يستدعي حضوراً يابانياً - كورياً مؤكداً في معادلة التسخين المتبادل، وعلى مقربة منهما تراقب الصين بقلق بالغ تداعيات الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، محافظة على ذات المسافة الحكيمة التي طالما ميزت السياسة الخارجية الصينية، لكن هذا الأمر لا يبعدها عن دائرة القلق الكبير، خاصة وأن الصين تؤهل نفسها منذ عقود لتكون الاقتصاد الأكثر حيوية وديناميكية في العالم، وهي فيما تحقق نتائج مبهرة تستشعر فدح تجاورها مع شبه الجزيرة الكورية، والتباسها الضمني بالتحركات العسكرية في مياه بحر الصين الجنوبي.
 
تحاول الصين جاهدة القيام بالتفاف ناعم على بيونج يانج، لكنها تواجه عنتاً غرائبياً من دكتاتور كوريا الشمالية.. الشاب الفتي الذي لا يعرف غير لغة القوة المدمرة، والتهديدات المرعبة، فهو تارة يعد بمسح كوريا الجنوبية من الوجود، وأخرى بتدمير حلفاء أمريكا في المنطقة مع تحديد خاص لليابان، وتصل به التهديدات حد الوعد بقصف الولايات المتحدة ذاتها.
 
لم يشهد العالم في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هذا القدر من التصعيد الكلامي والعملياتي، بالرغم من انطلاق قطبي الحرب الباردة من تحالف عسكري وثيق شمل مكونات حلفي الناتو ووارسو، بل العكس، ففي الفترة ما بين 1960 على عهد خروتشوف، وحتى 1990 على عهد غورباتشوف توافق الأمريكان والسوفييت على سلسلة من التدابير والإجراءات الكفيلة بتقليص الرؤوس النووية، توطئة لاستبعادها التام في العالم، ولقد تنفست البشرية الصعداء بقدر إدراكها بأن الاتحاد السوفييتي بدا مثالياً وهو يعترف بحيازته كمية أكبر من الرؤوس النووية، ويوافق على تخفيضات متبادلة مع الولايات المتحدة ضمن معادلة تصل إلى تساوي عدد كمية الرؤوس المتشابهة في فاعلياتها التدميرية للطرفين.
 
لكننا اليوم بصدد سباق محموم للتسلح بين القوتين الأكبر عسكرياً في العالم، كما يحتار فرقاء الجغرافيا الجيوسياسية تجاه هذه المعطيات، ما نجد له ظلالاً في متوالية من التأزمات السياسية، ابتداء من الاستفتاء الشعبي البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي.. ما فتح باباً مقلقاً في أيرلندا إسكتلندا، لتصبح المملكة المتحدة في مهب رياح قد تقتلع وحدتها الكونفدرالية، وبالمقابل يتأسى بعض من الأوروبيين المنخرطين في الاتحاد الأوروبي بالنموذج البريطاني، لاعتقادهم بأن اقتصاداتهم المحلية المتينة ستخسر في ظل البقاء تحت مظلة اليورو، كما هي الحال بالنسبة لألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر.
 
وفي فرنسا يحتدم جدل واسع، عطفاً على الانتخابات الرئاسية؛ حيث تتزايد أسهم اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، فيما تنحسر أسهم يمين الوسط ويسار الوسط، حتى أن بعض الرائين العارفين بنواميس التاريخ يطلبون التراجع عن آليات الاستفتاء الشعبي الذي يقرر مصير الأمة، ويضع النخبة الواعية في زاوية ضيقة حرجة.
 
هذا المشهد العالمي واحتمالاته يتوازى مع الحروب المتنقلة هنا وهناك، وتزداد المسافة الخلافية بين عتاة القوة والمال، حتى أن مجلس الأمن الدولي لم تعد لديه القدرة على تمثيل الشرعية الدولية التي توافق عليها فرقاء الظفر العسكري بعد الحرب العالمية الثانية، بل إنه يعجز عن إصدار أي قرار له أي طابع إلزامي وقهري، كما يفشل تماماً في تفعيل وتنفيذ القرارات التي تصدر تحت البند السابع، وبهذا المعنى يفقد العالم المرجعية القانونية والمؤسسية الكفيلة بتحقيق السلم والاستقرار.
 
* الخليج الإماراتية

التعليقات