الحزبية في اليمن...بين القروية والتعصب
الخميس, 04 مايو, 2017 - 06:47 مساءً

الأحزاب السياسية مكونات اجتماعية حديثة تحمل مبادئ سياسية وتنظيمية، تنطلق من تاريخ ومعتقدات كل أمة ولا تتصادم مع عادت أيٍ من تلك الأمم وتقاليدها، لكي لا تواجه بالصد الممانع لديمومتها ومعارضة تلك المبادئ والأدبيات وحتى تحظى بالقبول، وتنصهر في بوتقة سياسية واجتماعية واحدة بصرف النظر عن تعدد الأعراق والديانات والمذاهب ومفاهيم الحياة الشاملة فيها.
 
هذه الأحزاب دائماً وفي العادة تحل محل المكونات المجتمعية التقليدية المتخلفة كالعشيرة أو القبيلة المعتَمِدة على العصبية المفرطة التي لا تتجاوز سلالية أفرادها ورقعتها الجغرافية إذا كانت مستقرة وليست راحلة ومتحركة بحثاً عن الماء والكلأ ، كما إنها تعتمد على مبدأ القوة والغلبة في تنظيم حياتها والدفاع عن حقوق أفرادها والذود عن حماها وحدود مراعي قطعان مواشيها، هذا الإحلال الفكري في مجتمع متخم بالتعصب والتخلف هدفه الأساسي الارتقاء به واخراجه من الحالة التي يعيشها إلى آفاق رحيبة ومستقبل أفضل .
 
ولأن الحياة وحركة الزمان لا تتوقف على كل الصُعُد استجابة للضرورة والمألوف فإن الأحزاب السياسية بمفهومها الفكري التنويري تتطور وفقاً لتطور المجتمع الشامل، تتطور في الفكر وترتقي في التوجه السياسي وتتسامى ولاءً للوطن والأرض، بحركة ديناميكية متلازمة في كل جوانبها الاقتصادية، الصناعية، العلمية الإبداعية، التنظيمية والسياسية.
 
 تطور يهدف إلى التحرك نحو التفكير والعمل الجاد والحوار البناء والنقاش المثمر وتقبُّل الآخر، في كل أحوالها الدائمة صعوداً وهبوطاً، تقدماً وتراجعاً، موالاةً وعشقاً للوطن وتضحيةً في حركاته الوطنية المطالبة بالحريات العامة، والدولة المدنية الحاضنة للجميع والمحققة لطموحات الجميع وفقاً لذلك التطور الفكري الوطني الراقي.
 
وإذا ما وضعنا الكيانات الحزبية اليمنية التي حاول اليمنيون بناءها وخوض تجربتها على طاولة والنقد وتقيمها على غرار ما أحدثته أحزاب البلدان المتقدمة التي أتت أكلها استقراراً وتنميةً وديموقراطية وتعايش بين كل الفرقاء في مجمل شؤونها الانثربولوجية الاقتصادية والفكرية، سنجد أنه لا شيء طرأ أو تغير من ذلك في اليمن سواء في المفهوم أو في الممارسة والمنطلق إلا اليسير الذي لا يرقى إلى طموحات الجماهير المتطلعة. 
 
ومن هنا وعلى الرغم من أن اليمن يمر اليوم بأخطر أيامه في تاريخه المعاصر وفضلاً عن التمزق الذي يعيشه مجتمعه بكل أبجدياته ومستوياته لا زالت تجربته السياسية الوليدة تتحرك ببطء شديد يخالطها الكثير من سلبيات الرواسب التاريخية المكتسبة من عرف القبيلة وعاداتها العتيقة ومن ممارسات النظم السياسية المتخلفة، إذ نجد بجلاء ودهشة أن القبيلة تحزبت بعصبيتها ورجعيتها ومارس الفرد المتحزب قرويته ومناطقيته في الحزب بالمخالفة مع أبجديات الحزب ورؤاه المستقبلية ونظامه الأساسي.
 
فكانت القبيلة في المناطق الجنوبية تتدافع إلى عدن بكل ثقلها للمشاركة في صراع أجنحة الحزب الاشتراكي فينقلب الحزب إلى قبائل متناحرة بمجرد نشوب الصراع ويستدعي كل جناح قبيله وفصيله ويتشظى الحزب في أتون صراعات لا تمت للحزبية أو الديموقراطية بصلة.
 
  أما في المناطق الشمالية التي تعددت فيها الأحزاب منذ مطلع ستينات القرن الماضي حيث كانت محرمة في بداياتها، إلا أنها نمت تدريجياً في مطلع الثمانينات حتى سُمح لها بممارسة أنشطتها الحزبية قانوناً في مطلع التسعينات عقب الوحدة اليمنية، غير أنها لازالت تعاني من تلك الآلام والأوجاع السيكلوجية النفسية إذ تجد أن من الأحزاب من اتكأ على مكانته في السلطة القبلية فمارس كل أنواع الاستغلال لصالحها بعيداً عن المبادئ التي قامت عليها وانتسبت إليها وابرزتها لجماهيرها وغيرهم من طلائع المجتمع.
 
 ومنها -أي الأحزاب- من ارتمى في حضن القبيلة فتماهى معها في الخطاب العام والممارسة السياسية والتعصب القبلي ونفوذ النافذ فيه وفيها، مما أدى إلى تهميش مُثقفي باقي المجتمع وممارست الحزبيين لحزبيتهم على الهامش البعيد فيها، وإذا ما اختل الحزب تاهوا في أتونه أو خارج مصفوفته دون مأوى من القبيلة أو حاضنةً من الحزب، فتجد فيها القبيلي ذو الخطاب المتخشب والحزبي ذو العقلية الجدلية التي تُشبُه "تيوب" الإطارات المنتفخ دون وعي وإدراك.
 
 ومن خلال هذه القراءة السريعة نخلُص إلى أن خَشَب القبيلة بكل ثقلها سواءً كانوا في السلطة أم خارجها وتيوبات الأحزاب المنغلقة، هما العائق الرئيسي للنشاط والممارسة الحزبية الحديثة وإقامة الدولة العادلة في الشمال أو الجنوب على حدٍ سواء مع استثناء بعض الأحزاب التي لم تتماهى مع مثل تلك النظريات إلا أنه أصابها ما أصاب غيرها من التعصب المناطقي والجهوي في ممارساتها لأنشطتها الحزبية الداخلية وانتخاباتها الادارية وترشيحها لمن يمثلها في جوانب السلطة أو نشاطها العام.
 

التعليقات