حوائط ظلام الشرعية والانقلاب
الاربعاء, 17 مايو, 2017 - 09:44 صباحاً

 تعددت المآذن والديوك، والنوايا والطموحات، وبدأت تظهر على السطح قبل بلوغ المرام وتحقق الأهداف، بشكل معاكس لنظريات كل الثورات التحررية، فانعكس ذلك على سير الحرب والمعارك الهادفة إلى تحرير الوطن، بل صارت عائقاً لمشروعنا الوطني، ومُنشِطاً لتزايد وتكاثر القوى المعادية في الضفة الاخرى وعاملاً من عوامل الديمومة والاستمرار لها.

يقول الأديب عبد الباري طاهر في معرض حديثه عن جهود الشاعر والمؤرخ مطهر الارياني أنه فوق ما بذله من عطاء في أعماله التاريخية والأدبية "فتح ثغرة في الجدار السميك الذي أقامته عصور من القهر والتخلّف والاستبداد والبدونة "، نعم ولايزال الحائط يا رفاقي قائماً وسميكاً بحجم الصراع والمرحلة ولا يزال الشعب اليمني يحفر على ظهره ليلاً ونهار، كي يفتح فتحة للنور يرى منها الشمس ويشتم عبرها النسيم بلا يأس تدركه المعاول أو خوف انكسار كما أشار الشاعر المقالح في إحدى قصائده.

جدار الظلم والقهر والتخلف والبداوة الذي أشار إليه الشعراء والباحثين، ما برح فينا مقيماً يسكنه نظامان ويتمترس على جانبيه فئتان فئة الحق التي يقف ورائها لشعب اليمني الحر الذي يهدم فيه عبر كل الحروب التحررية وتضحياته الطوال، وفئة الباطل التي يتمترس وراءها أصحاب المصالح يحفهم الجهل ويقودهم العمى والضلال والتي تحاول ترميم وإعادة بناء ما انهدم منه من جديد طوال خمسين سنه ونيف.

 كان حائطاً واحداً يقع وسط أحشاء الوطن يسبح حوله تياران الأول يمني الهوى والهوية يحاول الوطنيون هدمه والآخر نقيضه يبنيه ويعمّره ويحافظ عليه، وما حدث من قوى التخلف والتسلط والظلام في آخر عهدنا اليوم إلا محاولة لإعادة ترميمه وبنائه كليةً وتوقيف زلزلة الشعب اليمني له كي تظل أمراض الكوليرا والحصبة وحمى الضنك والقمل والكتن وكل أوبئة العصر تعيش في ظله وتتكاثر على جوانبه استمراراً لسياسة تعذيب الشعب اليمني وتدميراً لحماسته التغييرية وسحق هويته وإطفاء مولدات التمرد والثورة في وجدانه ومشاعره.

 أما اليوم فقد تعددت الجدران وزادت سماكةً وارتفاعاً وصارت تقف أمام طموحات الشعب اليمني بأحجام واشكال هندسية مختلفة، أصحاب المصالح الشخصية الأنانية النَّائينَ عن الشعب يمثلون جداراً ،وأصحاب العصبة القبلية والقروية الحزبية يمثلون جداراً  آخر وأصحاب الهوى السياسي والسلالي الجهوي يمثلون حوائطاً وجدر.

نعم لقد كثُرت الحوائط اليوم بخلاف المعاناة التي كانت نتاجاً لحائط ظلاميٍ واحد تمثل في نظام الإمامة المتخلف في الشمال ونظام الاستعمار المتسلط في الجنوب، وكثرت السجون وتوزعت شمالاً وجنوبا تحت الأرض وفوقها سرية وعلنية،  وزُجَّ في غياهبها بكل طوائف وأضداد السياسة الثوريين منهم والوطنيين، أصحاب الحق والرأي والكلمة، وكثُرَ القتلة والجلادين وانتشرت جرائم التعذيب وانتزاع الاعترافات المخالفة للحقيقة بالقوة، وتكاثرت خلية الوشاح سياف الإمام فصاروا زُمراً تحمل الاسلحة النارية يقومون بالتعذيب والاعدامات الميدانية خارج نطاق القانون  وأصبحوا طوابيراً وفرقا تجوب البلاد خسفاً وقهر.

الحقيقة المرة التي يجب قولها أننا اليوم نعيش فترة ما بعد ثورة 26سبتمبر و14 أكتوبر بكل أبعاد الصراع والنهب والاقتتال على المكاسب فيهما، فبعد أكثر من خمسة عقود من عمر الثورتين لم نتعلم بعد ولم نعتبر من اخطائنا، بل اتسع الخرق على الراقع في حربنا اليوم بسبب تعدد أهداف حاملي راية الوطن واختلاف مشاربهم الفكرية المتأزمة نتيجة لصراعات زرعتها أنظمة سابقة فيما بينهم إضافة إلى تعدد مصادر الدعم والولاءات لها فأثرت على السير في قضيتهم قبل الخلاص الأخير.

ولذلك، فإن هذا الواقع المرير الذي نتجرع صروفه يستدعي قيام دولة حقيقية تقودها شخصية وطنية مقبولة من كل الاطراف، وجامعة لكل الأطياف، يلتف الناس حولها وترتص الصفوف على جوانبها، شخصية شجاعة يلتف حولها الشجعان ويذهب الجبناء الخوارين بعيداً، وطنية محبة للوطن يلتف الوطنيون حولها ويذهب الخونة والعملاء إلى أقاصي الجحيم، ونزيهة يلتف الشرفاء حولها ويذهب اللصوص والانتهازيين مسافات لا حدود لها للبحث عن فرص عمل يقتاتون منها بعيدا عن المتاجرة بالوطن وآلآم شعبه الجريح.

شخصية تضرب بسوط العدل وحداً من حديد يسنده القانون على كل الأكف التي تقف وراء جدار الظلام لإعاقة هدمه أو إعادة بنائه من جديد أو على أكف من تسول لهم أنفسهم إعاقة العجلة التي أدارها الشعب اليمني خلال ثوراته المتعاقبة حتى لا تخمد فرحة الشعب بثورته التي عبر عنها البردوني التي قال عنها:

 أتدرين، يا شمس ماذا جرى ؟ ***سلبنا الدجى فجرنا المختبي
وكان النعاس على مقلتيك *** يوسوس ، كالطائر الأزغبِ
وسرنا حشوداً تطير الدروب*** بأفواج ميلادنا الأنجبِ
فولّى زماناً ، كعرض البغي*** وأشرق عهداً ، كقلب النبّي   
 
 

التعليقات