محاولة اغتيال التاريخ!
الثلاثاء, 23 مايو, 2017 - 04:46 مساءً

لم تكن الوحدة اليمنية "لمّ الشمل" خيارا أو اختبارا صعبا للأمة اليمنية، بل قدرها المحتوم، هذه الأمة العريقة مزقتها الأطماع السياسية والمشاريع الشعبوية بفعل الدخلاء عليها والطارئين على حياتها المجتمعية الذين رضعوا من فكر الغزاة التقسيمي والتقزيمي وعملوا ويعملون بكل دأب على اصطناع جغرافية جديدة ودفعها لاغتيال التاريخ.
 
لا أعرف ماذا تعني الوحدة بين اليمنيين؟
 
 الوحدة في مفهومها البسيط هي الجمع بين ثقافات وأعراق ولغات مختلفة وكيانات ممزقة لا يربطها تاريخ مشترك ولا هوية واحدة ومن ثم صهرها في بوتقة واحدة ومنظومة واحدة في سبيل التخلص من الضعف والشتات وإيجاد قواسم مشتركة بينها تسمح لها بالعيش المشترك والعمل المشترك والانطلاق نحو المستقبل برؤية جمعية واحدية مشتركة.
 
اطلاق مسمى الوحدة على لمّ شمل البيت اليمني يُعدّ نوعا من التنكر للماضي اليمني الواحد، فاليمنيون ينحدرون من أصل قحطاني واحد، وتاريخ سبئي حميري واحد، جمعتهم ثقافة واحدة وجغرافية واحدة، ولغة قديمة وحديثة واحدة، وممالكهم التي لا تزال آثارها ماثلة إلى اليوم في مأرب، إب، شبوة و حضرموت هي الفيصل في دحض مسمى الوحدة بالشكل الذي يُروّج له اليوم على اعتبار أن اليمن بلد لثقافات وجغرافيات متعددة لا تربطها وشائج القربى وواحدية الأصل والتاريخ.
 
نعلم أن اليمن بعد انتهاء حكم الملوك التبابعة قبل بزوغ فجر الاسلام وحتى اليوم تعرضت لموجات من الاحتلالات المتتالية تحت أغطية ومسميات متعددة، هذه الموجات الاحتلالية تسببت في الكثير من الطمس للتاريخ والتشويه للهوية اليمنية النقية، وأفرزت أجيالا يمنية مغيّبة عن تاريخها وفاقدة لهويتها، ومن هذه الاحتلالات التي أثرّت عميقا في المجتمع اليمني وتسببت في التغريبة اليمنية التاريخية الراهنة كان الاحتلال الهاشمي  القادم من خلف أسوارها، فمنذ أكثر من ألف سنة رزحت اليمن تحت حكم هذا الاحتلال الذي لم يكن يفكّر سوى في تمزيق وتفتيت اللحمة اليمنية الواحدة وإلهاء الأمة اليمنية عن استعادة مجدها ولمّ شملها وتسنّم حكم بلدها.
 
وفي الجزء الأيمن من قلب الأمة اليمنية الواحدة جثم الاحتلال البريطاني الذي لم يختلف عن الاحتلال الهاشمي في الهدف  كأي غازٍ ومحتل، فقد عمل على تفتيت النسيج الواحد وكوّن دويلات وسلطنات متعددة كي لا تتظافر جهود أبنائها وتشكل قوة لردع المحتل وطرده عبر البحر الذي آتاها منه غازيا، وعلى الرغم من مرور نصف قرن على غروب شمس بريطانيا من عدن، لا تزال رواسب المحتلين متجذرة في نفوس البعض من ساسة اليوم، الغائبين والمغيبين عن تاريخهم وهويتهم، الباحثين عن ألقاب وعروش حكم لحظية على حساب الماضي القحطاني التليد.
 
بعد ثورتي سبتمبر واكتوبر وتحرر اليمن من الاستبداد شمالا والاستعمار جنوبا بدأ الشعور الوطني النبيل في السعي إلى لمِّ الشمل اليمني واصلاح وتصحيح البيت اليمني الواحد، ولم يكن ذلك السعي إلا تعبيرا عن واحدية اليمن شعبا وأرضا وتاريخا وحضارة، إذ كان الشهيد فيصل عبداللطيف السياسي الفطن أكثر الشخصيات اليمنية توقا للمِّ شمل البيت اليمني وتصحيح ما خرِبَ منه جراء تضاريس سياسة المحتلين الذين حفروا أخاديد الفرقة والشتات بين أبناء العمومة والدم والأصل الواحد.
 
أطفال السياسة  اليوم شمالا وجنوبا الجاهلين بماضيهم والمتنكرين له  يحاولون رسم حدود جغرافية متعددة للأرض الواحدة والعائلة القحطانية الواحدة في محاولة تقسيمية يائسة وبائسة للاستعانة بالجغرافيا الطارئة بهدف اغتيال التاريخ اليمني الجامع ولم يدركوا أن الطارئين على الحكم والسياسة وعلى اليمن قبلاً لا يمكنهم شقّ قلب أمة واحدة وفصل جزئه الأيسر عن يمينه بمباضع رواسب الماضي الاستعماري ومطامع "العيال" الجدد، فالتاريخ على الدوام ينتصر على الجغرافيا المصطنعة، وسينتصر تاريخ اليمن القحطاني على جغرافية الطارئين والعابرين بلا هوية.
 
 

التعليقات