تواصل جديد
الاربعاء, 31 مايو, 2017 - 03:17 صباحاً

في العام 2013م تقريبا شاهد الملايين من اليمنيين مشهدا حزينا مبكيا لعريس مع عروسته وهما يغرقان في أحد السدود بالعاصمة صنعاء.
 
وضع العريسان جوال في وضع التصوير ونزلا الى بقعة في السد ليسبحا، ويوثقا لحظة ممتعة في حياتهما الجديدة، وهما يقضيان شهر العسل، المعروف بأنه أول أشهر الحياة الزوجية.
 
وجاءت الاقدار بما لا يشتهيان، انزلق العريس الى منطقة وحلة، وصارع الموت غرقا، صاح بعروسته لإنقاذه، ولكنها هي الأخرى لم تكن تجيد السباحة، فجذبا بعضهما نحو مياه السد العميقة، وفارقا الحياة معاً.
 
وكما تحكي القصة فقد صادف التوقيت مرور أحد الأشخاص والذي لقي الهاتف بالمكان، وتم معرفة حكاية غرق الزوجين وموتهما من خلال لقطة التصوير التي وثقها الهاتف، لتخلد مأساة لزوجين انتقلوا للعالم الآخر قبل أن يعيشا الحياة كما ارادا.
 
وجد المقطع طريقه للانتشار، وبسرعة الريح انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وشاهد اليمنيين بقلوب مكلومة، وأسى متدفق، وحزن خيم على الاروح والوجدان لحظات مؤلمة، لعريس وعروسته، وهما يصارعان الموت، ويحاولان العودة للحياة، لكن قوة الموت كانت أقوى منهما، فبلعتهما مياه السد، ولم تفلتهما الا جثث هامدة.
 
وكان هناك حكايات كثيرة عن ضحايا سابقين لقوا حتفهم في مياه السد، المثيرة للفزع من منظرها، ناهيك عن السباحة فيها، لكن مقطع الفيديو الذي وثق لحظة الموت اثار ضجة وفزعا لدى اليمنيين الذين شاهدوا تلك اللحظات المميتة، وما كان ذلك الفزع والرهبة ليحدث لولا واقعة التوثيق بالفيديو.
 
ذلك الحادث من جانبه التقني عكس التأثير الكبير والخطير لوسائل التواصل الاجتماعي، والثورة التي احدثتها مؤخرا، في حياة الشعوب، والنخب، ووسائل الاتصال على حدا سواء، حول العالم.
 
واليوم تتحول هذه الوسائل الى ساحة مواجهة تعكس الصراع القائم في المجتمعات، وتتحول الى متنفس للتعبير عن الأفكار والرؤى الشخصية والعامة، وبنفس الوقت تصبح أيضا ميدانا لتسعير النار، بين الأفراد بعضهما البعض، وبين شعوب الدولة الواحدة، وبين شعب وشعب آخر.
 
نقلت وسائل التواصل الاجتماعي الأفكار من قوالبها القديمة والتقليدية التي كانت يقوم بها الصحف والتلفزيون والمذياع، الى قوالب جديدة يصبح الفرد فيها مشاركا وفاعلا، وقادرا على إيصال صوته، وفكرته، وما يريد أن يقول.
 
أتاحت هذه الوسائل الفرصة لمختلف مرتاديها للتعبير عن أنفسهم، لكنها أيضا لم تسلم من محاولة توجيهها من قبل النخب الحاكمة نحو الوجهات التي تريد، وتمكنت كثير من الأنظمة من تحويل وسائل التواصل الى أداة بيدها، مستغلة الاقبال الشعبي عليها، لتصبح احد أدواتها في إدارة الصراع مع الخصوم.
 
وباتت اليوم ساحة واسعة تعكس الجدل الدائر داخل أي مجتمع، بل وتحولت الى قياس لمعرفة اهتمامات المجتمع وموقفه من قضية ما، كما أصبحت أيضا قوة ناعمة باستطاعتها التأثير في قرار الحاكم، أو على الأقل ابداء وجهة نظرها فيما تراه متصلا بها.
 
وكثير هي العيوب والمآخذ التي يمكن توجيهها الى وسائل التواصل الاجتماعي بنمطها الحالي، لعل في مقدمتها الأسماء والمعرفات الوهمية التي تخفي هويتها، وتوزع إساءتها على الافراد والدول، وهي بذلك تحاول النجاة بنفسها من المحاسبة، وتقدم لنفسها مساحة أوسع من الردح والسب والإساءة بحق الآخرين.
 
وفي كل الأحوال فإن ارتباط تلك الوسائل بشخصية الواحد منا، وعمله اليومي، يجعلها أكثر قربا منه، وأكثرها تأثيرا عليه، الأمر الذي يضاعف المسؤولية الشخصية للفرد تجاه استخدام هذه الوسائل، ويفرض أيضا سن قوانين وتشريعات تضبط أداء هذه الوسائل، وهو أمر بدأ يفرض نفسه على السلطات.
 
فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال افتتحت قسما خاصا بوسائل التواصل الاجتماعي داخل أقسام الشرطة، وهي خطوة إيجابية ومسؤولة فرضتها الظروف الجديدة، والتطورات المتسارعة في هذا المضمار.
 
عندما سئلت فنانة هندية عن أفضل مكان تقضي فيه وقتها مع الآخرين، أجابت بالقول: "انستجرام"، وحين سئلت عن الشيء الذي يأخذ وقتها أكثر، أجابت بأنه "انستجرام".
 
إنه الإدمان الذي تولده هذه الوسائل، فأحسنوا اختيار وسائلكم، وأحسنوا التعامل معها، فإنها شاهدة على حياتكم، وموثقة ليومياتكم.

ملحوظة:

أحدهم طرح مقترح بأن يتم تخصيص عيادة متخصصة في المستشفيات العامة والخاصة لعلاج الادمان والامراض الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي.

التعليقات