اليمن.. وحقيقة الصراع
الثلاثاء, 13 يونيو, 2017 - 11:07 مساءً

عندما تتصارع الأطراف الدينية والتيارات السياسية مع بعضها أو في مقابل غيرها، سواءً تمثلت بدول أو جماعات أو أحزاب، فإنها لا تفعل ذلك قطعاً لأنها تنكر حق بعضها البعض في الفكر والمعتقد، بل لأن مصالحها تتصادم مع تلك الأفكار والمعتقدات وتتعارض مع أدوات تمددها ونفوذها، فتتحول بوصلة العداء الموجهة للشخوص حاملي تلكم الأيديولوجيات المثقلة بالعداء والخصومة والكره التي تتعارض مع مصلحة زيد من الناس أو تصطدم مع طموحات عمرو، تتحول بوصلة العداء إلى الفكر والأيديولوجية نفسها.

التيه والقفز على الواقع والنظر إلى ما وراء الجبل وملاحقة ما وراء الشك والظنون ومحاكمة النوايا وتجاوز الحقيقة ذاتها تُعد غواية تقود الشعوب إلى تيه أكبر وشتات أشد في الوجهة والمبتغى، وخاصة في وطننا العربي فاقد الوجهة ونجوم سير الاتجاه، لأنه رفض الانصياع للواقع والوقوف على جراحاته وخلافاته المتنافية مع أهدافه بصدق دون تحيز إلى فكرٍ أو هوىً سياسي دوافعه حب الموجة المندلقة إلى كراسي السلطة والجلوس عليها، بعيداً عن الحق العام والخاص للشعوب وطموحاتها التي لم تنتهِ ولن تنضب إلا بتحققها ما لم فعجلة الصراع لن تقف ونزيف الدم لن ينتهي.  

الشعوب هي صاحبة الحق ومصادر السلطة ورافعتها الأولى والأخيرة، التي إن بنيت سلطة بدونها مهما ارتفع بنيانها وحسُن مشيدُها ستبقى هشة الأساس ومرتعشة القوائم ضئيلة القدر مظلمة الجوانب والأركان، ولهذا فإنها ستبقى في حال تربصٍ وسخطٍ دائم من قبل عامة الشعب المظلومين وفي مرمى نظراتهم وعيونهم التي حتى وإن أعطت النوم أجفانها فظلمها وبؤسها تحتها لن ينام. 

وصلت دول الغرب إلى تلك الحقيقة وتوصلت إلى أدوات تحققها وحل معضلة الحق لشعوبها في اختيار السلطة والحاكم الممثل لها وحددت مدة الحكم التي لا تجاوز الفترتين، وثبتت العدادات التي تراقب الزمن واخترعت الآليات التي تحصي المنجزات ومدى تحقق برامج انتخاب كل مرشح للرئاسة وحزبه من عدمه، الأمر الذي خلق روح التنافس في العمل وخدمة الأوطان وتسطير تاريخ من البطولة والمنجزات التي ستسجل في سفر حياة كل واحدٍ منهم لأنهم أيقنوا أنهم لا محالة راحلون وسيبقى التاريخ ومدوناته ورصده الدقيق لكل حدثٍ في حياتهم قل شأنه أو كبُر.

كل ذلك في كفة وطموحاتنا وهمومنا التي أرَّقتنا في اليمن وطننا وهوى فؤادنا وهوانا في كفة أخرى من أكف الميزان، بعثرتنا هموماً ولملمتنا عبارات وأحرف تختصم فينا أحيانا وتصطلح في معظم الأحايين، اليمن الذي مِلؤه خيراً جَم وثروات لا حدود لها، الثروات المتجددة التي لا تنضب ولا تنتهي زراعة الأرض وتنوع أصداف البحر وأسماكها، وشعبها الذي قهر الطبيعة وبنى السدود وشيد الممالك والدول التاريخية وصبر على كل نوائب الدهر ومجريات الزمان. 

 تميز اليمنيون بالشهامة والكرم وصدق السريرة وطيبة القلوب التي تم استغلال طيبتها ضدها، الشعب الذي لم يرزق السلطة التي تتسامى الى مستوى طيبته وصفاء سريرته وحسن جماله، السلطة الوطنية اليمنية الخالصة التي تنبع من أوساط الفقراء والفلاحين ومحبي العلم والعمارة والسلام، وترك الخلافات المذهبية والدينية والجهوية والوقوف عند المصلحة العامة للشعب، وترك الخصومات الشخصية وتجاوز عقبات التشرذم والاختلاف وتحقيق التصالح الذي بامكانه التحقق حتى اللحظة بعيداً عن  الأيادي الدخيلة والأطماع الخارجية التي لن تحك جلودنا كما ستفعل أيادينا، تلك حقيقة جليّة شئناها اليوم أم أبيناها.

 

التعليقات