جنوبي يمني أين المشكلة ؟
الخميس, 20 يوليو, 2017 - 03:24 مساءً

عاتبني احدهم قائلا : اين كنت في الأمس وأين صرت اليوم ؟ صاحبي اعتبر هذا التحول مثابة ارتكاسة ، ولا اعلم طبعا ماهية الفرية في ان يغير الانسان ويبدل من قناعاته .

قلت له : التغيير سنة إلهية وكونية ، فما من كائنات حية او حتى جامدة الا وهي مرشحة للتغيير إيجاباً او سلبا ، فالإنسان مثلا ؛ ينمو ويكبر ويهرم بيولوجيا ، وخلال تطوره هذا بلا شك يتغير ويتبدل حاله .

الأفكار ، ايضا ، تكبر وتتطور وتعيش ، بل وتحلق في فضاءات عولمية ، وبالمقابل هناك أفكار تفنى وتموت حتى قبل ولادتها .

نعم مازلت احسب ذاتي نصيرا لحق الجنوبيين ولحق اهل صنعاء وتعز وصعدة والحديدة في الحياة الكريمة العادلة ؛ فأين المشكلة في ان أكون جنوبيا ويمنيا وعربيا ومسلما في الوقت ذاته ؟ .

المأساة هنا ليست في كوننا نتغير ونتبدل بيولوجيا وفكريا وسلوكيا وذهنيا ووجدانيا ، وأنما المأساة الحقيقية في كوننا لا نتغير او نتبدل فكرا وفلسفة وخطابا وحياة وخيالا وتطلعا .

فالتغيير وفي كل الفلسفات والمفاهيم دلالة إيجابية على حيوية الشخص المتغير .

السؤال المهم : كيف نتغير فكريا وفلسفة وسلوكا ؟ فإذا كان التغيير الى الأفضل فهذا شيئا إيجابيا ، اما واذا كان التغيير الى الأسوأ فذاك ما يتوجب تصويبه ومراجعته .

مثلا : كان لي اصدقاء يزايدون بتقدميتهم ، اذ شغلونا وشغلوا انفسهم ولحقبة تاريخية بالنضال الكذاب ضد الرجعية والإمبريالية ، ورفضهم لكل أشكال التمييز والاستغلال والعبودية والقبلية والمناطقية .

وهذه غاية عظيمة تستوجب الفخر والشرف ، لو ان أصحابها جسدوها سلوكا في حياتهم ، ولو انهم ما تخلوا عنها ، وتبرأوا منها ، وكأنها شيئا معيبا ومخزيا ، ما يستوجب منهم التكفير عن الذنب والتطهر منه .

فمثلما اعتبروا انفسهم جنودا محاربون في سبيل إحلال العدالة الانسانية وفي أوطان أفريقية وأمريكية وآسيوية ، يمكنهم الان اعتبار ما حدث ، مجرد حماقة او قولوا مزايدة وشطحات ديماغوجية عبثية لا علاقة لها مطلقا بحقيقة جوهرهم القبلي المناطقي الجهوي المذهبي .

صديقي هذا ، غفل انه كان اشتراكيا راديكاليا ومن ثم ومع اول نكسة للحزب يشد الرحال الى مؤتمر الرئيس المخلوع ، وكأنك يا بو زيد لا سرت ولا جئت .

وليته اعلن موقفا مشرفا ابان اندلاع ثورة الشباب ، بل حرف البوصلة وبزاوية مئة وثمانين درجة ، موليا وجهه ملتحقا بزمرة الملتحقين بحزب الرابطة الذي كان لأبناء اليمن وعاد بفضل هؤلاء الى عرجونه العتيق .

تنظيما عائليا وارستقراطيا وجهويا ناسفا لكل محاولات تحريره من ربقة الاحتكار الشخصي ، وكذا المعتقدات الضارة به ، والمقيدة له ، كحزب أسس في خمسينات القرن المنصرم ، ويحسب له تبني اول فكرة وطنية جامعة لجنوب محتل يعاني مجتمعه التمزق والشتات .

فشتان بين ان يمضي الانسان بعيدا لبلوغ الفضاء، فيقع ويتعثر ، وبين ان يقود جيشا من المرتزقة واللصوص والانتهازيين فيخسره ويخسر ذاته ودونما معركة او غاية تستدعي الفخر والاعتزاز .

فسقوط الواحد بينما هو في محاولته لاعتلاء الكواكب والنجوم غير سقوطه وهو يجر أذيال الهزيمة والخزي .

في الحالة الاولى سيتعلم المرء من إخفاقه كيف سينهض ثانية وثالثة وكيف ان نجاحه رهن سقوطه ؟.

إما وفي حالة الهزيمة التي يصاحبها الشعور بالعار والذل فبكل تأكيد منتهى صاحبها يكون قاسيا ومهينا !.

ختاما ، قيل بان الديناصورات وحين عجزت عن التكيف مع بيئتها الآخذة بالتبدل والتحول ، كان مصيرها انها نفقت وانقرضت من الوجود .
فلو انها الديناصورات تعلمت من الضفدعة الصغيرة كيفية العيش دون ماء او غذاء ، لربما تجنبت الفناء .

وأجزم ان كثير من البشر يستلزمهم التكيف الإيجابي مع الظروف السياسية والا باتوا كائنات منقرضة ، وفيما هم يحسبون انفسهم احياء يرزقون .
 

التعليقات