ثورة 26 سبتمبر جلال الذكرى ومآسي النكبة
السبت, 23 سبتمبر, 2017 - 03:56 مساءً

عانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر من التقرح والاندمال وباتت تشكو اليوم هموماً وتضحك جنوناً مما جرى، تحولاً أصاب المدار وحول المسار إلى الحد الذي لو قُدِرَ لقادتها السلال وعبد الله جزيلان وعلي عبد المغني وعبد الرقيب عبد الوهاب وأبو ماهر ورفقاءهم في السلاح أن يُطلوا على الدنيا من قبورهم لراعهم ما جرى لثورتهم على أيدي أدعياء الجمهورية وأشياعهم، من دمار وهدم، وتشويه لكل جميل أنتجته، وجيلاً أنجبته وعصراً بالعز بنوه وماتوا شرفاء كالأوفياء المخلصين.

أولئك هم الذين هدموا معبد الكهنوت وأطاحوا بفكره الذي أطل برأسه اليوم من جديد، نظام الإمامة الذي إن غابت مآسيه عن البعض وبالأخص أجيال ما بعد ثورة أيلول المجيدة، لا يحتاجون سوى أن ينظروا إلى ما يجري حولهم ويعملوا عقولهم فيما يحدث وإلى الشعارات المنتشرة على جدران عاصمة الثورة والشعب والجمهورية صنعاء، وإلى الممارسات التي تحدث بحق رموز الثورة وميادينها ومتاحفها وأسلحتها وحتى بيوت المناضلين يتم الضغط على ملاكها لبيعها عن طريق إغراءهم وترغيبهم تارة وترهيبهم تارة أخرى.

وكان جلال ذكرى ثورة 26 من ولا يزال يبعث فينا جمال الحدث الذي استلب الشعب اليمني صبحه من غياهب ظلمات عهد الإمامة البائدة، التي جثمت على صدور اليمنين قروناً من الزمن وجرّعته صنوف الجهل والفقر والجراحات النازفة، الثورة التي كان من أنبل أهدافها وأسماها إقامة حكم جمهوري يقوم على دعائم الديمقراطية في الحكم، والحرية في ممارسة كل الحقوق، والكفاية في الإنتاج القومي والعدالة في توزيع الثروة وتولي الوظائف العامة وتكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين دون تميز بينهم على أي أساس، عرقي، مذهبي أو مناطقي. 

الثورة التي حمل ألويتها زمرٌ من أحرار كل اليمن، أقسموا على أنفسهم أن يحققوا آمال جماهير شعبهم العظيم، فلم يعرفوا مذاقاً للحياة قط وشعبهم يرزح ويئن تحت وطأة التخلف المخيف والظلم القاسي والاستبداد المريع فوهبوا أنفسهم لشعوبهم يحملون رؤوسهم على أكفهم ويأتون الموت ولا يهابونه تاركين وراءهم لعاعة الدنيا ورخيصها لمن هم دونهم همةً وعشقاً وانتماءً  للوطن.

فجروا أضواءها كالنيازك وتغنوا بها قصائداً وألحاناً جميلة، أناشيداً ثورية وأغاني وجدانيةً، وانتشوا بها حتى الثمالة، رسموها لوحة عشق ارتوت ألوانها من خضرة الحقول وزرقة البحر وصفاء السماء، تفانوا بجد ليلاً ونهاراً إلى تحقيق أهدافها التي صاغوها حلماً جميلاً واجب التحقيق، وفرضوها حقيقة على الواقع المعاش مرت بمراحل  تعثرت مسيرتها في حركة 48 إلا أنها كانت شعلة الرماد فكانت كما وصفها الشهيد جمال جميل قبل إعدامه مخاطباً الإمام أحمد لقد "تركناها حبلى وستلد ولو بعد حين".

وبعد اكتمال أركانها وأسبابها خرجت على الدنيا بعد ثقل الحمل وإرهاصات الولادة، فاستنهضت الأمة اليمنية وأيقضتها من عميق السبات، ونمت بعدها كالحلم وتحققت بعد اجتياز دواهي الصعاب واقتحام كل العقبات، إلا أنها اختطفت من أيدي صانعيها فوقعت في أحضان الذئاب الذين اعتبروها مكسباً حصرياً آل إليهم بحكم العصبة والجغرافيا  وكأنها تحولت من الإمامة إلى عكفتها والعساكر من أبناء القبائل، وليس حقاً قانونياً ومنحة من السماء استحقها الشعب اليمني لتحقيق العدل والمساواة والانعتاق من الظلم والجور السلالي الممتد من مئات سنة.

هؤلاء الطارئين على الثورة الخارجين من مخابئهم بعد أن فجّرها الأحرار فهموا الثورة على أنها كعكة للتقاسم وباباً من أبواب استمرار الفيد وتوسع في رقعة الغنيمة،  فتحولت من أيدي السلاليين مندوبي قريش في اليمن إلى جندرمة القرن أكتاف البنادق والسلاح،  فاستمرت الفوضى والعشوائية والمحسوبية والعصبية والمناطقية حتى بات البعض يتغنى بعصر الإمامة كردة فعل لتلك المنهجية وذلك العبط في السياسة والحكم، كل ذلك لأن النضج الثوري عند أولئك لم يستو بل كان شبه منعدم، كما  كان معنى الثورة تأويلاً متحرك وفقاً للهوى والمصلحة حتى أسماهم البعض باعة الليل وثوار النهار، بمعنى أنهم كانوا مع الثوة نهاراً لنهب خيراتها ومخزونها من الذخائر والأسلحة ومع الإمامة ليلاً ركضاً وراء عملة "الفرانصي" وجنيهات الذهب الممنوحة لهم من دول الجوار، حتى قال قائلهم " ما با نجمهر قط لو نفنى من الدنيا خلاص".

وبصرف النظر عن كل ذلك ظلت ثورة الشعب اليمني تكبوا وتنهض تغيب حيناً وتشرق أحايين آخرى وبات " في أسى مقلتيها يغتلي يمن ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب" كما جاء في إحدى قصائد البردوني رحمه الله. 

 إنّ الشعب اليمني الحر لن يترك وطناً فيه سماته ارتسمت على محياه وفيه اكتمل عزه ومجده، مهما طال ليل مندبي قريش في اليمن، لأنه عرف الحقيقة وتجرع مرارات الألم ولن يقبل بالإمامين الجدد على ما هدموا من مساكن ومساجد، على ما استباحوا فيه من حرمات، ما أهانوا فيه من علم وعلماء، ما قتلوا فيه من طهر الأرواح وسفكوا أزكى الدماء، ولن تستمر خديعة الحوافيش إلى الأبد، ولن يقبل بحياة منقوصة الحق والعدل أو بمعنى التفوق العرقي ونظرية التميز الاجتماعي، ستقاتلهم الأرض اليمانية بشجرها وحجرها، وسيقاتل اليمني بكل ما يملك وسيبري حتى أضافره بري السكاكين وغرسها في قلوبهم إن لم يجد سلاحاً ينصره.

 الشعب الذي أسقط أوائلهم في ثورة 26 من سبتمبر الخالدة سيسقط المتأخرين منهم في زمن صارت فيه العقول مكشوفة والنوايا المستبطنة مقروءة بفعل العلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي  والاعلام الحر الحديث.

التعليقات