الوحدة قادمة بالضرورة
السبت, 20 فبراير, 2016 - 12:48 مساءً

رغم الحملات الحادة الموجعة التي تتعرض لها فكرة الوحدة العربية منذ وقت طويل والتي تبدو الآن في أشدها، فإن الوحدة قادمة لأن العرب من دونها سيتحولون إلى ما تشير إليه الصورة المؤسفة في التعبير المتداول «شذر مذر» وسيتحقق للأعداء -أعداء هذه الأمة- ما كانوا يحلمون به بعد أن فشلت حملاتهم السابقة والراهنة في التشكيك والتهوين بأهمية الهدف الأكبر للفكرة الداعية إلى وحدة الهدف والموقف ورفض دعوات التمزق والانعزال لما يترتب على ذلك من تبديد للطاقات والإمكانات وإحساس الأعداء المتربصين بسهولة القضم والاستيلاء والهيمنة على أي جزء من قطر أو القطر بأكمله والنذر القائمة لا تحتاج إلى برهان أو دليل.
 
وبعض المتابعين لأوضاع الوطن العربي الراهنة يرون أن أعداء هذه الأمة يعتمدون على تحليلات واستنتاجات بعض الحاقدين من أجانب و«عرب» ممن يقرأون الواقع العربي من السطح أو من خلال مواقف بعض الأنظمة العربية المتنازعة والمتصارعة على قضايا ثانوية، ولا يقرأون الواقع من داخل الشعب العربي نفسه ولا يتوقفون عند العمق والجوهر كما تمثله الجموع الغفيرة من المحيط إلى الخليج، ولا تعنيهم قليلاً أو كثيراً المقومات الأساسية التي تجمع بين أفراد الشعب العربي وما يوحدهم وجدانياً، وما يتحكم في مشاعرهم من تجانس ثقافي ترسخت معانيه عبر العصور يتلاقى فيه الديني باللغوي والأدبي بالعلمي والاجتماعي بالاقتصادي.
 
ولأن هؤلاء الحاقدين لا يدركون أبعاد هذا الجوهر العميق في حياة الشعب العربي فهم يخدعون المراكز المهيمنة الطامعة ويضللون قياداتها بما يستنتجونه من معلومات عن خلافات فوقية لا تلامس الواقع في مستواه الشعبي، حيث الإيمان الذي لا يتزعزع بوحدة المصير العربي وعلاقته بما تنتظره المنطقة من تطورات وتفاعلات تستدعي بالضرورة استدعاء أقصى معاني التضامن والتوحد.
 
وفي رأي العقلاء من أبناء هذه الأمة الصابرة أن كل ما يقال عن استحالة الوحدة لا يقنع الملايين الحالمة بوطن كبير يكون له تأثيراته المحلية والدولية، لأن هذه الملايين تستمد إيمانها بالوحدة من عمق العلاقة التاريخية وانصهارها في بوتقة الإنجاز الحضاري العربي الذي اختفت معالمه الظاهرة وبقيت آثاره ومؤثراته الثابتة في الأعماق العصية على الزوال.
 
إن من حق أي كاتب عربي أو أجنبي أن يتوقف طويلاً إزاء الخلافات العربية- العربية، وأن يقرأ أسبابها ونتائجها كما يشاء لكن عليه دائماً أن يتذكر أنها خلافات فوقية ورأسية (نخبوية) لم تأخذ في يوم من الأيام منحى أفقياً. كما أن بعض هؤلاء الكتاب يعتمدون فيما ينشرونه ويزيفونه، على ما تنشره وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة عن تلك الخلافات وما يصاحبها من مهاترات كلامية لكنهم يتناسون أن الإعلام العربي في كثير من أقطارنا لا يزال رسمياً يعبر عن وجهة نظر النظام الحاكم لا عن جماهير الشعب وأنه مهما ادّعى الحياد والموضوعية غير محايد ولا موضوعي ولا يعكس موقف الشعب العربي في هذا الموضوع بالذات. والملاحظ بوضوح أنه حتى إعلام الدول المتقدمة لا يمثل الحقيقة والصواب في كثير مما يذهب إليه.
 
إن الوحدة مقبلة بالضرورة ولا خلاص ولا نجاة للوطن العربي من مشكلاته المتلاحقة سوى بالوحدة، تلك هي خلاصة تجارب القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين. ولعل أقرب الأشكال إليها نظام الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا تذوب الولايات في الكل ولا تبقى عرضة للتمزق والانقسامات التي تغري بها الطامعين والمتربصين من خارج الحدود. وحين يكون ذلك هو شكل الوحدة العربية المنتظرة فلن تجد معارضاً واحداً إلاَّ من في نفسه مرض، وهؤلاء المرضى لا قيمة ولا وزن لهم في حياة الشعوب العظيمة التي تختار مسارها بإخلاص واقتناع.
 
نقلا عن الخليج الاماراتية
 

التعليقات