اعدام فنانة
الخميس, 16 نوفمبر, 2017 - 11:22 مساءً

ما الجريمة التي اقترفتها الفنانة شيرين ليتم حرمانها من الغناء. سلطة الاستبداد في العالم العربي لا تنحصر في سلطة الدولة، بل في الوعي الذي يتجنى على فنان تحت مبررات اكثرها ادعاءاً الاساءة على احد الرموز القومية في مصر. ومن المضحك ان يكون حرمان فنان من الغناء سببه نهر. هذا لم يحدث في اي بلد من بلدان العالم. وما الذي سيضر اطول انهار العالم من مزحة لأن شيرين علقت على طلب احد معجبيها بأن تغني "ما شربتش من نيلها". وردت "حتجيبلك بلهارسيا".
 
لكن سلطة التجهم ظهرت بيافطات اخلاقية، وتصرخ بسعار ضد مغنية، لم تكتف بادانة ما قالته، لأن هذا الحد هو ما يجب قوله، فقط ندين وهو امر يخضع لرأي عام، يمكن مناقشته ايضاً. هي اطلقت نكتة في حفلة عامة، وامام جمهورها، وامام تلك الكاميرات، لكنها لم تلوث النهر.
 
وجميعنا نعرف ان عبدالحليم حافظ مات بالبلهارسيا بينما يسبح في احدى ترع النيل، هل يمكن انكار ذلك، هل موت عبدالحليم شوه تلك الثروة القومية، واضر بالسياحة.
 
المخجل ان يظهر ملحن ويقول ان نقابة الموسيقى تأخرت في قرارها، ثم ذلك الهجوم المسعور ضد شيرين. لكن هل يُعقل ذلك؟ كيف يتحدث ملحن وعاشق للموسيقى بتلك الرعونة، ويؤيد حرمان مغنية بجمال صوت شيرين. يبدو الأمر كإعلان اعتزال فني، لكنها وصمة عار في حق المجتمع الفني المصري. ثم ذلك السكوت والخوف، لم يجرؤ فنان مصري او حتى عربي ان يدافع عن صوت بقيمة شيرين.
 
شيرين تجسيد للبنت المصرية العفوية، تلك التي ما بقلبها على لسانها، بحسب التعبير الدارج والمبتذل. واستطيع القول ان شيرين كانت تتهكم على ملحن الأغنية ليس اكثر، جميعنا نعرف خلافها مع عمرو مصطفى ملحن الأغنية. وهل لم تكن تريد غناء لحنه، وهي ايضاً كانت تريد القاء تهكمها به، "حتجيبلك بلهارسيا" هي كانت تقصد اللحن بدرجة رئيسية. لكني سأكرر مجدداً هل ستنكر نقابة الموسيقى ان ترعة في النيل كانت وراء موت احد ايقونات الغناء المصري والعربي، عبدالحليم حافظ، اذ اصيب بالبلهارسيا طفلاً بينما كان يسبح في تلك الترع، وعبدالحليم واحد من مئات آلاف المصريين الذين اصابتهم البلهارسيا بسبب السباحة في مجاري النيل.
 
في الحقيقة، هل نعاقب خفة الروح لدى فنانة بحرمانها من الغناء. اعرف ان هناك مؤسسة متسلطة، وستعاقب شيرين. لا ننسى ما الذي فعلته ام كلثوم بعبدالحليم، حين كانت مركز سلطة. ورغم ان عبدالحليم غنى للثورة ولسلطة عبدالناصر لكنه فجأة وجد اغانيه ممنوعة في الإذاعات المحلية، ووجد نفسه مكشوفاً وربما يخسر كيانه الفني بغمضة عين. تروي صورته وهو يقبل يد الست.
 
ما قصة تلك السلطات التي تنكل بالفنان، وتحرمه حق ان يقول. تهدده بقطع مصدر حياته، فشيرين لا تغني فقط لأنه مصدر عيشها، بمعنى رزقها، بل لأنه مصدر وجودها في هذا العالم.
 
فهل بعد ان كان النيل سبباً بموت عبدالحليم المبكر، سيكون سبباً باغتصاب حياة اخرى من واقعنا، لأن سكوت صوت الفنان يعني موته، اما حياته الاخرى فلا تعنينا عن قريب او بعيد.
 
إنها القيم المتجهمة اذ تنال من عصفور مغرد وتقتله.
 
في هذا الزمن تمثل شيرين قيمة فنية لبلد مثل مصر، اذ تتمتع بمزايا لم تعد لدى مغنيات هذا العصر، ولا مغنيه ايضا.
 
وندرك انهم ارعبوا شيرين، الصيادون في محميات الطبيعة الخلابة افزعوا احد العصافير النادرة في زمننا. لهذا ستخضع اخيراً لإملاءتهم، ستعود لبيت الطاعة. واظن ان عفويتها وجرأتها في التعبير عن آرائها بما نال بعض زملاءها في الوسط الفني جعلها بالفعل امام صيادون وضعوا قضاياهم الشخصية وراء يافطات اخلاقية، وكأنهم يحبون لوحدهم بلدهم.
 
وكأنهم اوصياء على ما تقوله فنانة او لا تقوله. وهي ان اخطأت في قولها، فأكثر ما تستحقه ادانات تزوقها شعارات اخلاقية وحب الوطن، اقصد ان يعبر الفنانون عن رفضهم لما قالته، ليس الفنانون فقط، بل اي شخص لديه رأي، وهي مع ذلك لا تستحق ان تنال كل ذلك الهجوم، لم تقل شيئاً مسيئاً لم تسي بحق بلدها ابداً، مع هذا ما كان جائزاً ادانة ما سنعتقده انه اساءة. لكن اعدامها، قتلها، ايقافها عن الغناء، فذلك لا يمكن قبوله، بل ادانته والوقوف ضده.
 
و يا للسخرية فالهيئة المفترض انها المدافعة عن الفنانين وحقهم في الغناء تبنت الانتهاك بنفسها لتقرر اعدام فنانة، بمعنى حرمانها من حق الغناء.
 
وهي واقعة مخزية، والمخجل عدم ارتفاع صوت في الوسط الغنائي والفني يدعو للتضامن مع شيرين، مهما قالت، سيبقى الغناء حقها الوحيد. لكنها حكاية تُعري مجتمع فني غارق في تسليع النجومية وبهرجتها، دون قيم فن او ابداع حقيقية. ولأنه المجتمع الذي بلغ بالأغنية هذا الحد من الضحالة.
 
نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك.
 
 

التعليقات