حزبي المؤتمر والإصلاح.. والخطر الداهم
الأحد, 17 ديسمبر, 2017 - 07:21 مساءً

الأحزاب السياسية المنبعثة من أعماق الشعوب وتاريخها هي الأوعية السياسية المعبرة عن همومها وتطلعاتها والأداة الوحيدة لتحقيق طموحاتها، سواءً كانت في قمة السلطة أو في صفوف المعارضة. كما أنها السبيل الوحيد لمشاركة المجتمع في السلطة والثروة على أسسٍ من العدل والمساواة كونها النتاج الأبرز للديموقراطية وسيادة الشعوب.

الحزب في اعتقادي هو ذلك التكتل البشري الذي يضم في مجموعة أناس يؤمنون بنفس المبادئ ويعتنقون فكرة سياسية واحدة تراضوا عليها وصاغوا مبادئها وناضلوا من أجلها بالطرق السلمية المدنية والحضارية لإدارة الدولة إذا ما أمكنهم الوصول إليها.

 ذلك التوصيف الطبيعي للأحزاب السياسية، الظاهرة الحقيقية للتكتلات المجتمعية المعاصرة في المجتمعات الحديثة للمطالبة بحقوق الشعوب القانونية والانسانية والتي تعبر عن همومها تجاه السلطات الديمقراطية أو الفاشية لتحقيقها.

وإذا ما تحدثنا عن الحزبية في اليمن سنجد أن لها لوناً ومذاقاً آخر لا يتكرر في المجتمعات الأخرى نتيجة لخصوصية المجتمع اليمني ورقة أفئدته وبساطة فهمه لعراك السياسة وفنها، وفهم شياطين الهوى والنفوذ في جوفها وعلى جنباتها.

 وعليه فإن حزبي المؤتمر والإصلاح هما الأوسع انتشاراً على الساحة اليمنية والأكثر تأثيراً وتأثراَ انحداراً وصعود، ولهما من الأهمية مداها، كونهما نشئا في مجتمع محافظ ومتدين بطبيعته وله عادات وتقاليد لا تذهب بعيداً عن مفاهيم الدين وتاريخ المجتمع وهويته، وقد التقيا أي حزبي المؤتمر والإصلاح في ذلك إلا أنهما تباعدا عند مفترق الهدف والايديولوجيا.

 ذلك لأن المؤتمر ربيب السلطة التي شكلته وفقاً لهواها فكراً وممارسة فكان مظلةً شاملة عند نشأته لكل الأحزاب السياسية التي حُرِمت من ممارسة حقها السياسي في العلن قبل ان يكتشفوا أن تشكيله كان عبارة ملهاة سياسية كبيرة تعبر عن إرادة الحاكم الفرد، وليس لمن أردا ممارسة الحزبية السياسية الحقيقية له فيه نصيب!

  أخبرني غير واحد من أعضاء المؤتمر البارزين الذين بلغ بهم اليأس مبلغه أنهم كانوا يفاجئوا عند مطالبتهم بتطبيق القانون وممارسة حقهم الحزبي قولاً وفعل بردٍ مفاده "إهجع! وانت صدّقت! شلّ مخصصاتك وانتظر منّا اتصال!!"، هذا مع احترامنا لكل المخلصين فيه والمحبين للوطن الحاملين همومه أرضاً وإنسانا، ثم اختزله الزعيم في شخصه وأقصى كل العقول من أوساطه.

 وقد باتت الفرصة سانحة بعد كل المتغيرات على الساحة الوطنية لقادته في  لملمة شتات اليوم إذا ما أحسنوا النية وانحازوا إلى صف الشعب والتفوا حول الشرعية ومعاركها على الأرض، وتركوا والتمترس وراء الخصومة وممارسة حزبيتهم في الفضاء الافتراضي على الفيس بوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تحسم حرب ولا تخدم للشعب قضية.

وهنا أقول وبتجرد انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية والتاريخية أن المؤتمر كان الحزب الذي يتميز بشعبويته وبساطته وإمكانية التعامل بيسر مع قادته وخدمة الكل دون تمييز إذا ما أتيحت لأحدهم الفرصة وتحققت على إثرها المصلحة!

أما حزب الإصلاح الأوسع انتشاراً والأكثر قواعداً وتماسكاً وإن اعترته بعض الشوائب والمعايب، والمآخذ التي يأخذها عليه البعض من ذوي الرؤية والفكر الصائب، وإن كان امتداداً لفكرة الإخوان المسلمين في بلد النشأة مصر في بداية الحركة، إلا أنه استقل عنها وأعلن انفصاله عنها قيادة وفكرة، وبرزت في ذاته اليمن لوناً وهويه، فصار حزباً سياسياً يمنياً أصيل، يبحث عن الدولة ويؤمن بالديموقراطية وينبذ العنف واستخدام القوة بغرض الوصول إلى السلطة، فتجلت في ملامحه الخصوصية التي رسمتها طبيعة المجتمع اليمني تاريخاً وعادةً وعقيدة، لأن المجتمع كان من أهم حوامله الرئيسة بحكم تلك المبادئ المتماهية والقيم الحاضرة فيهما معاً.

ومن مثالبه اعتماده على الحشد الجمعي دون تمحيص، وعلى الكم دون الكيف، والخطاب الديني الصرف في التوعية والتثقيف دون الغوص في ثقافة الحكم والمشاركة فيه بوعي وفعالية والانحياز لكوادره في الخدمة دون غيرهم وعدم تبني خدمة الآخر والانفتاح على باقي التيارات السياسية بشفافية وصدق وفقاً لرؤية البعض، وعدم اعتماده على الكوادر المتخصصة القادرة على رسم خارطة بناء المجتمع وبلورة رؤية الدولة.

 وكذلك عدم اعتماده في رؤاه وقراراته التكتيكية والاستراتيجية كغيره من القوى على دراسات مراكز ابحاث علمية حديثة ومتخصصة تعتمد على أسلوب البحث العلمي الاستقصائي الحديث التي تقوم على دراسات ميدانية تبحث من خلالها الظواهر السلبية التي تعوق نشاطه وتؤثر على تعاطيه سلباً وإيجاباً مع المجتمع دولةً وفرد.

 ومن أبرز منجزته في تعميق الوحدة الوطنية هو عمله الدؤوب على تذويب وإزالة دواعي وأسباب الطائفية والمناطقية والسلالية والمذهبية ومحاربتها، وتوعية كوادره بتلك المخاطر التي تؤثر سلباً على التعايش السلمي على حياة الفرد وبناء الدولة والمجتمع، وكذلك حضوره الدائم إلى جانب الدولة والأنظمة الدستورية، ومحاربة الفساد وتثبيت النظام الجمهوري وتعزيز سيادة القانون.

وعليه ندعو إلى توحيد جهود حزبي الإصلاح والمؤتمر ومعهم كل القوى والأحزاب السياسية واصطفافهم تحت راية الثورة والجمهورية واستعادة الدولة وسيادتها، والأخذ بتوجيهات وتوجه أهم القيادات السياسية كالرئيس ونائبه ووزير الخارجية ووزير الخدمة المدنية وكل المخلصين قادة عسكريين ومدنيين. 

  والعمل إبتداءً على تجميع كافة القوى السياسية اليمنية الوازنة على كل الصعد السياسية والاجتماعية والحشد والتجييش تحت راية الحكومة الشرعية وقوى التحالف العربي، لتحرير اليمن من قبضة العصابات السلالية الإمامية، ومواجهة الخطر الداهم والدمار الكلي الشامل لكل مقدرات الوطن اقتصاداً تاريخاً وهوية، والذي لن يُستثني بدوره من بطشها داخل كل القوى السياسية والاجتماعية، تحديداً بعد انتهاء تركة صالح المادية والسياسية والعسكرية.

 لأنه بات من الصعوبة بمكان التعايش معها بسبب ايديولوجيتها الدخيلة على المجتمع اليمني وما تحمله من خطط العودة إلى ما قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتقسيم المجتمع الى طبقات اصطفائية وطوائف من دونها تعمل لديهم عساكر ومحاربين، مع إنهم هم أصحاب الأرض والتاريخ والمُلك من قبل كتابة التاريخ، وتجريدهم الحق في حكم أنفسهم بأنفسهم وفوق كل ذلك لا تؤمن بالتعددية الحزبية وقوانين العدل والحرية والمساواة، وإغلاق اليمن أمام أمواج العالم العلمية والصناعية وكل ما يمت إلى الحياة الكريمة بصلة.

التعليقات