معركة إيران
الاربعاء, 03 يناير, 2018 - 11:01 مساءً

منذ خوض ترامب السباق الانتخابي وهو يردد بأن الاتفاق النووي مع إيران كان خطأ من قبل إدارة سلفه اوباما، وصرح انه سيعمل على إلغائه بل وتمزيق الاتفاقية.
 
مع صعود ترامب لسدة الحكم بدأ الحديث يدور عن دور إيران ومعاقبتها من قبل ترامب، وصادف ذلك وجود رغبة في المنطقة (الخليجيين) تتطلع الى لجم إيران باعتبارها مهدد وجودي لها، خاصة مع تنامي دورها في سوريا والعراق واليمن ووجودها في لبنان والبحرين، ومختلف هذه الدول هي الشريط الذي يلتف على السعودية بالمقام الاول وعلى كل الخليج في المقام الثاني.
 
لا أحد ينكر أن إيران هي العدو التقليدي الاول للسعودية، وأن الطرفين يخوضان مواجهات مباشرة في أكثر من دولة، ولعل اليمن هي أقوى تلك الساحات تليها لبنان ثم بقية الدول بنسب متفاوتة.
 
ومؤخرا تعددت الادانات ضد إيران خاصة من قبل أمريكا، التي اتهمتها بمد الحوثيين بالصواريخ التي استهدفوا بها الرياض، وعرضت سفيرة واشنطن أدلة تؤكد ذلك.
 
وتعاملت الصحف الامريكية تجاه الامر بين متحمس يؤمن بعدوانية إيران، وبين من يرى أن تضخيم دورها من قبل ادارة ترامب لا يعدو عن كونه مواقف تفتقر للدقة، وقد تشابه وضع أسلحة الدمار الشامل في العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
 
محللين أمريكيين يذهبون الى القول بأن الضغط الأمريكي الحالي تجاه إيران يشير ربما الى توجيه ضربة عسكرية خاطفة تستهدف طهران.
 
يأتي هذا في وقت تشهد فيه العلاقة بين الدول الخليجية وتحديدا السعودية والامارات علاقة جيدة مع اسرائيل التي تزعم ايضا ان إيران تشكل خطرا وجوديا عليها، ما يشير الى وجود محور عسكري وسياسي يتشكل ضد إيران يتكون من دول الخليج المذكورة واسرائيل وامريكا وقد تساندهم مصر رغم أن السيسي قال بأنه لا يؤمن بأي عمل عسكري ضد إيران.
 
بالنسبة لدول الخليج فترى ان وجود ترامب الذي يؤمن بالمال وينطلق منه في اتخاذ القرارات يشكل لها فرصة ذهبية لا تتكرر في عداءه لإيران، وتسعى لعدم تفويت هذه الفرصة، حتى ولو بتوجيه رسالة قاسية تقود الى تحجيمها وارغامها على رفع يدها من ملفات المنطقة المتعددة.
 
القناعة الخليجية تنطلق من مفهوم ضرب إيران في عقرها كفيل بموت الأذرع التي تدعمها طهران في المنطقة، وهو مفهوم قد يبدو صائبا من الناحية الشكلية، أما من الناحية العملية، فأذرع طهران لم تعد مرتبطة بها الا من ناحية القداسة والرمزية الدينية، إذ أن تلك الأذرع قد تغلغلت في المجتمعات التي تنتمي إليها جغرافيا، وباتت تشكل جزء من نسيج تلك الدول، ما يعني إن سقوط الرأس، قد لا يؤدي بالضرورة الى موت الأطراف، على الأقل حتى زمن بعيد.
 
إيران سياسيا لديها تحالفاتها الدولية التي تشكل لها محور موازي، كروسيا والصين وألمانيا وكوريا الشمالية وغيرها، ما يجعلها قادرة على إدارة الصراع لفترة أطول مستفيدة من السمعة السيئة لترامب وإدارته حول العالم، ومن وجود رغبة أمريكية في الداخل الأمريكي لا تحبذ ولا تستحسن خوض تجربة عسكرية جديدة مثلما حصل في العراق وأفغانستان، ولذلك إذا حصلت المغامرة العسكرية فإنها ستكون مدفوعة الثمن، ومن الجيب الخليجي تحديدا.
 
بالنسبة للمظاهرات التي خرجت في بعض مدن إيران، فتأتي في سياق تفجير الموقف في الداخل الإيراني لإرباك طهران، ودفعها نحو التنازل لما يريده خصومها، أو لجذبها نحو معركة دولية تدريجيا، تبدأ بإدانة مواجهة قوات الامن الإيرانية للمتظاهرين، مثلما حصل في العام 2009م عندما اندلعت في المدن الإيرانية موجة احتجاجات ضد نتيجة الانتخابات بعدما اعلن مير حسين موسوي نفسه الفائز بالانتخابات قبل إعلان نتيجتها من قبل الجهات الحكومية، وأدى ذلك الى اعلان كثير من الدول موقفها المتضامن مع المتظاهرين، ثم احتوت السلطات الإيرانية الوضع لاحقا، لكن نظام الحكم الايراني ربما بات اكثر أدراكا لما يراد له من استهداف، ولن يسمح بتعرضه للسقوط، وسيقاتل باستبسال كي يحافظ على نفسه، حتى ولو سالت أنهار من الدماء.
 
وبسبب الدور الكبير لشبكات التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات التي اندلعت عقب انتخابات 2009م فقد اضطرت طهران لحجب تلك الوسائل، حتى لا يتكرر نفس السيناريو السابق، وكان للغرب دورا كبيرا في دعم تلك الوسائل، لذلك خوض إيران للصراع في الداخل المدعوم من الخارج ليس جديدا، ففي عام 2006، سن الكونغرس الأمريكي قانونا يُدفع بموجبه مبلغ من المال يقدر بعشرة ملايين دولار إلى مجموعات معارضة للحكومة الإيرانية.
 
لا أحد ينكر أن المنطقة العربية متضررة بشكل كبير من السياسة الإيرانية الطائفية الهدامة، ويدفع الملايين من العرب ثمنا باهظا جراء التدخلات الإيرانية الدموية، لكن لا يبدو الغرب متحمسا بشكل كبير لمعاقبة إيران، وتفعل إدارة ترامب ذلك إرضاء لحلفائها العرب، مقابل الحصول على المال، انطلاقا من مفهومه الذي يقول إن على الدول الغنية أن تدفع مقابل حمايتها.
 
وإذا ما توقعنا أسوأ السيناريوهات، وهي توجيه ضربة عسكرية، والاطاحة بحكم الملالي، فإن المنطقة ستكون أمام زلزال لم تشهد له مثيل من قبل، فالمبررات واللافتات التي يرفعها الإيرانيون حاليا ضد نظم الخميني، سيكون لها صدى في المنطقة، وستكون هي ذاتها التي سيرددها آخرون في دول المنطقة، فالفقر والتدهور الاقتصادي والاستبداد والقمع هي ذاتها الامراض التي تعاني منها الدول التي تجاهر في خصومتها لإيران.
 
وإذا ما سقط نظام طهران الحالي، فإن المنطقة ستكون مكشوفة، وستظهر قائمة جديدة بالأعداء والحلفاء من جديد، فمثلما شكل سقوط بغداد في يد إيران اقتراب اللعبة والخطر من دول الخليج، فإن سقوط إيران، سيدفع نحو إيجاد عدو جديد يقتضي بقاء أمريكا في المنطقة، ووجود بؤرة يتناسل منها الصراع على الدوام.
 
 أما في حال تمكن من طهران من اجهاض المظاهرات الداخلية والقضاء عليها، فسيقود ذلك أيضا الى إذكاء الخصومة وتعزيز النزاع والتوتر بينها وبين خصومها، ما يعني بقاء الجحيم مطبقا على المنطقة لفترة قادمة.
 
دول الخليج اليوم وتحديدا السعودية والامارات تمر بأزمة اقتصادية واضحة، نتيجة حرب اليمن التي تخوضها منذ ثلاث سنوات، واضطرت لذلك لرفع الدعم عن المشتقات النفطية، واتخاذ تدابير اقتصادية تحول دون اهتزاز اقتصادها في الداخل، وهو ما يجعلها في وضع غير مطمئن لخوض معركة مع إيران، كما إن الجرعة السعرية الأخيرة، قد تمثل احدى وسائل التذمر في أوساط الناس، وتدفعهم نحو مواقف سلبية من حكوماتهم.
 
وفي كل الأحوال، فالتصعيد الحالي مع إيران ووصول حدة الصراع لهذا المستوى، هو نتاج سياسة التراخي التي اتسمت بها دول الخليج طوال العقود الماضية في تعاملها مع إيران، كما لا نغفل أيضا هنا النزعة الخليجية في تحقيق انتصار على ايران بعد العلاقة التي تشكلت بين طهران ودول في المنطقة عقب الأزمة الخليجية.
 

التعليقات