سعادة السفير
الجمعة, 05 يناير, 2018 - 06:42 صباحاً

قرأت رواية سعادة السفير للدكتور السعودي غازي عبدالرحمن القصيبي، والذي عمل وزيرا في بلده لوزارتين، الأولى الكهرباء والصناعة والثانية وزارة الصحة، وكانت فترتها أقل.
 
الرواية القصيرة تتحدث عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والذي وصفه بالدكتاتور وسماه في الرواية "همام بوسنين".
 
وتشرح الرواية كيف كان صدام ديكتاتوريا قاسيا، تتملكه النزعة في الانتقام من كل شيء، سواء كان مقربين له، أو أعداء، في سبيل بقاء كلمته وأسطورته.
 
بطل الرواية سفير يسمى "يوسف الفلكي"، ويمثل دولة اسمها "الكوت" وهي كناية عن الكويت، أما صدام فقد كان رئيس لدولة "النهروان"، وهي كناية عن العراق.
 
يوسف الفلكي كان سفيرا سابقا لدى "همام" في دولة النهروان (العراق) وعاش في عاصمتها (سعدباد)، وهي كناية عن بغداد، وخلال عمله كسفير ارتبط ب"همام" الذي يجسد شخصية صدام، وكانت بينهما علاقة طيبة فرضتها حرب "همام" مع "عجمستان" التي هي "إيران"، واثناء ذلك تعرف على يوسف الفلكي اثناء حضوره احدى الولائم على فنانة عراقية اسمها في الرواية "شهر زاد"، وهذه الفنانة كانت جميلة جدا لدرجة أن صدام حسين "همام بوسنين" أخذها من زوجها، وعينه دبلوماسيا في موسكو، وسلبها ابنتها، وتركها في دار رعاية للأطفال تشرف عليها الدولة.
 
دخل السفير يوسف الفلكي في علاقة غرام خفية مع الفنانة شهر زاد، وأدرك صدام حسين ذلك، فأرسل له شاحنة، سحقت سيارته، لكنه نجا بينما ماتت زوجته في الحادثة.
 
تم نقل يوسف الملكي الى بريطانيا حيث مثل دولته هناك كسفير، لكنه ظل ناقما على "همام الديكتاتور" الذي يجسد صدام حسين، وهناك كان يتواصل مع المعارضة النهروانية (العراقية) لقتل صدام أو الإطاحة به، وبسبب ذلك تعرف على المسؤولين البريطانيين الذين كانوا يرون في "همام – صدام" عدوا لهم، ويجب التخلص منه، وانقطعت أخبار شهر زاد عليه، ولم يعرف إن كانت قد ماتت او ظلت على قيد الحياة.
 
تمضي الرواية في سرد أدبي شرح الهالة التي وضعها "همام- صدام" لنفسه وصعوبة الوصول إليه لقتله، وفشل محاولة انقلابية لضباط في الجيش العراقي من الانقلاب عليه، كما تسرد أيضا طبيعة عمل السفير في بريطانيا، والطرق والأساليب الدبلوماسية، من اللقاءات الرسمية مع الملكة البريطانية، وأجهزة المخابرات البريطانية، والعلاقة بين الاستخبارات البريطانية بشقيها M16  و M15، واحدة منها تتبع وزارة الداخلية والأخرى تتبع وزارة الخارجية، إضافة الى شوارع لندن وأزقتها ومطاعمها، وهي أماكن ومعالم لا يستطيع التحدث عنها الا من عمل هناك، وسنأتي لذكر هذا لاحقا.
 
يتأثر يوسف الفلكي السفير بوفاة زوجته، ولذلك عادة ما يكتب لها في الرواية رسائل رمزية يشرح لها حالته في الحياة والظروف الصعبة، والمواقف التي لم يحدثها في حياته، ومن ذلك كيف أن "همام – صدام" عندما عرف أنه على علاقة بالفنانة الجميلة شهر زاد، اجتمع به وخاطبه بأنه ليس من حقه السطو على أملاك غيره، وأن ذلك سيكلفه نفسه ودولته، في إشارة إلى أن "همام – صدام" سيحتل الكويت التي هي دولة الكوت كما جاء اسمها في الرواية.
 
ورمز القصيبي في الرواية لبعض الدول كدولة الشواطئ العربي وربما هي إشارة الى "مصر، ودولة الجزر العربية وهي إشارة ربما إلى دولة الامارات، ودولة الرمال العربية، وهي إشارة ربما للسعودية.
 
تتوالى الاحداث ويتفق السفير يوسف الفلكي مع ضابط عراقي فر من النظام الى الدانمارك، على اغتيال "همام – صدام" من خلال اثنين من الضباط المقربين له ويعملون في حراسته، على أن يقوم الضابط العراقي بتأمين حياة عائلة منفذي العملية، وتدفع دولة الكوت "الكويت" مبلغ 500 ألف جنيه إسترليني على دفعات.
 
بعد موت زوجته لم يتزوج السفير يوسف الفلكي، لكنه انغمس في علاقات مفتوحة مع النساء والعشيقات من كل لون، وكانت تلك هي نقطة ضعفه التي يخشى عليه منها.
 
فجأة تصله أنباء أن هناك مخطط لاغتياله من قبل "همام- صدام" بسبب اشتراكه في دعم عملية الانقلاب الفاشلة، لكنه لم يعرف كيف سيتم اغتياله، وظل قلبه معلقا بشهر زاد ويحن إليها كلما رأى فتاة عراقية (من بلاد النهروان).
 
ذات مساء التقى معه مسئول بريطاني على العشاء وأخبره أن شهر زاد موجودة في بريطانيا، وأنها خرجت من بغداد للعلاج في الأردن، ومن هناك تواصلت مع السفارة البريطانية، وطلبت اللجوء إليها، ووافقت بريطانيا على ذلك لتستفيد من المعلومات التي لديها عن "همام – صدام".
 
إلتقى بها السفير وغرق معها باللذة الحميمية، وكاد أن يتزوجها، وقدم استقالته لبلده كي يتزوجها ويسافر معها، لكن بلده رفضت الاستقالة.
 
لاحقا يأتي إليه المستشار الخاص لرئيس الوزراء البريطاني، ويبلغه بأن شهر زاد جاءت لقتله، وأن "همام – صدام" يعرف نقطة ضعفه وحبها له، ووعدها إن هي قتلته أن يفرج عن طفلتها وزوجها، وإن لم تفعل فسيقتلهما.
 
في الليلة الأخيرة للرواية طلب السفير يوسف الفلكي من شهر زاد كأسا من النبيذ، فأعدت الكأس وفتحت صدرية ذهبية على شكل قلب وصبت فيه دقيقا من السم، بينما كان هو يتابع مباراة لفريق رياضي بريطاني، وفجأة انقطعت المباراة وبثت المحطة التلفزيونية خبرا بأن الرئيس "همام- صدام" تعرض قتل في عملية اغتيال نفذها اثنين من الضباط العاملين في حمايته، انتفض من مكانه هاتفا بأن الديكتاتور قتل، بينما استقبلت شهر زاد الخبر كالصاعقة، وسقط من يديها الكأس بالسم الذي كان فيه.
 
انتهت الرواية
 
في المجمل هي رواية جميلة في سردها، وتنتمي للروايات ذات الطابع السياسي، وتمكن مؤلفها من خلق صورة واضحة لما يسميه الديكتاتور صدام حسين، ورسم له صورة دموية قاتمة، كرجل متسلط وانتقامي ولا يفهم سوى لغة القوة والبطش والمكر والخديعة.
 
لكن من أين جاء غازي بهذا، من المعروف ان القصيبي أديب وشاعر وكاتب يجيد رص الكلمات والتعبير عن الشيء بلغة تعشقها وتؤثر فيك، لكن من يقرأ سيرة القصيبي الفعلية كالوظائف التي تقلدها يدرك تماما مدى التأثير الذي يهمن عليه في كتابة هذه الرواية القصيرة.
 
عمل القصيبي سفيرا لبلده في البحرين اثناء الحرب الخليجية الثانية عندما غزا صدام حسين الكويت، وفي كتابه "حياة في الإدارة" يكشف عن النشاط الذي كان يقوم به مع أمير البحرين والخلية الدبلوماسية الخليجية التي كانت تدرس المواقف لمواجهة صدام حسين وحشد التأييد الغربي والامريكي ضده على خلفية الغزو، ويصف تلك الفترة بأنها كانت من اعصف الفترات في حياته.
 
انتقاله للعمل في كسفير للسعودية في لندن أكسبه أن يحشد في روايته ويصور المشهد في لندن، من مختلف تفاصيلها والعلائق التي قام بها مع كثير من المسؤولين البريطانيين والعرب هناك، لذلك من يقرأ الرواية دون أن يعرف مثل هذه المعلومات سيستغرب من الملكة التصويرية التي قدمها القصيبي في الرواية عن بريطانيا والأساليب الدبلوماسية التي اتصف بها السفير يوسف الفلكي بطل الرواية.
 
ستلحظ بوضوح العلاقة بين الاستنتاجات التي قدمها في الرواية والقناعات التي ساقها مع ما جاء في كتابه "حياة في الإدارة" وسبق أن كتبت الأسبوع الماضي ملخصا عنه.
 
لا شك أن العزو العراقي للكويت كان حدثا خاطئا ومدمرا، ولازالت المنطقة العربية تدفع ثمن ذلك التهور حتى اليوم، لكن تصوير الرئيس صدام حسين بتلك الصورة التي جاءت في الرواية يبدو مبالغا فيه بشكل كبير، وتعمد الراوي التشويه أكثر من الواقع، من خلال تصوير الغزو للكويت بأنه جاء انتقاما من سفيرها الذي تجرأ وعشق فنانة ومعشوقة الرئيس، وربما يعود الأمر للصورة الوجدانية التي خلفها الغزو العراقي للكويت، وما رافق ذلك من فزع كبير في المنطقة، وإلى التضخيم المهول لشخصية صدام، الذي جرى تصويره بأنه نازي يتطلع الى سحق الدول الخليجية بكل برود.
 
وقد قال القصيبي عن روايته في مقدمتها: للقارئ أن يصدق أن في هذه الرواية الخيالية شيئا من الواقع، إلا أنني أنصحه ألا يصدق أي شيء يسمعه من الدبلوماسيين.
 
الرواية صدرت طبعتها الأولى في 2003م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وهو العام الذي جرى فيه القبض على صدام حسين وسقوط العراق بيد أمريكا، وليت القصيبي أدرك ماذا جرى بعد سقوط صدام، والتأثير الذي قاد المنطقة الى الجحيم الذي تعيشه اليوم بعد سقوط بغداد، فعند سقوطها شعر العرب الخليجيين أنهم ثأروا لأنفسهم من صدام واستراحوا من تهديداته فركنوا الى أنفسهم، وإذا بالعراق تسقط بيد إيران، ويعود التهديد من جديد، ولكن هذه المرة بطريقة مضاعفة، تهديد من ايران التي ترى أن دول الخليج دعمت صدام حسين في حرب الخليج الأولى، وتهديد من بغداد التي يشعر ابناءها أن معاناتهم ولدت منذ سقط صدام حسين والمؤامرة التي حيكت ضده.
 

التعليقات