هل يتوجب علينا تجريم الترويج للحوثية؟
السبت, 14 يناير, 2017 - 09:16 مساءً

مع نهاية آخر يوم من سبتمبر المشؤوم من العام ٢٠١٤، كان الرجل قد أنهى لتوه حملة سياسية وإعلامية واجتماعية كذلك، لصالح المهمة التي كلف الحوثيون أنفسهم القيام بها، تدمير الدولة، وزرع الموت في شوارع البلد وأزقته، اغتيال البسمة ودفن الأمل، قُتل المئات وحوصر الرئيس وهدمت الدولة وفرت القيادات السياسية كلها، نظّر الرجل للحرب وشرعن لجل ذلك كل نهار، ثم راح، بكل سفاقة يدعو الإله أن جنبنا الحرب. كان هذا الكائن يسخر منا ومن الإله في الوقت نفسه.
 
يمكن للمثقف التابع للجماعة الحوثية / صالح أن يتشكل كهلام، غير أن ذاكرتنا قد اتسعت تقنياً لتغدو مليئة بملفات لا حصر لها من المواقف التي يمكن، إذا وضعناها في خط زمني، أن تكشف لنا حقيقة واحدة، يتعامل القوم معنا على طريقة "محارب قديم، محتال ومتمرس، يسلب الآخرين بعد أن يكسب ثقتهم".
يظن مثقفو الإمامة / السلطة العائلية أن هواية الجمع بين الأضداد في المواقف والرؤى كفيلة بتشويش قدرة الناس على الحكم الصائب على الأشخاص ومواقفهم، غير أن ذلك ضرب من الاستخفاف بالناس، الاستخفاف بكل شيء في الحقيقة عادة متجذرة لدى أتباع الحوثيين وصالح، يمكنهم الاستخفاف بكل الشعب، وبكل ما تخطه قوى المجتمع من رؤى للمستقبل إذ هي عارضت مشاريعهم العنصرية والأنانية في السلطة والحكم.
 
في28 سبتمبر 2014 أشار علي البخيتي، ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني وعضو لجنتهم السياسية سابقاً، إلى ما أسماه "الجناح العسكري الإرهابي" التابع لـ "حركة الإخوان المسلمين في اليمن"، كان يقصد بوضوح علي محسن الأحمر، هذا الأخير غدا الآن نائباً لرئيس الجمهورية بعد أن طارده الحوثيون باعتباره المطلوب رقم واحد، ويقود في الأثناء الجهد العسكري برمته الساعي لاستعادة العاصمة صنعاء من يد الانقلابين الحوثيين..
 
البخيتي لم يجد مانعاً، ولا أدنى خجل، في أن يذهب لاحقاً إلى مقر إقامة قائد "الجناح العسكري الإرهابي" لأخذ الصور التذكارية معه، ومن ثم كتابة عريضة إشادة بالرجل. كتب في الـ 29 من الشهر نفسه والعام ذاته ملاحظات تشير إلى غياب الدولة في المحافظات البعيدة عن العاصمة، مقدماً الأرضية الفكرية والمسوغات السياسية، وممهداً للخطوة الكبرى القادمة، ومبرراً لاجتياح لجان الحوثيين اليمن كلها بحجة حفظ الأمن، ثم ما لبث، دون أي شعور بالمروءة، أن كتب نصاً يرثي القتلى الذين سقطوا بفعل ذلك، وينعيهم. كتب يصف أمير الحرب علي الحاكم باعتباره "شخصاً مرحاً وطيباً وصادقاً " كان هذا المرح والطيب قد نثر ابتساماته في أرجاء اليمن على شكل ألغام مزروعة في كل منطقة يمنية.
 
قبل كل ذلك، ذهب البخيتي ليلتقط صورة له وهو يحمل بيديه عملة إيرانية، فعل ذلك بفخر، وبتحد، ثم راح يتبختر بصورة أخرى وهو يقبل مرشد الثورة الإيرانية، فعل ذلك أيضاً بزهو. كان متواطئاً من البداية ويعرف جماعته جيداً، واختار أن يغدو "كاندوم" أو كلينكس تمسح الجماعة به بعضاً من أوساخها، حتى عندما قرر أن يوجه للحوثيين نقداً، ما لبث أن أكد على أن نقده لا يخرج عن وظيفة "الكاندوم"، "أنتقد حتى أخفف حملة الآخرين علينا وأسحب البساط عليهم" هكذا دون يوماً.
 
كتب الرجل قبل أيام، أنه إذا كان سقوط الحوثيين مقترناً بسقوط الدولة، فالأولى أن نترك الحوثيين رحمة بالدولة، ويتساءل المرء، لماذا لم يقل البخيتي ذلك حين كان الحوثيون على أبواب صنعاء يهددون الوطن والدولة والجوار؟ لا إجابة، لا تنتظروا إجابة صادقة على الإطلاق، أهلاً بكم في السرك الكبير.
 
يمكنني أن أسرد العشرات، بل المئات من المواقف لأشخاص تبنوا رؤية الحوثي / صالح وفق الطرائق السابقة: اكتساب الثقة بتبني الضد و ضد الضد، ثم التفنن بذبح المنطق بالمنطق. تأريخ حافل بالمهازل، لكننا مللنا، مللنا حقاً وما عاد بوسعنا احتمال مهرجين كثر، فمنذ أن اجتاح البرابرة الأرض اليمنية، اتسع الوجع، وامتلأت السماء بالعويل وساد الحزن أعين الناس وقلوبهم، ولا يمكنك، الآن، أن تشتري صك غفران لتمحو بها كل خطاياك دفعة واحدة، ولا حتى "الاعتراف" بإمكانه تطهير روحك من آثامها، يمكنك فقط أن تستمر بوظيفتك كما أنت، معولاً على تسامحنا وثقب ذاكرتنا، ويا لها من وظيفة.
ما أود قوله في هذا النص الطويل، أن الناس، جميعهم بلا استثناء، بارعون وماهرون في اكتشاف المهرجين والمخاتلين، ولديهم قدرة هائلة على تمييز الجانب الصحيح من الجانب المظلم في كل موقف، إنهم يكونون اتجاهاتهم بناء على بديهية تسرد سلسلة المواقف والتصرفات والأقوال النابعة من فرد / مؤسسة، ويمكن للمرء أن يتسامح في كل شيء، لكن العفو إزاء التزييف ترف لا يمكن منحه، فإيمانك بقدرتك على خداعي هو أقوى ضروب الإهانة الشخصية التي يمكن أن يتلاقها المرء، ولا يمكن لإنسان أن يتسامح فترة طويلة مع شخص يوجه له الإهانات كل يوم على شكل تصريحات ومنشورات تتصف بكل شيء إلا الصدق، ولا أقصى من إهانة على شاكلة نصف حقيقة أو حقيقة كاملة يعتريها كمية افتراءات مهولة.
 
 
ما الذي يدفعني لكتابة كل هذا الآن؟  إنني أزعم أن المعارك العسكرية الرامية لتحرير اليمن من سلطة الانقلابيين الحوثيين وصالح في مراحلها الأخيرة، ثم ستأتي لاحقاً المرحلة الأهم وهي استكمال بناء الدولة اليمنية المحطمة، ستعود الآلة الإعلامية للهاشمية السياسية والتسلط العائلي باسم الجمهورية إلى ممارسة مهامها الرامية إلى قطع الطريق نحو التحول السياسي من مركزية الحكم إلى الدولة الاتحادية، دولة الأقاليم والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وإنه لجدير بنا اعتبار مخرجات الحوار الوطني كتابنا المقدس، على الصعيد السياسي بالطبع، ويتوجب اعتبار أي تشكيك يرمي لعرقلة جعلها واقعاً ممارساً، خيانة وطنية عظمى، تحتاج الدول أثناء المراحل الأولى من تأسيسها وبناء أنظمتها المتوافق حولها إلى إجراءات قد تكون متطرفة لحماية هذا التحول.
 
الإجراءات المطلوب اتخاذها إجراءات وقائية وليست عقابية على الإطلاق، بعد الحرب العالمية الثانية، سرح اليابانيون المعلمين الذين روجوا للتعصب وجرمت ألمانياً، بشكل نهائي، الترويج للأفكار النازية، في الحالة اليمنية يمكن الارتكاز على مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور الناشئ لتجريم ما سواهما.
 
إذا أردتم للحلم اليمني أن يتموضع على أرض الواقع، فلا مناص من تجريم الحوثية أو الترويج لها، بأي شكل أو صورة، وبالتالي يعتبر التشكيك بمخرجات الحوار الوطني كذلك جريمة أخرى مماثلة للترويج للفكر العنصري أو للمشروع العائلي.

* عن مدونات الجزيرة

التعليقات