فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
المؤتمر سيحكمكم يا أهل القبور!
الأحد, 09 يوليو, 2017 - 06:47 مساءً

 يحكى أن عسكريا تلقى أمرا من قائده بالذهاب إلى إحدى القرى القريبة لإلقاء القبض على رجل سرق كيلو من البصل من أحد الباعة المتجولين، وفي رواية أن الرجل أخذ البصل دينا ولم يجد المال لتسديد البائع، كان ذلك في عام قد عز فيه البصل، وأصبح الكيلو الواحد منه تساوي قيمة خمسة كيلو من البطاطا وعشرة كيلو من الطماطم، ذهب العسكري إلى القرية ووصل مع ارتفاع صوت أذان المغرب، وسأل عن منزل الرجل فدله عليه بعض الصبية، وحينما قرع الباب أجابته زوجة الرجل الذي سرق البصل، وفتحت له الباب وأدخلته إلى ديوان المنزل، وأخبرته  أن زوجها يعمل في القرية المجاورة ويعود في بعض الليالي وفي ليال لا يعود، وعلى كل حال حياك الله يا عسكري الدولة، قالت له المرأة، وذهبت لبعض شئونها وعادت إليه بفطيرة من الدخن وشيئا من الحليب، أكل العسكري كسرة الخبز، وشرب الحليب، واخرج كيس القات وأخذ يمضغ العلف الواحدة بعد الأخرى.
 
المرأة في الداخل تنتظر عودة زوجها، فأخذتها نوبة من الحنين إليه لأنه لم يعد، وذهب بها الشك ربما يكون قد بات عند إحداهن وأخذتها الفكر واهرقت العبر، صاح رضيعها باكيا فنهرته ولعنت أباه الغائب، وقالت له بصوت مرتفع "ارقد يا ولدي كما العسكري بيقوم يفجع اموك" نطقتها بالخباني بحسب الراوي، وكررتها مرارا عسى أن يفهم العسكري، أو لعل طفلها ينام ويترك لها مساحة للخوض في شكوكها، لم يحدث شيئا من كل ذلك لا العسكري استطاع أن يفهم ولا الطفل سكت ونام.
 
وهذا هو حال الجمهوريات العسكرية العربية، لا العسكر فهموا مهامهم المنوطة بهم ولا حتى فهموا مهامهم بشكل خاطئ، فالعسكري منزوع الفهم خلقة، ولا الشعوب سكتت عن البكاء كطفل المرأة، والمرأة كالوطن المسكون بالشك والأمنيات الطيبة واللعينة معا.
 
بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هناك من يبشرنا بعودة الحاكم العسكري "تبعنا" والذي لم يفهم طيلة 33 عاما وتم خلعه، فدبر انقلابا مدفوع الأجر وأدخل الجمهورية في صراع طائفي مناطقي وحرب عبثية بالوكالة، وهاهو يحلم بالعودة مجددا، ما الذي لا يزال في جعبته هو وأسرته، ماذا يخفي الحاوي ياترى ليريه للشعب؟
 
ولأن الحرب أخذت مدى أبعد من مداها، ولأن الساسة راحوا يقتسمون المناصب، ولأن فاسدي أحزاب البيضة والحجر صاروا اليوم أحرص من صالح على توريث المناصب لمن يعولون من أبناء وبنات، الأب مناضل وذريته هاي كلاس، ونعم النضال ونعم التربية، واللهم لا حسد على رأي أحدهم.
 
مللت المسرحيات العربية وأخر مسرحية شاهدتها هي مسرحية الزعيم، بعدها حاولت أن انسجم مع هذا الفن فلم أستطع، لا أطيق الضحك على أشكال المهرجين والارجوزات، فهم بني آدم، لكن تم مسخهم والسخرية منهم لأجل ثمن التذاكر، المسرحية لأجل لقمة العيش لم تعد تقدم فنا بقدر ما تقدم معاناة الشعوب بطريقة مبتذلة.
 
المسرحية الجديدة في اليمن وبدعم إقليمي لا ينقصه الغباء تحوي فكرة سخيفة مختصرة في قول أحدهم "هيا نلغي الإصلاح ونرجع المؤتمر يحكم"، تهديدات الإلغاء والحظر التي أطلقها المهرج عيدروس الزبيدي تزامنت مع تسريبات عودة المؤتمر للحكم، المشكلة أن مخرجي المسرحيات العرب أغبى من الممثلين، هذه المشاهد إباحية وعصية على القبول من قبل كل من لديه قدرة على التفكير المنطقي.
 
قال أحدهم لي وهو يصنفني كما يتخيل؛ لا أحد يريدكم في المنطقة، يريدون المؤتمر، كان بجحا بما فيه الكفاية، سمنت خدوده ومؤخرته ترهلت كثيرا بسبب اكثاره من تناول الكبسة، ويعد شيخ الأرزقية الذين يمتطيهم السلطان في اليمن، كما أنه أيضا يقدم خدمات الامتطاء للسلاطين في الدول المجاورة، كخدمات عامة، ما شاء الله عليه ومرة أخرى اللهم لا حسد، هو لا يدرك أني محسوب  على المؤتمر، لكني ضابح من نفسي، ولم يتبق لي إلا القليل وافتعل المشاكل مع أقدامي، وذلك لسوء الوضع في بلد كل من سولت له نفسه صنع انقلابا واختبأ خلف زجاج في منظر حقير يلقى استهجان الجماهير، فالنضال الحق لا يقود إلى خلف الزجاج وإنما لمواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد وجها لوجه، لكنها لعنة المرتزقة ومسوقيهم من الأرزقية.
 
وبعد كل التفاحيط التي حصلت في البلد الفقير للإرادة والمفتقر للإدارة ولمشروع النهوض ها هم البعض يغنون ويقولون: نبشركم أن المؤتمر هو من سيحكمكم في المرحلة المقبلة! بشرك الله بوجه خالتك مرت أبوك، على أساس أن الذي يحكم الآن هو حزب الخضر، والرئيس هادي ينتمي للحزب الناصري، ونائبه بعثي، ورئيس الوزراء من حزب اليمن بيتنا، "عاد التبشير يشتي له حلبة". والسؤال الأهم من الذي يحكم البلد بشقيها شرعية وانقلاب سوى نسختي المؤتمر المتضاربتين كالرباح؟ وفي هذه الحالة ما على الشعب "إلا أن يشرح جربته".
 
باقي قليل والمؤتمر يحكم كل من قتلهم وتسبب بقتلهم، هذا حزب المقابر، والمبشرون إياهم يريدون منا قراءة دعاء "أنتم السابقون ونحن اللاحقون" لكننا لن نقرأ سوى آية التغيير، والتغيير قد ابتدأ في 2011، ومن لا يحسن قراءة الواقع فخيالة ضحل وتوقعاته مجرد أمنيات، وعلى رأي عبادي الجوهر "ما على الدنيا عتب كل ما فيها أماني".
 
بسم الله الرحمن الرحيم، إن تغييرا صنعناه بأيدينا لن يضيع ولا يوجد في المستقبل الذي ابتدأ في 11 فبراير تراجع نحو الماضي، وهذه الأحزاب بدون استثناء بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتها وهياكلها والتخلي عن أصنامها وأيديولوجياتها، وتحسين علاقتها بالمجتمع، وإلا فإنها قد حكمت على نفسها بنفسها.
 
وأخيرا وليس أخرا، فإن حال الشعب مع الشرعية يتلخص في قول أحدهم" لا أنت تزوجتِ ولا والدك تغدى" وشكرا.

 

التعليقات