لماذا المقاومة الجنوبية؟
الإثنين, 17 يوليو, 2017 - 10:04 صباحاً

خلال عامي 2014-2016م تابعت عدن الأحداث التي تجري في صنعاء بترقب وحذر ولا تعلم حقيقة السيناريو الذي يجري هناك بذهول بالغ كباقي المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج، على أمل أن تتحقق وعود الحوثيين لهم بإعطائهم الاستقلال عن صنعاء وفك الارتباط عن السلطة المركزية هناك، كان ذلك قبيل دخولهم صنعاء وحتى دخولها، لدرجة أن كثير من الساسة والإعلاميين الجنوبيين اشتغلوا مع الحركة الحوثية وروجوا لها لسببين الأول كما اسلفت أمل فك الارتباط والثاني التقاءهم عند بوابة إيران الواحدة عبر حزب الله اللبناني المؤدي إلى خزائن طهران .

تسارعت الأحداث في أواخر عام 2015 ومطلع العام 2016م بسبب تباين رؤى أطراف الصراع كلها في صنعاء وبين قادة القضية الجنوبية الممثلين لتياري الصراع على السلطة في الداخل والخارج، ولهم قصص دامية وحكايات مؤلمة تملأ ذاكرة من عاصروها، وكان باستطاعة القادة الحالمين بدولة ما قبل الوحدة في المناطق الجنوبية أن يدخلوا المشروع عبر الوحدة والشرعية نفسها مرفوعي الرأس ممشوقي القامة، وتبني مخرجات الحوار الوطني ودستور ثورة الشباب السلمية الذي دللهم وأعطاهم مالم يعطهم الحزب الاشتراكي قبيل الوحدة، أفضل من الانجرار وراء الخارج الذي يرعى أمنه ومصالحه أكثر من مصالح الوطن، وأحلام الساسة الذين يركبون قطار الوطن بعيداً عن هموم الجماهير ومتطلباتهم الذين منهم تُستقى السلطة ثم تعود اليهم كروافع رئيسة ثابته لها. 

وفضلا عن الالتزام بمخرجات الحوار الوطني كان بإمكانهم بناء جيش وطني في سياق واحد مع باقي جيوش المقاومة وترقيمهم ضمن قِوام وملاكات الجيش اليمني الكلي بعيداً عن التشرذم والاعتماد على ميليشيات خارج سياق سلطة الدولة التي يحكمها الخارج ويتحكم بمصيرها استقراراً تشرذما وتفكك، لأن الخارج لا يعمل على بناء جيش قوي موحد خارج حدوده مهما اتسعت مطامعه ووجِهَتْ الى الخارج أنظاره، ولا يعمل على إعطاء سيادة كاملة لدولة طالما دفع الأموال وتحمل التكاليف وجهز الأجهزة وتظل سيادة الدولة منتقصة وإرادتها السياسية مقيدة وقرارها السياسي مرهون بموافقة ورضى دولة الخارج الراعية والمهيمنة.

وليس ثمة سبب ما يجعل المتابع والمحلل السياسي للمشهد اليمني في جنوب اليمن يجعله يؤمن بأن هناك أي بادرة أمل تلوح بالأفق تبشر بالاستقرار وبناء دولة مدنية مستقرة خالية من أسباب الصراع لأن الانقسامات باينه والميليشيات التي نهبت السلاح المقدم من المملكة والذي كان مخزن في جبل الحديد من أيام بريطانيا والتي انسحبت من مقاومة في عدن في بداياتها لا زالت محتفظة بما معها تتحين فرصة الانقضاض على خصوم الأمس واليوم،  ولأن الخلافات تجر الى الصراع والصراع يجر إلى التفكك والتفكك يجر إلى التشظي وانهيار كل المؤسسات الدولة والمجتمع. 

ولأن قادة المقاومة الذين وقفوا في طريق الحوثي وتصدوا لزحفه في عدن قتلوا وأقصوا وهُجِروا واعتقلوا وحل محلهم أناس أقل ولاءً للوطن وأكثر انسياقاً مع أهداف الخارج وأكثر بعداً عن الهم العام للمواطن البسيط، وأكثر حرصاً على مصالحهم الاقتصادية والسياسية بعيداً عن مآسي الحرب ودمارها التي لم تترك شيئاً جميلاً إلا نالت منه وشوهته فلاهم الذين حققوا للجماهير المطالب ولا هم الذين خضعوا للشرعية المعترف بها والممثلة للوطن دستوراً تاريخاً وإنسان.

وتلك سنن كونية تحل بالثورات والحروب ورجالها المخلصين بعد انتهاءها وضهور مستبطنات الأمور على السطح والتي كانت ترقد تحت عباءات أطرف الهدف المتحد بدايةً لمواجهة العدو الواحد وعلى مدى مسيرة نضالها المسلح وقبل أن تخترقهم سياسة الخارج وتلوي أعناقهم باتجاه آخر على خلاف ما كان يحلم به الوطن وقاتل الشعب من أجله وحرم من ابسط مقومات السعادة.

لا زالت عدن الحبيبة إلى قلب كل يمني يضج أهلها بالشكوى في الداخل والمنفى، وتعاني من مآسي الصراع، وغياب الخدمات والأنين من القهر والكبت من قبل قوى أمنية بديلة لم يعتمد قادتها المساواة في التجنيد بين طالبي التجنيد الالتحاق بها من كل المدن والقرى وتشكيل هيكليتها على أسس علمية الأمر الذي ينبئ باندلاع صراعات ما قبل قيام الوحدة والذي كانت فيه تنقسم القوات داخل المعسكر الواحد والقاعدة المتحدة والإدارة الأمنية المنضبطة إلى فريقين يطحن بعضه الآخر وهم في دائرة معاش وشؤون تنظيمية واحدة وقوام عسكري وأمني واحد. 

أما اليوم فقد أصبح لكل طرف جيشه الخاص به، بُني على أسس مناطقيه وجهوية ويتمترس وراءها كل طرف باتجاه الاخر وتملك عتاداً عسكرياً مستقلاً عن الجيش اليمني المنتشر على كل جبهة من جبهات الوطن مغردين خارج السرب اليمني شماله وجنوبه، وأنى لهم السيطرة والحكم وهم على ألف قلب ولكل قلب ألف بوصلة واتجاه.


 

التعليقات