الفصل الصهيوني الأخير في اتجاه تهويد القدس وبناء الهيكل
الاربعاء, 26 يوليو, 2017 - 11:58 صباحاً

يبدو أن المخطط الصهيوني وصل إلى نقطة الظهور العلني، أي الاستيلاء على القدس الشرقية في اتجاه توحيد القدسين لتصبح العاصمة الموحدة للدولة اليهودية المفترضة، ضارباً عرض الحائط بكل المعاهدات والمواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقية أوسلو. 

طبعاً، ستخلق إسرائيل كل الأعذار لتنفيذ مخططها الكبير، بتزكية عربية اتسعت رقعتها وأمريكية لم تدخر جهداً لجعل إسرائيل أكبر قوة في المنطقة عسكرياً. وبدأ تنفيذ خطة الهيكل بجعل ما كان ممنوعاً، مسموحاً. 

افتتح ذلك شارون عندما اقتحم الحرم القدسي بحرسه بلا أدنى احترام، ثم دخول المستوطنين وكأنها بروفات لرؤية عن قرب ردة الفعل العربية والإسلامية التي كانت صفراً كالعادة. وتأتي الخطوة الاختبارية الجديدة بالاستيلاء على المسجد والسماح للجانب العلوي من هيكل سليمان بالظهور على حساب المسجد الأقصى الذي سيتم تهديمه كلياً أو جزئياً، كما في الكثير من الوثائق السرية الأمريكية والإسرائيلية.

قد يبدو الكلام خرافياً لكن علينا أن نكون عمياناً لما يتم تدبيره ضمن صيرورة مدروسة بدقة وأن المنتهى هو هذا بالضبط إذ أن المكان الذي يشكل ثاني مقدسات المسلمين، فالهيكل أولها بالنسبة لليهود. إسرائيل وصلت إلى درجة من التغول، لم يعد يهمها الرأي العام العالمي والأوروبي الذي كبلته عقدة الهولوكست الإجرامي الذي ارتكبوه في الحرب العالمية الثانية ولا علاقة لا للعرب ولا للمسلمين به. 

ولا يستطيع أحد أن يفتح فمه ضد عدوان ظاهر من دون اتهامه بمعاداة السامية. ولا أمريكا طبعاً، بلد الحرية، إذا أراد أي رئيس أمريكي أن ينجح في الانتخابات أو يستمر في الحكم، عليه أن يسترضي اللوبي الصهيوني المهيمن على كل مناحي القرار. ولا يهمها طبعاً رأي العرب فرادى أو مجتمعين، لا حديث عنهم إلا لتحويلهم إلى تابعين، ينفذون خططها الاستراتيجية.

لم تبق قوة عربية واحدة واقفة قادرة على مواجهة هذا التغول، بالخصوص بعد التدمير الذاتي والاستعماري للعراق، وسوريا، وليبيا، وإنهاك مصر والجزائر التي أنهكتها حربها الأهلية التي دامت عشر سنوات، بعد ثلاثين سنة فقط من استقلال البلاد. لم تعد البلدان التي كانت لها قوة حقيقية، واستقلالية نسبية في قراراتها، قادرة على التنافس العسكري لحماية نفسها. 

حتى البرامج النووية الافتراضية العربية صفيت في بدء تكونها حتى تظل إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة. هذه الدول التي أثبتت أن قهر الجيش الإسرائيلي أمر ممكن في حرب 73 صفيت كلها نهائياً إما بحروب أهلية قاهرة أغلبه مفبرك من قوى خارجية جهوية أو غربية، أو بحروب عدوانية احتلالية حارقة للأخضر واليابس. خراب لعبت فيه الدكتاتوريات العربية المعلنة وغير المعلنة، دوراً تدميرياً كبيراً لبلدانها.

المال العربي الذي يفترض أن يسخر للتنمية، يستعمل لتنمية العداوات الجوارية في ظل إرهاب طاحن ساهمت فيه أيضاً بعض الدول العربية بأنظمتها الهشة، وأيديولوجيات الخيبة التي وجدت في الدين المقروء بشكل مسطح ظاهري، ضالتها. يكفي أن نستعيد كيف نشأ هذا الإرهاب، وكيف كبر، وكيف تم تسويقه في أفغانستان، وفق برمجة دقيقة للتدمير، ثم في الدول العربية إذ لم يبق فيها شيء واقف.

الناتج ليس فقط تدمير ما شيّده العرب طوال القرن الماضي وتحويله إلى رماد، ولكن أيضاً تشويه أية صورة إيجابية للعربي والمسلم. وصل الأمر إلى نشوء فوبيا شديدة القسوة. إذ يكفي ذكر كلمة عربي أو مسلم، ليتجه كل شيء نحو الخوف والحذر. رجل يحمل كتاباً عربياً يمكن أن ينظر إليه كحامل لقنبلة. العربي البعبع. تدمير الصورة الرمزية عالمياً هو جزء من عمل الحركة الصهيونية. كل شيء يتفكك. المال العربي الكبير الذي كان بإمكانه أن يُخرج العرب من التخلف ويفرضه قوة منافسة عالمياً، يذهب إلى غير مكانه، ويبدّد في الحروب الخاسرة بالوكالة، والفساد الأخلاقي والاجتماعي.

وكأنه أصبح محكوماً على العرب بالفناء القريب، من دون أن يحسوا بذلك. في هذا المناخ القيامي العام، تتم سرقة ما تبقى من الأراضي الفلسطينية قبل الإنقضاض النهائي على الرموز الكبيرة، ومنها بيت المقدس، حتى يخلى المكان كلياً أو جزئياً لتشييد الهيكل السليماني كما ذكرت سابقاً. نحن لا نرى شيئاً بغض النظر عن وجود الهيكل السليماني من عدمه، فقد تم منذ عشرات السنين تهييئه.

خطط الهيكل أصبحت جاهزة منذ القرن السادس عشر، ويتم تحسينها باستمرار. ووفق النصوص الدينية والرمزية الاسرائيلية يتم تهييء 6 ملايين قطعة حجر البناء وكلها جاهزة. شارك في اقتنائها بعض رجال المال من اليهود. بينما تم وضع الجحر الأساس بالاستعانة بصخرة كبيرة تزن أكثر من ثلاثة أطنان. الحفريات تحت الحرم القدسي مستمرة منذ عشرات السنين. 

حتى قاعدة الهيكل تم تجهيزها ولم يبق إلا إخراج رأس الهيكل الذي يعمل الإسرائيليون على رفعه بعد تهديم الحرم القدسي أو جزء منه كما في الخطط المهيأة لهذا الغرض. وما يظهر اليوم من بوابات إلكترونية، ووضع الحرم القدسي تحت السلطة الاسرائيلية ليس إلا الفصل الأخير من بدء المرحلة الأخيرة من بناء الهيكل السليماني الثالث، إذ دمر الهيكل للمرة الأولى على يد القائد البابلي بختنصر عام 586 ق . م . ثم أعيد بناؤه بعد ذلك، نحو سنة 521 ق . م . ثم دمر الهيكل للمرة الثانية على يد «تيطس» ابن الامبراطور الروماني «سباستيان»، في التاسع من أغسطس/ آب كما ورد في بعض الوثائق التاريخية.

 وفي عام 135 م (في عهد الامبراطور هارديان) تم تدمير المدينة ، وطرد اليهود منها ، وأقيمت مكانها مدينة جديدة ، سميت بـ «إيليا كابي تولينا». وبقيت تحمل هذا الاسم حتى دخلها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب، وصارت تسمّى «القدس» أو «بيت المقدس» يعمل المتطرفون اليهود والحركة الصهيونية على تحويل هذا الوهم الديني إلى حقيقة من منطلق فكرة أن موقع المعبد، داخل الحَرَّم القُدسي الشريف أو بجواره حد الالتصاق به مما يضطر أصحاب الهيكل إلى تدمير الحرم القدسي، أو اقتطاع جزء كبير منه. السند الديني يشكل ذريعة البناء ومحو الحرم القدسي.

فرصة مناسبة جداً لإسرائيل للذهاب بعيداً في عملية التهويد. بعد أن حوطت القدس الشرقية بالعمران، ونهبت الأراضي من أجل القدس الكبرى التي يصبح داخلها الحرم القدسي الذي سينتهي كوجود رمزي إسلامي بعد بروز الهيكل بوصفه أهم موقع ديني يهودي. العرب والملسمون الذين يتشدقون يومياً في كلامهم وصلواتهم ومجموعاتهم التي كونوها لحماية القدس لم يحركوا ساكناً لمنع المجزرة التي تتم على مرأى كل الناس. بدل الاحتجاج الفعلي بدأوا يعطون للعدوان الإسرائيلي المتغوّل كل المبررات.

فقد وصل العرب إلى حالة من الإذلال أصبح من الصعب تصور قيامهم من المستنقع الذي وضعوا أنفسهم فيه. 

أعتقد أن الكيان الصهيوني، كما في كل انتفاضة، لم يأخذ بعين الاعتبار معادلة أن حالة اليأس هي رديف لكل التطرفات حيث لن يعود للإنسان ما يخسره في ظل فلسطين ممزقة، جامعة عربية ميتة، ومؤسسة أسلامية محتضرة، ومجلس أمن بائس ملتصق بالإرادة الأمريكية. أفق 2020 الذي افترضه الكثير من الصهاينة والحاخامات المتطرفين لتحقيق الهيكل وخروجه من تحت الأرض، لم يعد بعيداً ولا مستبعداً.
 

التعليقات