بيان سياسي
الاربعاء, 09 أغسطس, 2017 - 06:21 صباحاً

كان على اصلاح تعز أن يكتفي في بيانه بالترحيب بزيارة بن دغر، ولم يكن ايضا مرغما على اصدار بيان بالمناسبة، فالسكوت هو الطبيعي وليس البيان، خاصة مع تجمد الحياة السياسية في اليمن ورمي الاحزاب في سلة بعيدة.
 
هذه الخطوة تشابه ذهابه الى صعدة مع أحزاب أخرى للقاء عبدالملك الحوثي والذي لم ينتج عنها أي فائدة سياسية بقدر ما نفخت الغرور في الحوثي وأتباعه، وهم الذين لايؤمنون بأهمية العمل السياسي، وقيمه وتحالفاته للتعامل مع ما يجري على الارض.
 
الامارات تشابه الحوثيين في عدم ايمانها بالعمل السياسي، وعدم تقديرها للأمر، ولا يهمها بيان حزب الاصلاح، ولن يجعلها ذلك تعيد النظر في الحزب وقيادته وتوجهها في الحرب عليه، بل انها قد تفهم البيان كرسالة ضعف مثلما فهمه الحوثيون في السابق.
 
يحاول الاصلاح ان يوحي للإمارات بأنه حزب سياسي، ولا مشكلة هنا لدى حزب الاصلاح او غيره من الاحزاب السياسية ان يحسن علاقته مع أي دولة، خاصة اذا كانت شريكة في الملف اليمني بالوقت الراهن.
 
لكن هذا التوجه لا يفيد مع دولة أثبتت ان مهمتها الاساسية هي التضاد التام مع حزب الاصلاح، ووسائلها الاعلامية الرسمية جعلت من حزب الاصلاح في مستوى واحد مع جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، بل انها انشأت العديد من المواقع الالكترونية الممولة منها لمهاجمة حزب الاصلاح ليل نهار.
 
في تقرير للواشنطن بوست نشر مؤخرا قال معد التقرير ان الامارات اشترت مؤخرا اسلحة متطورة، وأن ما دفعهم لشراء الاسلحة هو : "التهديد المتصور من إيران هو الذي دفعهم إلى بناء جيش عصري واختبار قواتهم خارج حدودهم، كما رأوا ضرورة مواجهة الإخوان المسلمين وأي جماعات سياسية أو مسلحة يرونها امتدادا لتلك الحركة".
 
وهذا النص ورد كما هو في الواشنطن بوست قبل أقل من أسبوع.
 
لا يتعلق الامر بإذكاء الخصومة بين الاصلاح والامارات، فالدور الاماراتي اليوم ليس مشكلة حزب الاصلاح وحده، بل مشكلة كل اليمنيين بأحزابهم وأشخاصهم، لكن الامارات ستجد الاصلاح امامها جاهزا ومستعدا لأي تواصل سياسي في أي وقت، بينما لن يجدها الاصلاح في الوقت الذي يريد.
 
يتصرف حزب الاصلاح بنوع من عدم المركزية، فهو يعطي مكاتبه التنفيذية صلاحية اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبا مع تطورات الاوضاع في محافظاتهم، وهو ما حدث عندما صرح رئيس اصلاح عدن انصاف مايو، وأيد مطالب الحراك الجنوبي في توفير الخدمات، بل وظهر مايو رافعا علم الجنوب السابق.
 
 ومع ذلك لم يشفع ذلك الفعل لحزب الاصلاح لدى القوى المدعومة من الامارات في عدن، فكانت اولى الخطوات التي اتخذها مجلس عيدروس الزبيدي هي حظر نشاط الاخوان في عدن والجنوب كما أدعى، والمقصود بذلك حزب الاصلاح بالتأكيد، وما أعقب ذلك من حملات تشويه للحزب وانصاره، وصلت إلى منع المستأجرين من ايجار منازلهم كمقرات للحزب، ووصل الامر ذروته حد احراق مقر الحزب.
 
تصرف مكتب تعز الاصلاحي يأتي في هذا السياق، وهي محاولة لفرملة التهور الاماراتي الذي اغراه ما يجري في عدن وبقية المحافظات الى محاولة لعب نفس الدور في تعز، لكنها تبدو نوع من المغازلة مع طرف لا يهمه ذاك البيان، ولن يضيف له شيء جديد، ولن يحرجه ليتوقف عن إكمال مشروعه الواضح في اليمن.
 
وغير خاف على أحد أن الاصلاح كان هو المتضرر الأكبر من الدور الاماراتي، رغم أنه كان كما قال بيان مكتبه في تعز من اوائل من أيدوا التحالف العربي في اليمن لحظة انطلاق عملياته العسكرية في اليمن، ودفع الاصلاح جراء بيانه ذاك ثمنا كبيرا لازال يدفعه حتى اليوم.
 
بالتأكيد الاصلاح حزب سياسي عريق، ولذلك يتعرض للإنهاك متى ما انعدمت ادوات العمل السياسي في البلاد، ويصبح اكثر حضورا وفعالية متى ما كان للسياسة مناخها الآمن، ودورها الفعال، واجوائها المناسبة.
 
في حوار مع الموقع بوست تحدث عدنان العديني نائب رئيس دائرة الاعلام في حزب الاصلاح عن خصوصية المدرسة اليمنية المعرفية منها والسياسية، ومساعي البعض في ربط حزب الاصلاح بتيارات خارجية، ويؤكد إن معايرة الفعل السياسي المحلي بصراعات الخارج، وما يقود إليه من إهمال للبعد المحلي، ومتطلبات بناء الدولة اليمنية وحشره في زاوية جانبية، لا يجب أن تأخذنا اللحظة إلى صناعة فرز محلي على قضايا لا تنتمي للمعركة اليمنية ولا تخدمها.
 
اشتكى العديني مما يحاول خصوم حزبه فعله عند التعامل مع الحزب، والترويج له باعتباره امتدادا خارجيا، وليس حزبا يمنيا خالصا، عاصر الاحداث والمحطات السياسية منذ ما قبل ظهور التعددية السياسية نفسها.
 
وفي كل الاحوال ما أثاره بيان مكتب تعز يتعلق بإشكالية الاداء السياسي لعموم الاحزاب اليمنية، التي يتحمل كل واحد منها مسؤولية كبيرة في وصول البلد الى ما هي عليه اليوم، حتى دخلنا الى مرحلة تلاشي الفعل السياسي وذوبانه لصالح مسميات جديدة عديمة الجدوى.
 
بعد ثورة 2011م أنيط بالأحزاب السياسية مسؤولية إيصال اليمن الى بر الأمان عبر المبادرة الخليجية التي وافقت عليها القوى السياسية الفاعلة آنذاك، واصبحت الاحزاب التي اختارت عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي هي المسؤولة عن مراقبة تطورات الواقع اليمني بعد ذلك التأريخ.
 
بعد عامين من انتخاب هادي، تحول امناء عموم الاحزاب السياسية الى موظفين لديه، في مسمى وظيفي اسمه "مستشار"، وفي مؤسسة حكومية هلامية اسمها "هيئة المستشارين".
 
يحاول الاصلاح أن يطل على غيره بلغة السياسة، وأن يتحدث معهم بما يستطيع إجادته، انطلاقا من طبيعته كحزب سياسي، لكن ذلك يبدو صعباً بعد وصول البلاد الى ما هي عليه في الوقت الراهن، وتبين حقيقة كل طرف، ولم يعد خافيا على أحد اين هي اليمن اليوم، وماذا يُراد لها.
 
ومع كل هذا ينبغي أن يكون بيان اصلاح تعز مدخلا لتفعيل العمل السياسي لدى مختلف الاحزاب، والبدء بنفخ الروح للأحزاب السياسية، لتشكيل تحالف سياسي يتفوق على التحالف العسكري، لعلنا ننجو، ونطوق الانفلات الذي يتسع كل يوم في اليمن. 
 
وليس على الاصلاح وحده أن يضحي ليثبت وطنيته، وليس عليه ايضا أن يحارب بالنيابة عن الجميع، فالكل مسؤول ايضا عن مصير بلد وشعب، ولعل الاحداث التي شهدتها البلاد منذ 2014م حتى اليوم خير شاهد على أن اليمن تحتاج للجميع.
 

التعليقات